في أرض عزيز عزت بحي امبابة، يعيش مصريون تحت خط «الصرف».. أسفل سطح الأرض بنحو ثلاثة أمتار، فلا يطلون علي الهواء ليتنفسوا إلا عبر نافذة وحيدة شبه مغلقة دائما، بفعل هيمنة الصرف الصحي المتسرب طوال العام من مواسير متهالكة علي الشوارع والبيوت أيضا. أكثر من 300 أسرة تقطن بدرومات البلوكات السكنية في هذه المنطقة العشوائية علي هامش منطقة المنيرة الغربية.. البلوك عبارة عن 15 غرفة منفصلة تعيش في كل منها أسرة مكونة من ثمانية أفراد في غرفة واحدة دون خدمات ومرافق من مياه شرب وصرف صحي رغم وفرة الصرف الذي يغطيهم بمخلفاته، فالحمامات منفصلة خارج البلوكات ما دعا السكان للاكتفاء بقضاء حاجاتهم في صفائح داخل الغرف، بالإضافة إلي انتشار الأمراض مثل الروماتيزم نتيجة الرطوبة المرتفعة والربو نتيجة سوء التهوية وعدم وجود نوافذ. تقول سميرة أحمد: أعيش في هذه البدرومات منذ حوالي 16 سنة، عندي 3 أبناء وانفصلت عن زوجي منذ فترة طويلة، أقوم ببيع الحمص أمام باب البدروم حتي نعيش، وابني الكبير عنده 8 سنوات يعمل مع أحد الجيران بخمسة جنيهات يوميا علشان يساعدني علي المعيشة لأني لا أستطيع إلحاقهم بالمدارس. وتضيف: تخيلوا إذا أراد أحد الخروج إلي الحمام في منتصف الليل ماذا سيحدث له فالحمامات قذرة جدا وبها ثعابين وحشرات كثيرة فنضطر إلي الذهاب إلي الجيران لقضاء حاجتنا» إحنا مش عارفين نعيش» وشكونا كثيرا ولا أحد يسأل فينا من المسئولين، وابنتي الكبيرة أصيبت بروماتيزم في القلب بسبب الرطوبة العالية «لكن نعمل إيه أمرنا إلي الله». مجدي زكي من سكان المنطقة يروي: كنت أعمل مقاولا ولكن لظروف صحية لم أستطع مزاولة العمل، وسكنت هنا منذ 15 عاما، ولدي أولاد ولكن أرفض مجيئهم هنا لأن المكان «بيئة»، وأخاف من تركهم مع والدتهم التي انفصلت عنها بسبب الظروف الصعبة التي أعيشها. ومضي يقول: الأوضاع لم تتغير عن أيام «المخلوع».. إذا جاء إلينا أحد ليساعدنا من أهل الخير تمنعه الحكومة وفي بعض الأحيان تقبض عليهم. ويتدخل محمد حسن قائلا: أنا هنا منذ زلزال 92 مع أبنائي الثلاثة ووالدتهم لأن منزلنا سقط في الزلزال وقالوا سنعوضكم بشقق بديلة، ولم نر أي مسئول من وقتها، وكأننا غير موجودين علي الخريطة، وكلما ذهبنا إلي الحي يقولون اكتبوا شكوي وسندرسها، حتي مللنا من الشكوي، فقد توفيت ابنتي بسبب الرطوبة في البدروم لكن ما باليد حيلة. ويقول صبحي عبد الرحمن: أعمل في المدبح وأسكن هنا وأعاني الأمرين في الخروج إلي الشارع بسبب الصرف الصحي الذي يغطي المكان دائما ويعوق السير في الشارع، فإذا ذهبنا الي الحي لشفط مياه الصرف لا يستجيب العمال في المرات القليلة إلا بعد دفع إتاوة، وما إن يمر يوم واحد حتي تنفجر ماسورة الصرف من جديد. ويقترح عبدالرحمن أن تزيل الحكومة هذه الحمامات قائلا: لا نستفيد منها بشيء، فلتبني بدلا منها وحدات سكنية تجمع كل سكان البدرومات في المنطقة، وتساءل عن مصير خمسة جنيهات يحصلها الحي علي ذمة صيانة الغرف دون معرفة المقابل. هويدا رشاد بدت أكثر غضبا وهي تقول: الحكومة ضحكت علينا، ورئيس الحي عبد الخالق عزوز جاء إلينا لالتقاط الصور معنا وجعلنا نوقع إيصالات استلام شقق بديلة، وبعدها «فص ملح وداب».. ومضت تقول: إحنا غلابة، ولما نروح نقدم علي شقق أو نشتكي يقولوا لنا أنتم أخذتم الشقق وبعتوها.. أنا عندي 6 أبناء وزوجي بلا دخل. وتضيف: مياه الصرف الصحي تخرج علينا من البالوعات ومن السقف كما أننا نقوم باستئجار هذه البدرومات مقابل 12 جنيهاً شهريا، واذا لم يتم الدفع تأخذنا الشرطة ويتم حجزنا في المحكمة حتي سداد الإيجار.. الحكومة تأخدنا في نصف الليل عشان حقها، واحنا مش من حقنا نشتكي، وتركتنا حتي استولت علينا الأمراض والتهديد بالحبس في أي لحظة. أم محمد تقول بأسي: لدي خمس بنات، ونعيش جميعا في هذه الغرفة ونقوم بقضاء الحاجة في صفائح داخل الغرفة كحال باقي السكان في المنطقة، وأنا كبرت وأعاني من أمراض السكر والضغط والكلي، وعليك أن تتخيلي كيف حالنا، لو كان معنا فلوس كنا سكنا في أي مكان آخر لكن العين بصيرة واليد قصيرة. «حتي مياه الشرب مش موجودة وأولاد الحلال عملوا لنا خرطوم علشان نشرب منه، احنا مش عايزين منهم غير أنهم يصلحوا الصرف الصحي وينظفوا الحمامات علشان نحس اننا عايشين».. هذه كل مطالب نصرة عيد التي تقول: أستيقظت أنا وأولادي الستة نلاقي نفسنا عايمين علي مياه الصرف الصحي «هو احنا مش بني آدمين» وتفاجئنا: مات لي خمسة أولاد بسبب الرطوبة والأمراض.. وتضيف: ممكن نكسر الشقق الموجودة في مطار امبابة ونقعد فيها بالقوة لكن هيطردونا منها ونبقي لا طلنا الشقق ولا فضلنا في البدروم. ويقول عمر محمد (سروجي): معي خطاب تخصيص شقة بدلا عن منزلي المنهار منذ 15 سنة ولم أتسلمها حتي الآن، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتردد علي المحافظة وأشكو مما نحن فيه، ولكن لا حياة لمن تنادي كما أننا طالبنا بهدم الحمامات وبناء وحدات سكنية تجمع سكان البدرومات علي نفقة أحد رجال الأعمال إلا أن الحي رفض ولا نعرف السبب وراء هذا الرفض. المنيرة الغربية ومن أرض عزيز عزت إلي المنيرة الغربية، الوضع متشابه تماما فالرطوبة والصرف الصحي وانتشار الحشرات أصبحت السمة الرئيسية للحياة هنا، تقول ماجدة السيد: أعيش هنا منذ 28 سنة في هذا البدروم، لدي بنتان وزوجي مريض بتضخم الكبد ونعاني من مياه الصرف الصحي التي تغرقنا كل يوم فنضطر للجلوس في الشارع حتي نستطيع التنفس لأن التهوية ضعيفة جدا مما سبب لنا الأمراض لأن الشباك الوحيد في الغرفة مساو لسطح الأرض من الخارج. وتضيف: كنا ندفع خمسة جنيهات في الشهر ومسئول الحي منعنا من الدفع ووعدنا بالنقل لمساكن تانية بعد الثورة، ولم يظهر مرة تانية.. ابنتي تعرضت للصعق بالكهرباء بسبب الصرف الصحي.. أما أنا فأطبخ شوية محشي عشان أبيعهم وأرزق منهم. حامد أبو زيد يعيش بالمنطقة منذ خمس سنوات مع أمه، يقول بتأثر بالغ: لا أستطيع العمل لأني مشلول، لكن ربنا بيبعت لي رزقي وأدفع 50 جنيهاً إيجار الغرفة، لكن المشكلة الأكبر في البلطجة وتجار المخدرات الذين يحكمون المنطقة والدولة مش ساءلة فينا. وتلتقط طرف الحديث نادية محمد لتقول: احنا عايشين ومش عايشين، ابني الصغير هو الذي ينفق علينا، ووقع مصابا في الشغل ولا أجد ثمن علاجه ورطوبة الغرفة تزيد تعبه وآلامه.. عيشة والسلام.