حتي هذه اللحظة لا أدري لماذا الإصرار من المجلس العسكري علي الإبقاء علي مجلس الشوري الذي منذ نشأته وهو بلا اختصاصات وبلا سلطات وليس له أي صلاحيات حقيقية في عملية التشريع وفي الوقت نفسه يحمل خزانة الدولة ملايين الجنيهات سنوياً!!، وحتي هذه اللحظة لا أدري لماذا يصر المجلس العسكري علي استمرار الاختراع الدستوري الذي ينص علي أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب علي الأقل من العمال والفلاحين ويجوز أن يكون أكثر من النصف!!.. وإذا كانت الغالبية الساحقة من القوي والتيارات السياسية طالبت بإلغائهما معاً وباتت مقتنعة تماماً بعدم وجود أي مبرر لاستمرارهما، فلماذا هذا الإصرار علي بقاء مجلس الشوري الذي من حيث اختصاصاته وتشكيله أصبح غير مناسب للمرحلة المقبلة وعلي استمرار البدعة التي أبتليت بها الحياة السياسية المصرية دون بلاد العالم أجمع وهي نسبة 50٪ عمال وفلاحين في مقاعد مؤسسة تشريعية لنظام سياسي يفترض أن يعكس طموحات وتوجيهات ثورة 25 يناير. كذلك إذا كان هناك إجماع من القوي السياسية والوطنية علي رفض مشروع قانون الدوائر الانتخابية ومن قبله مشروع قانون الانتخابات نفسه الذي يجمع بين القائمة والفردي، فلماذا هناك إصرار حتي هذه اللحظة علي عدم التعديل؟! لا يوجد تفسير لهذا الإصرار إلا أننا مازلنا نعيش في جلباب النظام السابق وأن النظام السابق مازال يحكمنا بنفس القوانين العجيبة والمخالفة لكل قواعد الانتخابات النزيهة وأن القوانين تتم بتخطيط من قوي سياسية معينة تريد أن ترجع بنا إلي الوراء وتريد الإبقاء علي بينة النظام القديم كما هي دون تعديل أو تغيير وقصر الإصلاحات المطلوبة في أضيق الحدود والحرص علي أن تظل المؤسسة التشريعية ضعيفة كي تتمكن السلطة التنفيذية خاصة رئيس الجمهورية القادم من صياغة السياسات واجبة التطبيق في المرحلة المقبلة، بما يتناسب مع مصالح نفس النخبة الحاكمة المرتبطة بالنظام القديم، وبالشرائح الاجتماعية التي شكلت ولاتزال تشكل العمود الفقري لهذا النظام، ولا أدري كيف أن المجلس العسكري يؤكد بين الحين والآخر علي نزاهة الانتخابات المقبلة، وهذه القوانين لا تعبر عن حسن نوايا من يحكمون مصر الآن ولا تبشر بالخير وإذا لم يتم تعديلها سوف تعود بنا إلي الوراء فهي تصب في مصلحة العمال والفلاحين وأصحاب المال والعصبيات وهي صفات تنطبق علي فلول الحزب الوطني المنحل وبعيدة كل البعد عن النخبة المثقفة التي همشت لسنوات طويلة ويصعب تمثيلها في البرلمان القادم في ظل هذه القوانين التي تجعل العملية الانتخابية تخضع لسيطرة البلطجة ورأس المال وهما العنصران اللذان يمتلكهما فلول النظام السابق وبالتالي سنشهد عودة فلول النظام السابق للحياة السياسية من بوابة البرلمان، إن البرلمان المقبل، هو الأهم والأخطر في تاريخ مصر وهو البرلمان الذي ينتظره الشعب لوضع دستور جديد وإصدار التشريعيات التي تحدد مستقبل مصر، وتنتظره مهام جسام لإصلاح ما أفسده النظام القديم وبناء نظام جديد قادر أن يحول دون إعادة إنتاج نفس السياسات التي أوصلت مصر إلي ما هي عليه الآن من تخلف في جميع المجالات إلا أن الأمور إذاما صارت في الاتجاه المعلن عنه من المجلس العسكري سوف يكون هذا البرلمان أكثر سوءاً من برلمان سرور المنحل. [email protected]