فيما لازالت الأحداث تتصاعد وتزداد توترًا في محيط سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالقاهرة، وسط اشتباكات متقطعة بين قوات الأمن التي تحاول تأمين السفارة ومتظاهرين غاضبين، بدا في الأفق ملامح توتر من نوع آخر طال العلاقات بين القاهرةوواشنطن بعد تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه لا يعتبر مصر حليفًا أو عدوًا في الوقت الحالي، محذرًا مما وصفها ب "المشكلة الكبرى" إذا لم يتم توفير الحماية الكافية لبعثة بلاده الدبلوماسية. ليسوا حلفاء ولا أعداء وقال أوباما في مقابلة أجرتها معه شبكة تيليموندو التلفزيونية الأمريكية الناطقة بالإسبانية :"لا أعتقد أننا نعتبرهم (المصريون) حلفاء، لكننا لا نعتبرهم أعداء أيضًا"، مضيفًا أن الحكومة المصرية الجديدة، وهي حكومة منتخبة ديمقراطيًا، ما زالت "مشروعًا قيد الإنشاء" وأنها ما زالت تتلمس طريقها. وكانت الولاياتالمتحدة تعتبر مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك حليفاً مقرباً لها ومساهمًا في تمرير مشروعاتها في المنطقة، وتقدم واشنطن 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر بالإضافة إلى مساعدات أخرى، تشير التقارير إلى أن معظمها كان ينتهي في جيوب عناصر النظام السابق. وتابع أوباما، في المقابلة التي أذيعت يوم الخميس، معلقًا على التظاهرات المستمرة لليوم الثالث أمام السفارة الأمريكيةبالقاهرة "الوضع لا يزال غامضًا ولكننا ننتظر كيف سيتصرفون حيال إلحاحنا لتأمين الحماية لسفارتنا وطاقمنا الدبلوماسي"، محذرًا أنه "إذا تبين لنا أنهم لا يتحملون هذه المسؤولية، كما تتحملها سائر الدول التي لنا فيها سفارات فسيؤدي ذلك إلى مشكلة كبيرة حقيقية"، وفقًا لقوله. توتر مؤقت .. أم تغير جذري؟ وبدت تصريحات أوباما غامضة وغير مفهومة خاصة فيما يتعلق بتحذيره للقاهرة من "مشكلة كبيرة حقيقية" لم يوضح طبيعتها وإن بدا الأمر كتهديد مبطن، وهو ما اعتبره المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، يكشف عن بداية اهتزاز في العلاقة الإستراتيجية المصرية الأمريكية. واعتبر موسى أن تصريح أوباما بأن مصر ليست حليفًا ولا عدوًا تشير إلى أن تعريفًا استراتيجيًا جديدًا سوف يظهر بالنسبة للعلاقات المصرية الأمريكية، وربما يكون هناك تغير جذري في طبيعة العلاقة بين البلدين وتأثيراتها السياسية والاقتصادية، الإقليمية والدولية وهو ما يجب أن نأخذه بكل جدية. وأعرب موسى عن أمله في أن تتحقق الأنباء الخاصة بزيارة الرئيس مرسي للولايات المتحدة ولقاءه بالرئيس أوباما سواء في سبتمبر في نيويورك أو في ديسمبر في واشنطن للتباحث في هذا الموضوع على أعلى مستوى. ومن المنتظر أن يقوم مرسي بزيارته الأولى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في 23 سبتمبر الجاري لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلقاء خطاب مصر أمام الجمعية العامة، ورجحت مصادر دبلوماسية في وقت سابق أن يلتقي الرئيس المصري مع نظيره الأمريكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة سواء كانت في نيويورك أو بتوجيه الدعوة رسمياً إليه لزيارة واشنطن، لكن لا يتضح حتى الآن مصير هذا اللقاء في ضوء تطورات الأوضاع الحالية. على الجانب الآخر اعتبر الدكتور عمرو دراج، مسؤول لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، أن العلاقات الإستراتيجية بين القاهرةوواشنطن، ستظل موجودة رغم الأحداث العابرة والتوترات الجارية، جراء الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، وما نتج عنه من أحداث أمام السفارة الأمريكيةبالقاهرة. وأضاف تعليقًا على تصريحات أوباما :"أن الطريقة العدائية مع مصر، لا تؤدي للحفاظ على المصالح الإستراتيجية بين البلدين، ويجب أن نهدأ حتى نعبر هذه المرحلة لتظل العلاقات جيدة". شراكة وتعاون من جانبه، سعى البيت الأبيض لتخفيف حدة تصريحات أوباما مؤكدًا أنه لم يقصد بها أي تغيير في العلاقة مع مصر، وقال تومي فيتور المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية :"أعتقد أن الناس يحملون الجملة أكثر مما تحتمل، إن كلمة (حليف) هي مجرد مصطلح فني ليس إلا، فنحن لا توجد لدينا اتفاقية دفاع مشترك مع مصر بعكس الحال مع دول حلف الناتو". وتصنف واشنطن مصر منذ عام 1989 ك"حليف غير عضو بحلف الناتو"، بعد أن مرر الكونجرس القانون الأول من نوعه والذي يسمح بهذه الصفة، التي تمنح مميزات في التعامل مع الولاياتالمتحدة علي صعيدي الأمن والتعاون التكنولوجي. وأضاف فيتور "كما قال الرئيس فإن مصر والولاياتالمتحدة لديهم علاقات شراكة طويلة الأمد ونحن نعتقد أننا يمكن أن نبني علي تلك العلاقة من خلال دعم الانتقال الديمقراطي في مصر والعمل مع الحكومة الجديدة". وكان مسؤولون في إدارة أوباما قد كشفوا في وقت سابق من الشهر الجاري، أن الولاياتالمتحدة "اقتربت من إنجاز اتفاق لشطب مليار دولار من ديون مصر"، معتبرين أن "مصر ونظرًا لنفوذها في العالم العربي، فإن نمو اقتصادها واستقرارها السياسي قد يكون لهما تأثير إيجابي على دول أخرى تمر بمرحلة انتقالية في المنطقة". فيما يبدي المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية "ميت رومني" موقفًا متشددًا من مصر وأكد أنه حال فوزه بالانتخابات ينوى "بلورة شروط للمساعدات الأمريكية لمصر من أجل تشكيل حكومة تمثل جميع المصريين، وتحافظ علي السلام مع إسرائيل". وعبر رومنى عن "إحباطه" لوصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر، وقال :"نحن قلقون للغاية لأن نرى الزعيم الجديد لمصر إسلاميًّا، وأملنا أن نحرك تلك الأمم باتجاه رؤية أكثر حداثة للعالم، وبحيث لا يمثلون تهديدًا لجيرانهم والأمم الأخرى حول العالم".