لا ترهقوا أنفسكم في متابعة ردود فعل القوى السياسية في مصر على مجزرة المعتصمين بميدان العباسية، فنحن نعرف ما سيحدث، بعض الإدانات ليوم أو يومين، ومظاهرة يوم الجمعة على الأكثر، ثم يعود كل فصيل لحزبه أو جماعته وخندقه وتستمر المعركة الانتخابية والصراع الحزبي والايدلوجي. المجلس العسكري في نهاية المطاف يواجه عشرات الفصائل السياسية، وكل فصيل بما لديهم فرحون، وبعد مرور 15 شهر على الثورة الفصائل المصرية المتناحرة والمتفرقة لا تمتلك أي مؤتمر يجمعها، ولا هدف مشترك تعمل من أجله، ولا فهم مشترك لتقاسم السلطة والتعاون الجاد، بل إنها خاضت حروبا أيديولوجية ضارية ضد خصومها، ونعتتهم بكل الصفات مؤكدة لأتباعها بأنها الأنقى والأصح. في النهاية لا تركزوا على كلمات فارغة، ولا تضعوا كثيرا من الآمال على قوى سياسية كثيرة، وهم في النهاية قلة قليلة لأنهم متفرقون متنازعون. * * * * * لماذا تفشل القوى السياسية المصرية في التعامل مع مذبحة العباسية كما فشلت في التعامل مع ما قبلها؟! لأنهم فور علمهم بها، أسرع الدكتور عماد عبد الغفور رئيس حزب النور لميدان العباسية لمساندة المتظاهرين، بينما قرر الدكتور محمد مرسي والإخوان تعليق حملاتهم الانتخابية وعقد مؤتمر صحفي، أما الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد البرادعي فقد أعلنا من مكان ما في القاهرة معارضتهم الشديدة لما يحدث بكلمات قوية للغاية على تويتر. هذا باختصار ما حدث وهو دليل الفشل، فليس هناك مكان ولا هدف ولا جهد واحد يجمع قوى المصريين حتى يوم مذابح الثوار. «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». * * * * * القوى السياسية في مصر لا تجيد أكثر من التظاهر معا يوم العطلة الأسبوعية (الجمعة) ضد المجلس العسكري، مع أن الشعب يطالبها كل يوم منذ الثورة بالتالي: 1) خريطة انتقالية واضحة المعالم ومضمونة؛ 2) مرشحا رئاسيا واحدا وليس 13 مرشحا؛ 3) خريطة لاقتسام السلطة بعيدا عن العسكري؛ 4) منبرا مشتركا لتوحيد صفوها وعلاج مشاكلها بعيدا عن العسكري 5) قواعد سليمة للعملية السياسية؛ 6) خطة حقيقية لإصلاح حال البلاد وحل مشاكلها الملحة خاصة الأمن والاقتصاد. وبما أن المطالب السابقة جادة وحقيقية، تفضل القوى السياسية التغاضي عنها والاكتفاء بالتنفيس أو التظاهر يوم الجمعة ثم التنافس مع بعضها بقية أيام الأسبوع. * * * * * يبدو أن التوافق السياسي باتت كلمة «عيب» في مصر لدرجة أن لا أحد يريد أن ينطق بها، أو ربما ماتت أو قتلت مثل من قتلوا في ميادين الثورة، ومن مات لا يعود. أعتقد أنه بات واضحا للجميع أن الشارع ليس الحل، وأن الانتخابات ليست هي الحل، الحل هو التوافق الناضج الواعي بين القوى السياسية على خارطة طريق لاقتسام السلطة في مرحلة انتقالية تضع مصر على الطريق الصحيح، وإن فشلتم فهو منكم ولا تلوموا إلا أنفسكم.