جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر زعيمان تاريخيان تمتعا بزعامة مستحقة انبنت على محبة حقيقية من شعوبهم. كانت زعامة نهرو أقل بريقا فى حياتيهما، لكنها كانت الأبقى أثرا بعد رحيله، لأنها رسخت للهند دولة "قانون وديمقراطية". أخطأت وأصابت لكنها بقيت، وأسست للهند الآن شراكة مستحقة فى حكم العالم. أما الزعامة شبه الأسطورية للرئيس جمال عبد الناصر فقد بقيت منها أسطورتها وزالت مع رحيله أثر دولتها، حين كرست تلك الزعامة لأبوية الحاكم، وعصفت بسيادة القانون .. بل وبددت أحلامه كلها حين ورث الحكم- بعده- أمثال مبارك ألوهية الحكم و احتقار القانون. حديثي هذا موجّه لأنصار الرئيس وحوارييه، قبل أن يكون موجها للرئيس نفسه. اجعلوا همكم "حكم القانون" .. قبل "حكم الرئيس" لكى ننجو جميعا! تمنوا للرئيس "زعامة عبد الناصر" .. ولكن أعينوه أيضا أن يتمثل "حكمة نهرو". وربنا يصلح الأحوال. ***** ديوان المظالم لجنة التواصل الرئاسي مع شكاوى المواطنين، والتي أعلن عنها مؤخراً باسم "ديوان المظالم" فكرة جيدة من حيث مبدئها ورسالة التطمين الماثلة فيها باختيار اسمها التراثي، والذي به عبق العدل العمري (عدل عمر بن الخطاب رضى الله عنه) لا بأس فيها. لكن يبقى للقائمين على الديوان ألا يكرسوا مظلمة أكبر على الشعب، وهم يزيحون عنه المظالم الأصغر. والمظلمة الأكبر هي إهدار معنى الدولة ومؤسساتها واختزالهما في شخص الحاكم الأب. قد يروق فعل احتكار العدل ورفع الظلم في شخص الحاكم لأنصار الحاكم وحوارييه. لكنه تكريس لألوهية جديدة للحاكم ستعقب أبويته، وستعصف بنا جميعا. اجعلوا هذا الديوان سببا في ترسيخ معنى "دولة الرعاية". لا ملمح الحاكم الأب، حتى لا يظلمنا ديوان المظالم من حيث يريد أن ينصفنا. الدولة هي الباقية .. والحاكم إلى زوال!