كُنتُ أستشعرُ اليُتم حتّى امتلأت بحُبّ خليل الرحمن؛ أبي إبراهيم عليه السلام. وكثيراً ما ظننت أنّي أُحبُّه أكثر من حفيده المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلِّم؛ حتّى اكتشفتُ أن علاقتي بكُلٍّ منهما تختلفُ كُليًّا عن علاقتي بالآخر. بل ولا يُمكن مُقارنة العلاقتين أصلاً. إذ يُمثِّلُ أحمد اكتمال النبوّة وختم الرسالة، وإحكام الصلة بالوحي الحاكم، فهو قدوةٌ واجبة وممكنةُ الاحتذاء في أفعالِه وأقوالِه. أمّا إبراهيمُ فيُمثِّلُ الأبوّة، ليس بالمعنى البيولوجي السخيف، ولكن بالمعنى الروحيّ الشفيف. القدوة الإنسانيّة التي تُحبُّ احتذائها لقُربها من طبعك. إنّهُ يُعبِّرُ عنّي وعمّا يشغلني ويملأ شعوري؛ يُعبِّرُ بحرارةٍ وتلقائيّةٍ فريدتين. إن تحفُّظ سيدي أحمد يستُرُ عنّي إنسانيّته المُركّبة شعوريًّا، فلا أشعُر أنّي ورثتُ منهُ شيئاً برغم حضوره الراسخ في شعوري ووعيي التاريخي. أمّا حرارةُ حضور أبي إبراهيم، فتغلب فيها إنسانيّته على نبوّته في وجداني، وتجعلني أشعُر بأني ورثت منه قلقه الوجوديّ المضني، ولهفته في البحث، وسُخريّتهُ من الشرك واستهانته بسدنته واستعلائه على مظاهره، لأطمع بوراثة تسليمه الكامل لربّه يوماً ما. وقد أدركت أخيراً أنّي أتناولهم بحسٍّ فنيّ، فإن ذلك الذي كان أُمّة؛ هو بالنسبة لي شخصيّة دراميّة ثريّة للغاية.