ملاحظة طريفة ومثيرة للتأمُّل في طبيعة الأنساق الأيديولوجيّة، وأنماط الشرك المعرفيّة بشكلٍ عام. مُفاد هذه الملحوظة «الخبيثة» أن كثيراً من جيوب المؤدلجين اللادينيين الذي صُنّفوا فترة طويلة كيساريين مُتعصّبين، ثم تدثّروا بقناع الليبراليّة الأميركي طوال العقدين الأخيرين بعد سقوط الكتلة الشرقيّة وإفلاس أيديولوجيّات «الشِمال»؛ بدأوا هذه الأيّام بالإعلان عن كُفرهم بالليبراليّة، لتخلّي «ماما أميركا» عنهم، وملأ أكثرهم الدنيا عويلاً وضجيجا بإعلان ارتدادهم الرومانتيكي الطفولي لأيديولوجيّاتهم الفاشيّة القديمة، لمواجهة ما أسموه ب«الدولة الدينيّة»! المثير في المسألة أن أكثر هؤلاء المتلوّنين المتباكين على الديمقراطيّة كانوا من صنائع حظيرة فاروق حُسني (الثقافيّة؟!)، الذين عملوا في خدمة النظام السابق بشكلٍ مُباشر في أحيانٍ كثيرة، واستفادوا من فساده واستبدادُه بدرجات متفاوتة؛ فتغلغلوا في مفاصل الدولة وأجهزتها، وشكّلوا نُخبتها الإجباريّة! العجيب أن نُقّاد «الدولة الدينيّة» هؤلاء، لم يُعرف لأحدهم عملٌ فكريّ مُحترم في نقد هذه «الدولة الدينيّة» وتفكيكها وبيان مثالبها بشكلٍ تفصيليّ، والتنظير لبديلها الذي يدعونه «مدنيًّا»، برغم كثرة اللغو الذي يُنشر باسمهم في كُلّ مكان؛ صحراء كان أو بُستان! إذ لا همّ لهم سوى اجترار بعض الديباجات المستوردة من سياقات ثقافيّة مُختلفة، للتربُّح من خلال هذا الارتزاق الثقافي والسمسرة الفكريّة! وبرغم يقيني من تفاهة وسطحيّة الأكثريّة العُظمى منهم، فإنّي أدعوهم جميعاً لبذل جهدٍ، ولو ضئيل، تنظيراً وتأصيلاً جادّاً وحقيقيًّا ل«مدنية الدولة» التي صدّعوا رؤوسنا بها، وأن يكون ذلك مجالاً لحوارٍ مُجتمعي جادّ من خلال الندوات والمناظرات والمحاضرات العامّة؛ لعلّ البلاد تُفيدُ منها بشكلٍ جادّ فيما هي مُقبلة عليه. وإن كُنتُ أَشُكّ في قبولهم للدعوة، بله في قُدرتهم على تلبيتها، إلا أنّي أتمنّى مُخلصاً أن يخيب ظنّي!