وكيل الرياضة بالدقهلية تعقد اجتماعا موسعا مع مديري الإدارات الداخلية والفرعية    «المركزي»: البنوك إجازة يومي الأحد والاثنين بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    فى مواجهة التحديات    موعد صرف معاشات مايو 2024 بالزيادة الجديدة.. والاستعلام عن معاش تكافل وكرامة بالرقم القومي    السردية الفلسطينية!!    السفارة الروسية: الدبابات الأمريكية والغربية تتحول «كومة خردة» على أيدي مقاتلينا    رحيل كلوب.. الإدارة الجديدة.. والبحث عن تحدٍ مختلف    أنشيلوتي: ماضينا أمام البايرن جيد وقيمة ريال مدريد معروفة لدى الجميع    بسبب أولمبياد باريس.. مصر تشارك بمنتخب الناشئين في بطولة إفريقيا للسباحة للكبار    أمن المنافذ يضبط 19 قضية متنوعة و1948 مخالفة مرورية    حفل زفاف أسطورى    عبقرية شعب.. لماذا أصبح شم النسيم اليوم التالى لعيد القيامة؟    تعرف على أفضل الأدعية والأعمال المستحبة خلال شهر شوال    جامعة قناة السويس تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    أحلى فطائر تقدميها لأطفالك.. البريوش الطري محشي بالشكولاتة    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    العرض العالمي الأول ل فيلم 1420 في مسابقة مهرجان أفلام السعودية    إيرادات الأحد.. فيلم شقو يتصدر شباك التذاكر ب807 آلاف جنيه.. وفاصل من اللحظات اللذيذة ثانيا    وكيل تعليم بني سويف يناقش الاستعداد لعقد امتحانات النقل والشهادة الإعدادية    الشيخ خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله    مصري بالكويت يعيد حقيبة بها مليون ونصف جنيه لصاحبها: «أمانة في رقبتي»    حجازي: نسعى للتوسع في «الرسمية الدولية» والتعليم الفني    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    فرقة ثقافة المحمودية تقدم عرض بنت القمر بمسرح النادي الاجتماعي    بالتعاون مع المدارس.. ملتقى لتوظيف الخريجين ب تربية بنها في القليوبية (صور)    رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    انطلاق القافلة «السَّابعة» لبيت الزكاة والصدقات لإغاثة غزة تحت رعاية شيخ الأزهر    الاقتصاد العالمى.. و«شيخوخة» ألمانيا واليابان    إصابة شخص في تصادم سيارتين بطريق الفيوم    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    بعد انفجار عبوة بطفل.. حكومة غزة: نحو 10% من القذائف والقنابل التي ألقتها إسرائيل على القطاع لم تنفجر    تأجيل نظر قضية محاكمة 35 متهما بقضية حادث انقلاب قطار طوخ بالقليوبية    زكاة القمح.. اعرف حكمها ومقدار النصاب فيها    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    وزيرة الصحة يبحث مع نظيرته القطرية الجهود المشتركة لدعم الأشقاء الفلسطنيين    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    إيران: وفد كوري شمالي يزور طهران لحضور معرض تجاري    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده
نشر في الفجر يوم 25 - 01 - 2012

أظلنا شهر ربيع الأول، وأطلت علينا بمقدمه ذكريات يحبها كل مسلم، ويسعد بتذكرها كل مؤمن، ومن أعظم الأحداث التي حواها هذا الشهر مولد نبي الرحمة وإمام الهدى صلى الله عليه وسلم.

ذاك المولد الذي كان إيذانًا بانتهاء عهد الضلال وابتداء عهد الهدى، وكان كالبشرى الفارقة بين عهد الظلام والشرك والوثنية، ومبدأ لعهد النور والتوحيد والعبودية.

فأحببت أن أصحب إخواني في رحلة عبر التاريخ نعيش فيها لحظات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني بداية أعتذر له ولكم عن قصوري عن توفيته حقه وعجزي عن أن أقدره قدره أو بعض قدره.. كيف وهو خير الورى وأفضل من وطئ الثرى؟ كان بين المرسلين علمًا وبين الناس معلمًا وللمؤمنين قدوة وأسوة ومعلمًا.

ذاك الداعية العظيم، والنبي الكريم؛ الذي جاء إلى هذه الأمة الضعيفة المنهكة، المتحاربة المتفرقة، فجمع بالإسلام شتاتها، ووحد بالتوحيد كلمتها وصفها، ورفعها بالإسلام فوق الرؤوس، أنا وأنت وجدي وجدك لم يكن لنا تاريخ، بل كنا أذل أمة، أمة تأكل الميتة وتشرب الخمر وتأتي الفواحش وتطوف بالأصنام وتعبد الأوثان؛ حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام، فأخرجنا من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان، ومن ذل المعاصي إلى عز الطاعة، وأخذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إلى الله رب العالمين.

إن البرية يوم مبعث أحمد *** نظر ا لإله لها فبدل حالها
قد كرم الإنسان حين اختار من *** خير البرية بدرها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد إمة *** جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

هو منة الله الكبرى على المؤمنين، ورحمته العظمى التي أرسلها للعالمين {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.. [آل عمران:164].

هو دعوة أبيه إبراهيم حين قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.. [البقرة:129].

وبشارة أخيه عيسى في قوله: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}.. [الصف:6] ورؤيا أمه آمنة حين رأت أنه خرج منها نورًا أضاءت له قصور كسرى وقيصر.

مولد كريم ومبعث عظيم
عندما ولد تزلزلت عروش الكفر فتصدع إيوان كسرى وسقطت بعض شرفاته وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، وكانوا يعبدونها من دون الله وهي التي لم تطفأ منذ ألف عام كما قال أهل السير.

وكما تزلزت عروش الكفر لمولده كذلك اهتز الفلك لمبعثه وبداية قيادته للعالم، فبدأت السماء ترمي الشياطين بالشهب واللهب حتى لا يتسمعوا إلى الوحي كما كانوا يتسمعون إليه قبل بعثته. كما حكى ربنا على لسان الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً}.. [الجن:8 ، 9].

وبمبعثه أغلقت الجنة أبوابها فلا تفتح إلا من طريقه، ولا يدخلها إلا أتباعه ومحبوه كما في صحيح مسلم: "والذي نفسي محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ".

حياة حافلة
ما بين قول الله له: {اقرأ}، إلى قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}، عاش النبي حياة النبوة والرسالة.
أولا: عالم من العبادة: الصلاة، الصيام، الذكر، الجهاد.
ثانيا: عالم من الزهد: في مسكنه.. في مطعمه.. في ملبسه.. وفي ميراثه.
ثالثا: عالم من المعجزات: الجذع، الاستسقاء، القمر، الطعام.
رابعا: عالم من الأخلاق: في صبره، وتواضعه، وشجاعته، وكرمه.
خامسا: عالم من التربية: مع المرأة، مع الأسرة، مع الزوجة، مع الطفل.

أولا: عالم من العبادة
1 أما عن صلاته: فحدث ولا حرج، كان يقرأ في الركعة الواحدة بالبقرة والنساء وآل عمران، فيقف عند كل خير فيسأل الله، وعند كل آية عذاب فيستعيذ بالله ويسأله عفوه، ثم يركع فإذا ركوعه قريبًا من وقوفه، ويرفع مثل ذلك ويسجد نحوًا من ذلك.

وكان يصلي لله حتى تتشقق قدماه، وتتفطر دمًا، فإذا سئل عن ذلك قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟". فيا من تزهدون في الصلاة وتستعجلون الخروج منها ليكن لكم في رسول الله أسوة حسنة.

2 وأما صيامه: فكان يصوم الأيام والليالي المتواليات مواصلاً لا يأكل في ليل ولا نهار، فيقول له أصحابه: إنك تواصل – يريدون أن يفعلوا مثله – فقال: "إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".

قال ابن القيم: لا يطعمه طعامًا حسيًّا وإلا لم يكن صائمًا، وإنما يطعمه اللطائف والمعارف والحكم والفتوحات الربانية.

فقوت الروح أرواح المعاني *** وليس بأن طعمت وأن شربتا
لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الطعام وتلهيها عن الزاد

3 وأما جهاده: فهو البطل المقدام والشجاع النحرير، يفر الكماة والأبطال وهو ثابت لا يفر.. فر عنه أصحابه يوم أحد فبقى في نفر قليل لم يتراجع ولم يتزعزع، وفروا عنه يوم حنين فجعل يضرب وجوه الكفار وحده ويقول: "أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب".
يقول علي رضي الله عنه: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. (صححه الألباني)

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة *** أدبت في هول الردى أبطالها
وإذا نطقت صدقت فيما قلته *** لا من يكذب فعلها أقوالها
تمر بك الأبطال ترمى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم

ثانيا: عالم من الزهد:
1 أما مسكنه: فيحدثك عنه الحسن البصري يقول: دخلت حجر بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ولو شئت أن أمس السقف بيدي لمسسته.

دخل عليه عمر فلم يجد في البيت شيئًا يرفع إليه البصر ووجد الحصير قد أثر في جنبه الشريف، فبكى وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه من النعمة وأنت رسول الله وهذا حالك؟ قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!

وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "ما لي وللدنيا وما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها".

2 أما طعامه: فتقول عائشة رضي الله عنها: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع نساؤه من خبز الشعير 3 أيام. وكان يمر اليوم واليومان ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يملأ به بطنه من الدقل. وقالت رضي الله عنها لعروة بن الزبير: كان يمر الهلال تلو الهلال تلو الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قال: فما كان طعامكم يا خالة؟ قالت: الأسودان التمر والماء.

3 وأما ميراثه: فمات ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل طعام يطعمه لأهله. هذا وهو الذي ملك الدنيا ولكنه زهد فيها ووزعها على أتباعه، فأعطى رجلاً مائة من الإبل وذاك مائة، وأعطى رجلاً مرة غنمًا بين جبلين، وفي الأخير قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

ثالثا: عالم من المعجزات:
يظن بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ليست عنده إلا معجزة القرآن، ولعمري إنها لأعظم معجزة، ولكنها ليست الوحيدة، بل إن معجزاته كثيرة كثيرة، وما أعطى الله نبيًا من أنبيائه معجزة إلا وأعطى من جنسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أعظم منها؛ فلئن كان أحيا لعيسى الموتى من الناس فلقد أنطق له الجذع، وكلمه الجمل، وسلم عليه الجبل، وسبح الحصى بين يديه. ولئن حفظ إبراهيم من النار فقد حفظ منها بعض أتباعه، وإن شق لموسى البحر فقد مشى عليه أتباعه، وبالجملة فإن معجزاته أكثر من أن تحصر أو تعد.

1 ومنها الجذع: كان جذعا من النخل يستند عليه صلى الله عليه وسلم إذا خطب، فصنعوا له منبرًا، فلما صعد المنبر بكى الجذع حتى سمع أصحاب النبي صوت حنينه، وما سكت حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده عليه.

كان الحسن إذا ذكر هذا الحديث قال: يا مسلمون الجذع يحن إلى رسول الله وأنتم لا تشتاقون إليه؟

2 أما الاستسقاء: فكان عليه الصلاة والسلام يخطب على المنبر فدخل رجل فقال يا رسول الله هلكت الأموال وجاعت العيال وضلت السبل فادع الله أن يغيثنا، فتبسم تبسم الواثق ورفع يديه وقال: اللهم أغثنا.

قال أنس: ووالله ما في السماء من قزعة فإذا سحابة كالترس ظهرت من وراء الجبل فجعلت تنتشر حتى ملأت السماء وأمطرت، فما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر حتى سال الماء على وجهه فقال: أشهد أني رسول الله.

وبعد أسبوع من المطر جاء الرجل نفسه أو غيره فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وضلت السبل فادع الله لنا.

فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنبت الشجر. فما يشير إلى ناحية إلا توجه إليها الماء، وخرج الناس يمشون في صحو كأنهم لا يمطرون منذ سبعة أيام.

3 انشقاق القمر: وهي آية أخرى ومعجزة كبرى حين شق له الله القمر عندما مر على صناديد الكفر فدعاهم إلى الله فقال له أبو جهل: لا أومن لك حتى تشق لنا هذا القمر!! قال: فإذا شققته بأمر الله تتبعوني وتؤمنوا؟ قالوا: نعم. فدعا ربه ففلق القمر فلقتين من دون الجبل. فقام أبو جهل ونفض ثيابه وهو يقول: سحرنا محمد سحرنا محمد، وصدق الله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ}...[الصافات:12-15]. {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}...[القمر:1-5].

وأما تسبيح الحصى في يديه وتفجير الماء من بين أصابعه وتسبيح الطعام بين يديه وتكليم الحيوانات له وتسليم الحجارة عليه، فكلها معجزات ثابتة وآيات بينة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.

رابعا: عالم من الأخلاق
وقد جمع الله له كل خلق حسن ووصف جميل، ويكفيه قول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.. [القلم:4].

1 في تواضعه: يأكل على التراب، يقضي حاجة المحتاج، يضاحك الأطفال: "يا أبا عمير ما صنع النغير". يردف ابن عباس ومرة معاذ خلفه على دابته. تأخذ الأمة بيده فيذهب معها حتى يقضي لها طلبتها. وهو القائل: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله".

2 في صبره: صبر على الفقر، صبر على المصائب، صبر في مجالات الوغى، أما مات بناته، أو ما قتل أصحابه بين يديه، أما رمى في عرضه. دعا ثقيف فرموه بالحجارة حتى أدموه وهو يقول: لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.

3 في كرمه: فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه. قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين. فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا. فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.

وعند الترمذي بسند صحيح، عن صفوان أمية رضي الله عنه قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وإنه لأبغض الخلق إلي ، فما زال يعطيني ، حتى إنه لأحب الخلق إلي.

وهو أحق الخلق بقول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهللا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
تعود بسط الكف حتى لو انه *** أراد انقباضا لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه *** لجاد بها فليتق الله سائله

خامسا: عالم في التربية
مع الرجال: ربى جيلاً من الصحابة شيوخه وشبابه ونساءه وأطفاله، ولتعرف قدر هذه التربية فانظر في سير الصحابة، تعلم قدر القوم وقيمة وكيفية التربية، فقد صنع من كل نفس منهم قدوة ومثلا يحتذى.

مع النساء: لقد حرر المرأة من إذلال الجاهلية لها، وجعل لها كرامة وقدرًا، وبعد أن كانت تباع كالبعير وتورث كالثوب ومجرد متاع ولهو يلهى بها، إذا به يرفع قدرها ويعلي شأنها بالإيمان ويجعلها عِرضًا مصونًا وجوهرًا مكنونًا. وحفظها ووصى بها ورفع شأنها أمًّا وزوجة وأختًا وبنتًا. وما زال يربي النساء ويعتني بأمرهن حتى كانت المرأة يموت زوجها وأولادها في سبيل الله فلا يهمها ذلك وتسأل عنه، وتقول كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل.

لقد صان المرأة في عفتها وطهارتها، ورفع قدرها وكرامتها حتى بلغت قيمتها أن تبذل من أجلها الأرواح وتنفق في سبيل حفظها المهج والنفوس، واسمع إليه يوصي بالنساء ويقول: "الله الله في النساء". "اتقوا الله في النساء". "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".

لا قدوة لنا سواه
إن كل مدح مهما بلغ فهو صلوات الله وسلامه عليه أرفع منه وأعلى وهو في عن مدحنا ولكن لا غنى لنا نحن عن أن نمدحه، ولكن بعض الناس ممن لا يعرف تفاصيل حياته، يظن أنه كان مصلحًا دينيًا، أو قائدًا سياسيًا أو حربيًا، وأنه أمَّ المصلين وعنده بعض الحِكَم والأحاديث. لا.. إنه كان أولاً رسول الله ونبيه، وهذا مصدر عظمته.

لقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة فكان قدوة للحكام، ودعا إلى الله فكان قدوة للدعاة، وقاد الجيوش فكان قدوة لجميع القادة، وربَّى الصحابة فكان قدوة للمربين. لقد علم الناس فنون الاقتصاد والسياسة والحرب والسلم والتربية والاجتماع.

رعى الغنم ولكنه قاد الأمم، رقع الثوب وحلب الشاة وكنس البيت. ضحك وبكى، وصام وأفطر، وسافر وتاجر، وتزوج النساء. مازح الأطفال، وربى الكبار، وواسى المحتاجين، وأعطى المساكين. اغتنى فشكر، وافتقر فصبر. وبالجملة فقد اجتمعت فيه كل خصال الخير.

لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لنا نموذجًا نتبعه، ومثالاً نحتذيه عليه الصلاة والسلام، فهل يعقل يا أمة الإسلام بعد كل هذا أن نبحث عن غيره، أو أن نتلمس سواه؟

لا والله لا ينبغي هذا ولا يكون، بل هو أسوتنا وقدوتنا.. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.. [الأحزاب:21].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.