مما لا ريب فيه أنه ليس في علاقات الناس أقوي وأرسخ من رابطة الأبوة والبنوة, ومع بداهة التسليم بقوة هذه الرابطة وانفرادها بالسمو والحنو بين جميع العلاقات الإنسانية.. فهي محتاجة أبدا إلي التذكير بحقوقها, والتحذير من عقوقها. وفي القرآن الكريم صور حية مشرقة, مبثوثة في عديد من سوره عن لهفة الأبوة علي البنوة, فهي عاطفة فطرية, فهم امتداد لأعمارنا وتجديد لوجودنا الفاني, والأولاد فرحة للآباء وزينة للعيش, وبهجة للبيوت, وموئل عون علي ضعف الشيخوخة في جهاد الحياة, فيصور القرآن في أول حديثه عن لهفة الأبوة علي البنوة شوق زكريا عليه السلام إلي الولد إذ نادي ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا.. ثم يصور القرآن حرص إبراهيم عليه السلام علي أن ترثه ذريته في نبوته وإمامته, وفي قصة( آل عمران) يصور القرآن حب الأمومة للبنوة في دعاء امرأة عمران لابنتها مريم أن يحفظها الله من همزات الشيطان, وفي قصة نوح عليه السلام يصور القرآن أروع موقف من مواقف الأبوة اللاهفة علي البنوة العاقة وفي سورة يوسف يصور القرآن لهفة يعقوب عليه السلام علي ابنه الأثير عنده يوسف الصديق عندما تآمر عليه إخوته لأبيه فألقوه في غيابة الجب ثم بيع بدراهم معدودة إلي عزيز مصر وزعموا أن الذئب أكله. فقد ظل أبوه في ذكر دائم وشوق لازم يقول يا أسفي علي يوسف لكنه لا ييأس من روح الله أن يعيد إليه يوسف. هذه الصور الحية المتحركة للهفة الآباء علي الأبناء هي كل ما يقدمه القرآن من تعريض وتلميح عن حق الوالد وواجب الولد, فهنالك في القرآن, ما يجب علي الآباء والأمهات الذين يتلهفون علي الذرية وبما يجب علي الأبناء والبنات من بر بالآباء والأمهات وإحسان إليهم, واحترام لهم. فقد كرر القرآن وبالوالدين إحسانا, وفي الجانب الآخر وجه القرآن الأبصار إلي الآباء يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا( التحريم), ولقد سلك القرآن في إيصاء الآباء بالأبناء مسلك المعاملة بالمثل ترهيبا من الانتقام الإلهي في ذريتهم التي يتلهفون عليها حبا وحرصا, فقال في جملة وصاياه وأحكامه عن الأسرة في سورة النساء وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا( النساء).