أطفال في عمر الزهور رجال في أرذل العمر وشباب أشقاهم العمل وأضناهم يتحملون قسوته ويجمعون «الكرتون» بحثاً عن لقمة العيش التي تأخذ علي حد وصفهم بالذل والمهانة، وأمهات وسيدات يجلسن في شقق سكنية تفتقد إلي معاني الحياة والآدمية والرحمة، يشكون همومهم وإهمال الدولة لهم وترتعش فرائصهم خوفاً من جبروت الحكومة وبطشها بعد أن هددتهم بالسجن أو دفع قيمة الشقق التي منحتها لهم الحكومة تعويضاً عن بيوتهم التي تم طردهم منها. يحدث هذا في مصر وبالتحديد في منطقة مساكن الأمل بالخصوص، تعيش 47 أسرة ظروفاً صعبة وأيام مريرة وليل طويل يظن البعض أنه لا تشرق له شمس بعد أن تم طردهم من بيوتهم وتشريد أطفالهم بين عشية وضحاها دون سابق إنذار، واستقر الحال بهم بمنح كل أسرة نصف شقة تعويضات له عن منزله بعد أن وعدتهم الحكومة ب100 ألف جنيه وشقة. والقصة تعود أحداثها إلي تاريخ 21/3/2010 عندما كانت تعيش حوالى 47 أسرة بمنطقة حصن 3 بمسطرد في بيوتهم التي يدفعون عنها ضرائب للدولة والتي عاش عليها أجدادهم وآباؤهم فيها وتربوا ونشأوا فيها منذ نعومة أظافرهم فوجئوا بأن محافظ القليوبية السابق المستشار عدلي حسين ورئيس حي شبرا محمد سعيد يطالبونهم بإخلاء منازلهم فوراً وبدون مقدمات؛ استيقظ الأهالى في صبيحة هذا اليوم على أصوات سيارات الشرطة والأمن المركزى كأنهم مجرمون ومعدات الإزالة بصحبتهم وقاموا بعمليات الإزالة دون سابق إنذار للأهالى ودون إعطائهم فرصة لنقل مفروشاتهم، وتعالت صرخات السيدات اعتراضاً على الأمر، ولكن الشرطة هددتهم بالحبس وتم نقلهم إلي وحدات سكنية في منطقة مساكن الأمل بالخصوص ومنحهم عمارتين، ولكن الغريب أن الحكومة قامت بتسكين كل أسرتين في شقة واحدة، عبارة عن غرفتين وحمام مشترك، ووعدوهم بتعويضات 100 ألف جنيه وشقة عن بيوتهم التي هجروها واستقرت الحالة بالأهالى يتحملون ظروف المعيشة الصعبة انتظاراً لتعويضات الحكومة لهم. وبعد مرور 6 سنوات من التشرد المعاناة فوجئ الأهالى بأن الدولة تطالبهم بدفع قيمة الإيجار عن السنوات الماضية «6 سنوات» بمبالغ تتراوح بين 8 آلاف جنيه ووصلت إلي 15 ألف جنيه فوراً دون إعطائهم فرصة الدفع بالتقسيط والتهديد إما الدفع أو الحبس. عجز البعض منهم عن جمع المبالغ المطلوبة وقامت الدولة برفع قضايا عليهم وبحبس بعضهم مما دفع البعض منهم إلي الهروب وترك المساكن التي تم تسكينهم فيها. والغريب أنه جاء في تلك القضايا أنه تم تسليمهم شققاً سكنية مفروشة بها نجف وثلاجات وغسالات وتليفزيون في كل شقة قيمتهم 6500 جنيه في الوقت نفسه الذي وجدنا فيه تلك الوحدات دون تشطيب كامل ولا تصلح للحياة الآدمية. «الوفد» قامت بزيارة الأهالى والاستماع إلي شكواهم بعد أن ضاقت بهم الدنيا وهددهم المسئولين ورفض رئيس حي شبرا مقابلتهم وهددهم بالقبض عليهم وقال لهم «إما الدفع أو الحبس» جلسنا نستمع إلي حكايات وقصص تدمي القلوب تصف ما حدث لهم شيء لا يصدقه العقل بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع لا حول لهم ولا قوة. سيد محمد، أحد السكان يشكون ما حدث لهم فيقول: منذ 2010 نسكن في الشقق التي تم نقلنا إليها وهي غير صالحة للحياة.. الحكومة بتهددنا بالدفع أو الحبس ودفع إيجار لها 116 جنيهاً ومطلوب من كل أسرة دفع 8450 جنيهاً بيوتنا خدتها الحكومة والبلطجية وتم طردنا منها والحكومة قامت ببناء مصنع كيماويات وعمائر عليها وجزء منها استولى عليه البلطجية وعلىّ ثلاث قضايا قضية بتاريخ 26/1/2015 وتم الحكم بحبسى 6 أشهر وعملت معارضة وقضيتين بتاريخ 1/3/2016 ومش عارفين نعيش وظروفنا صعبة طردونا من بيوتنا اللي بنعيش فيها منذ 60 سنة وبنوا عليها شركة كيماويات وعمائر ورمونا في الشارع كل أسرتين في شقة واللي مش عاجبه يشرب من البحر. الحكومة نصبت علينا قالولنا هتاخدوا شقق مفروشة، لقيناها بدون تشطيب ومضُّونا على أوراق بأننا استلمنا شقق بها نجف وثلاجة وغسالة وتليفزيون.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. كل يوم نسمع كلام عن الغلابة يقول «سيد» بنبرة حزن: فين هم الغلابة استولوا علي بيوتهم وضحكوا عليهم والنهاية الدفع أو الحبس وكلنا أرزقية علي باب الله. وتجلس نعمات محمد خير الدين مع أولادها الثلاثة بعد أن توفى عنها زوجها منذ عام تشكو تهديد الحكومة لهم وتقول حملنا العفش في سيارات زبالة بعد أن رمونا في الشارع، أحد الجيران منذ شهور قام بحرق نفسه لما عرف ان الحكومة تطالبه بدفع متأخرات الإيجار أو الحبس وبسبب القضايا والبعض الآخر فر هاربا من بطش الحكومة. جلال محمد أحمد «فران» يحكي ما حدث له فيقول كنت عايش في بيت 180 متر مع والدتي علي الستر والكفاف أوفر لهم لقمة العيش وفجأة وجدت الحي يزيل بيوتنا كنت خاطب وقربت أتزوج ولكن خطيبتي تركتني بعد ما عرفت ان الحكومة طردتنا من بيوتنا وصدر حكم بحبسي ثلاثة شهور والقضية الثانية ب6 شهور بسبب الإيجار بيطالبوني بدفع 5555 جنيهاً عن 4 سنوات فوجئت بالشرطة منذ يومين الساعة 12 ليلا يقبضوا عليّ كأني قاتل وهددوا والداتي بالسكوت أو القبض عليها والحبس. عالية عبدالرشيد عالي سيدة يبدو عليها ملامح المرض تقول كنت ساكنة في بيت مكون من دورين ومعي 4 أولاد كل ولد في شقة يعني كنا قاعدين في 4 شقق طردوني ولما رفضت الخروج ضربوني وهددوني بإخلاء المنزل أو الحبس ورموا الفرش بتاعي وحبسوا ابني 4 أيام في قسم بهتيم عشان اعترض علي الإزالة وقعدونا في شقة فاضية مش مفروضة ضحكوا علينا وقالوا لنا هنسكنكم في شقق مفروشة فيها تليفزيون وغسالة وثلاجة ونجف وفوجئنا بأنها علي المحارة. وفي إحدي الشقق تجلس نجاح عبدالحليم سيدة في الثمانينيات من العمر تبكي حالها وتستغيث من جبروت الشرطة التي تهددهم وتقول كان لي 3 بيوت أنا وأولادي رموا «عزالى» في الشارع ومش عارفين نعيش في شقة غرفتين وحمام مشترك وكل ما أملكه في الحياة هو معاش 400 جنيه أدفع منه إيجاراً ولا أتعالج بيه دفعت 1020 جنيه إيجار عن 4 شهور عاوزين من الحكومة بديل عن بيوتنا مش عاوزين 100 ألف وشقة زي ما وعدتنا الحكومة ويتركونا في حالنا نعيش في أمان ونربي أولادنا. فرج صابر رجل يبدو عليه ملامحه الهموم وعيناه تحملان الكثير مما رآه من تعنت وتهديد من موظفي الحي لهم فهو أب لثلاثة أبناء ومريض يعاني من الغضروف يقول الحكومة تطالبني ب15 ألف جنيه قيمة إيجار في 3/1/2013 جاء إلينا 3 موظفين من الحي يأخذون الإيجار وحصلوا من كل أسرة 200 جنيه ولم يعطونا أي إيصال بذلك وذهبنا إلي القسم تقدم بلاغ بذلك فوجئنا الشرطة ترفض وهددونا بالخروج من القسم أو الحبس وحدث نفس الأمر منذ أسبوعين حضر إلينا 3 موظفين من حي شبرا وقالولنا عاوزين من كل أسرة 500 جنيه دبروا حالكم ونخلصكم من القضايا طلبنا منهم تقسيط المبلغ لأن ظروفنا لا تسمح بالدفع الفورى قالوا محدش يسألنا عن شيء. عربى محمد يقول: الحكومة ضد الغلابة طردوني من بيتي وكسروا جهاز بنتى ورموه في الشارع وهي علي وش جواز اتحبست يومين عشان ما دفعتش الإيجار وعاوزين مني 6500 جنيه علي قضيتين ومعايا 5 أولاد منهم 2 معاقين ذهنياً عاوزين حل لمشكلتنا ونطالب الحكومة إما يرجعلونا بيوتنا وإما نأخذ تعويض عنها وكفانا بهدلة وتشريد أولادنا مش عارفين يناموا ننتظر الحبس في أي لحظة بالليل قبل النهار بعض الأسر تركت الشقق وذهبوا للسكن مع ذويهم خوفاً من القبض عليهم والحبس والبعض الآخر ليس أمامه سوى الانتظار ومواجهة مصيره. بعد أعوام من المصير المجهول والتشرد تتوقف حياة هؤلاء البسطاء في انتظار الأمل والمسئولين بتوفير مأوى لهم ووحدات سكنية تعويضاً لهم عن بيوتهم التي تم إزالتها.