الفكرة التي تدعو إلى تشكيل مجلس رئاسي مدني من حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد البرادعي وخالد علي (وربما محمد مرسي وآخرين) غير واضحة بالنسبة لي. هناك أربعة احتمالات على ما أعتقد: - إما أن المقصود هو أن يجلس هؤلاء سويا ثم يخرجوا علينا بإعلان تشكيل المجلس الرئاسي المدني، قائلين إنهم يعتبرون أنفسهم الآن سلطة الحكم! - أو أن المقصود أن يتفقوا على أن مطلبهم هو أن يصبحوا مجلسا للحكم، ثم يتوجهوا بهذا المطلب إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مطالبين إياه بتسليمهم السلطة، ثم ينتظروا موقف المجلس العسكري على خلفية الحركة الجماهيرية المطالبة بذلك. - أو أن المقصود أن يتفقوا على أن مطلبهم هو أن يصبحوا مجلسا للحكم، ثم يتوجهوا بهذا المطلب إلى مجلس الشعب مطالبين إياه بتسليمهم السلطة، ثم ينتظروا موقف مجلس الشعب على خلفية الحركة الجماهيرية المطالبة بذلك. - أو أن المقصود أن يتفقوا على انتزاع الحكم من المجلس العسكري في معركة شوارع يقودون فيها الجماهير. لا أعتقد أن أيا من هذه الاقتراحات صحيح أو ممكن أو قادر على تعبئة حركة جماهيرية مؤثرة. أنا أوافق على إن إسقاط المجلس العسكري من خلال حركة جماهيرية ثورية هدف استراتيجي صحيح. لكني لا أظن أن اللحظة تسمح بطرحه كمطلب عملي للتعبئة الجماهيرية. فلو شكّل صباحي وأبو الفتوح وآخرون جبهة ثورية، لا أظن أنه يصح أن توصف بأنها مجلس رئاسي في الحكم. ولا أظن أن المجلس العسكري سيقبل طلبها لاستلام الحكم. ولا أظن أن مجلس الشعب (بأغلبيته الإخوانية السلفية) سيبقل طلبها لاستلام الحكم. ولا أظن أن الحركة الجماهيرية متحمسة لطلب كهذا أو قادرة على فرضه عبر معركة شوارع. لذلك فأنا أقول أن هذا مطلب من النوع الذي يصح أن يوصف بأن براق شكليا لكنه أجوف عمليا. فلو طرحت مطلبا للتعبئة الجماهيرية يتسم بأنه قصوي لكن لا يمكنه أن يحرك الجماهير في اللحظة الراهنة، فأنت تعزل نفسك عن الحركة وتشوش جماهيرك. مطلب كهذا لا يصح أن يكون عملي تعبوي، بل مطلب دعائي طويل الأجل. ربما يكون مكمن الخطأ أن البعض يعتقدون أن ما يحدث اليوم هو تكرار بسيط ل25 يناير. ساعتها كنا نطالب بإسقاط حسني مبارك وأسقطناه، والآن نطالب بإسقاط مجلس العسكر وسنسقطه! هذا تفكير غير صحيح. ساعتها كان هناك توافق شعبي طاغ على مطلب إسقاط مبارك. الآن هناك بلبلة بين قطاع واسع من الجماهير شارك في الانتخابات ولا يرى منطقا لتجاوزها بقفزة مجلس رئاسي مدني وقطاع أصغر ربما يؤيد فكرة مثل هذه. ساعتها كانت هناك درجة كبيرة من التوحد بين القوى السياسية حول مطلب إسقاط مبارك. الآن هناك انقسام كبير بين قوى تريد استكمال الانتخابات كما هي، وقوى تريد إعادتها، وقوى تتبنى مطلب إسقاط العملية برمتها وتسليم السلطة لمجلس رئاسي. ثم أن إسقاط المجلس العسكري يختلف عن إسقاط مبارك في أن مبارك شخص والمجلس العسكري هو تجسيد لأهم مؤسسة طبقية في مصر سيتطلب إسقاطها – في تقديري وعلى حسب تجارب أخرى – إما تمردات داخل الجيش أو حرب أهلية. وهو أمر أظن أن الحركة الجماهيرية غير ناضجة له الآن. وأخيرا أحب أن أقول إن طبيعة القوى والشخصيات المقترح مشاركتها في المجلس الرئاسي لا تدفع أبدا في اتجاه تدشين حركة جماهيرية لتنفيذ مطالب جذرية من نوع تسليم السلطة لمجلس مدني. فمعظم الأسماء المقترحة، رغم انتماءها لمعسكر الثورة، متذبذبة وتنتمي إلى يسار الوسط ولا تمتلك تنظيمات قوية ذات جذور في حركة الشارع. في مواجهة فكرة المجلس الرئاسي المدني أحب أن أقول إن ما تعلمته من تجارب ثورية أخرى أن التكتيك الصحيح هو أن تطرح مطلبا يمكنه أن يعبئ حركة جماهيرية واسعة؛ ويؤزم أوضاع الطبقة الحاكمة والقوى السياسية الممثلة لها؛ وأخيراً، يصبح بالتالي جسرا إلى مطالب أكثر جذرية سيسمح بها تطور الحركة في مرحلة لاحقة. على هذا الأساس فأنا أرى الآتي: - أؤيد بشدة الضغط الذي يقوم به الشباب وقطاعات من الجماهير على صباحي وأبو الفتوح وآخرين لتكوين جبهة ثورية تقود حركة الشارع. - أتمنى أن نصحح التفكير القائل بأن هذه الجبهة الثورية هي مجلس رئاسي مدني ونطرح بوضوح أن هذا مجلس يقود حركة القوى الثورية ضد السلطة الحاكمة وهي المجلس العسكري والطبقة التي تقف خلفه. - أدعو إلى أن يكون أهم مطلب يطرحه هذا المجلس الثوري حاليا تطبيق قانون العزل على أحمد شفيق وإعادة الانتخابات بدونه. - أدعو كذلك أن يرفع المجلس مطالب أخرى أهمها، أولاً: الإقرار الفوري لقانون محكمة ثورية؛ ثانيا: إقالة النائب العام وتعيين شخص من قيادات تيار الاستقلال في القضاء محله؛ ثالثاً: إعادة محاكمة مبارك وابنائه وقيادات الشرطة؛ رابعاً: الإصدار الفوري لقانون استقلال القضاء. - أدعو القيادات الراديكالية التي تفهم أن الجبهة الثورية المقترحة ستكون متذبذبة، وربما تتراجع في بعض اللحظات، إلى تكوين حركة راديكالية تكون جزءا من الجبهة الثورية لكن كذلك تكون مستقلة داخلها وناقدة لأخطائها، بحيث تكون قادرة على دفع الجبهة الثورية – بالضغط الشعبي – إلى تبني مطالب أكثر جذرية. - أعتقد أن تحقيق نجاح في المطلب الأساسي –العزل وإعادة الانتخابات – والمطالب الأربعة الأخرى، خاصة في ظل ارتباطه بوجود قيادة سياسية منظمة للقوى الثورية، سيمهد الطريق لاستعادة الحركة الثورية عافيتها، ومن ثم للانتقال إلى مراحل ومطالب أعلى وأكثر جذرية.