شهدت مصر خلال الأيام الماضية حالة من الغضب الشديد علي العديد من الأحداث القديمة.. والقديمة المتجددة.. والجديدة علي الساحة وقد اختلف الخبراء حول الأسباب التي دفعت الأمور للوصول إلي هذا الحال. وأشاروا إلي ان هناك ثلاثة أطراف أساسية لعبت الدور الأبرز منذ بداية الثورة المصرية وهي السبب الرئيسي وراء الوضع الحالي وتشمل المجلس العسكري الذي يدعي البعض أنه وضع سيناريوهات خفية للسيطرة علي الوضع وهناك من يعتقد ان القوي السياسية التي نزلت في بداية الثورة استغلت الوضع لتحقيق مصالحها الخاصة وآخرون يرون ان الثوار أنفسهم قد وقعوا في العديد من الأخطاء والهفوات التي أعطت الفرصة لبعض القوي المختلفة لسرقة الثورة والالتفاف عليها وعن تلك النيران "الثلاثية" ودورها في تطور الأمور إلي الوضع السياسي المعقد كان ذلك الموضوع. وتري د. كريمة الحفناوي - الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري وعضو حركة "كفاية" أن الأزمة التي نحن بصددها والتي أدت لانتفاضة الشعب المصري وعودته للميدان مرة أخري نتيجة لعدم تحقيق مطالب الثورة من الحرية والعدالة والكرامة وأخذ حق الشهداء كما كانت ايضا نتيجة لعدد من التصرفات غير الحكيمة لكل القوي السياسية علي الساحة بالإضافة للسلطة الحاكمة "المجلس الأعلي للقوات المسلحة" والمتمثل في السلطة السياسية ومعه الحكومة والمتمثلة في السلطة التنفيذية" وبما أنهم امتداد لنظام مبارك وامتثال لنظام مخلوع علي مدي 15 شهرا حيث قاموا باتخاذ سيناريو محدد وهو الفتن الطائفية مع الانفلات الأمني حتي يقتنع الناس ان الثورة سبب في عدم الاستقرار بالإضافة لاتجاههم إلي تشوية الثورة وتشوية الثوار وكسر إرادتهم بعدد من المجازر "مذبحة ماسبيرو والعباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء" وغيرها من الانتهاكات لكسر إرادة الثوار حتي لا يقوم للثورة قائمة وأدي كل ذلك لما نحن فيه الآن حيث يتصور عدد من الناس خطأ أن الثورة هي السبب في عدم الاستقرار الحالي ورغبتهم في إعادة الاستقرار حتي ولو كان في عودة النظام السابق ممثلا في شفيق وذلك بمساندة رجال مبارك ورجال الحزب الذين يروجون لهذه الأفكار. كما يوجد سيناريو آخر أدي لما نحن فيه الآن وهو تيار الإسلام السياسي والذي شارك في البداية مع الثورة كنظام وطني ولكنه مع أول محطة في قطار الثورة نزل ليجني غنائم الاستيلاء علي السلطة بل وطمعه في الاستحواذ والسيطرة علي كل السلطات الأمر الذي أوصلنا لما نحن فيه الآن كما أنه لم يقم بعرض أي مطلب من مطالب الثوار في مجلس الشعب ولكنه بادر إلي المجلس العسكري لاقتسام السلطات وعندما اختلفا بدأ التيار الإسلامي في العمل لمصلحته الخاصة ويقوم بترشيح مرشح إسلامي للرئاسة مما دفع المجلس العسكري في المقابل لترشيح مرشحه ايضا ووصل الوطن لهذه الحالة وكل ذلك علي حساب الوطن والثورة. أما فيما يخص القوي الثورية فيمكننا القول بأنها عانت من انقسامات أوصلتنا لهذه المرحلة بداية من لجنة المائة التي حاولت أن تجلس مع القوي الثورية للتوافق حول مرشح رئاسي واحد ولكنهم لم يتفقوا نتيجة لانقسامات ومصالح ذاتية وأنانية من البعض كما أن القوي الثورية حتي الآن تتعلم من اخطائها وتتمثل هذه الأخطاء في ترك الميدان وها هي تعود للميدان ولا تريد تركه إلا بعد تحقيق المطالب وعليهم تشكيل مجلس لهذه الثورة بقيادة جماعة تعبر عن الثورة المصرية وتستمر في استكمال أهداف الثورة بالطرق السلمية ويعد هذا هو الحل والمخرج الآمن لما وصلنا له. الأخطاء وأضاف دكتور محمد عبدالمقصود - أستاذ العلوم السياسية - أن أخطاء المجلس العسكري تمثلت في الصراع الذي شهده مجلسا الشعب والشوري علي قانون العزل السياسي، حيث تأخر صدور هذا القانون، مما يدل علي أن هناك شبهة تواطؤ بين المجلس العسكري ومجلس الشعب والشوري، وجاء الخطأ الثاني عندما صمم ان تستمر حكومة الجنزوري علي الرغم من مطالبة مجلس الشعب بتغيير الحكومة المتمثلة في مجلس الوزراء. وأما بالنسبة للأخطاء التي وقعت فيها النخبة فتتمثل في أنه كان من المفترض ان ان يقوموا بالثورة المليونية الموجودة حاليا بعد إعلان نتائج المرحلة الأولي للانتخابات الرئاسية وكان من المفترض ان يقوموا بها قبل البدء في الانتخابات الرئاسية، حتي يحددوا قائدا لثورتهم. وحول أخطاء الثوار فقد كانت قوة ثورتهم في أنها بدون قائد ولكن أصبحت نقطة القوة هي سبب الضعف بعد ذلك فالثورة يجب أن يحدد لها قائد يتحدث عن الجميع. ويري أحمد عبدربه - الناشط السياسي وعضو المكتب التنفيذي للثورة المصرية - أن أكبر خطأ وقع فيه الثوار والنخبة السياسية معا هو الثقة في المجلس العسكري وترك الميدان يوم 11 فبراير 2011 بعد أن قام مبارك بنقل السلطة بنفسه للمجلس العسكري وتركنا نفس النظام مستمرا بدون تحقيق مطالب الثورة وأهدافها وإسقاط النظام بشكل حقيقي أو تكوين حكومة ائتلافية تتسلم النظام، فالمجلس العسكري قام بإدارة خطة محكمة لإجهاض الثورة من يوم 11 فبراير بدأت بفض الميدان يوم 16 ثم مفاوضات مع الإخوان وبعض الشباب كقوي بديلة لاستبعاد القوي المدنية والشخصيات السياسية المدركة تماما للعدالة الانتقالية والجدول الزمني لانتقال السلطة ثم الاستفتاء علي الدستور الذي كان خطأ منذ بدايته حيث إن الدستور سقط بإسقاط النظام وكان من المفترض أن يتم وضع دستور جديد عقب الثورة قبل بدء المرحلة الانتقالية ثم انتخابات الشعب ثم الرئاسة ولم يحدث ذلك بإتفاق مع الإخوان في صفقة محكمة وظهر الانقسام الشعبي ما بين نعم ولا حول الاستفتاء الدستوري وأعقب ذلك التلاعب وإظهار عناصر أمنية باسم الثورة، ثم قيام المجلس العسكري بدعوة الائتلافات السياسية للتوصل لاتفاق وكون هو أكثر من 70 ائتلافا ليظهر للناس أن القوي السياسية منقسمة ولا يمكن التفاوض معها وصولا بعدم تنفيذ أي مطلب من مطالب الثورة من حريات وحد أدني للأجور مع التشويه المتعمد للثورة والثوار أدي ذلك إلي نزول الثوار مرة أخري للميادين. وكان من المفترض أن ينتبه الثوار بشكل سريع لكل ما يدور ويمكننا القول بأن أي مطلب تم تحقيقه سواء محاكمة مبارك في محاكمات علنية أو تغيير حكومة شرف كان نتاج ضغط من الثوار. ويري أن خطأ القوي الثورية يتمثل في انقسامها ما بين قوي تعمل لمصالحها الشخصية وهناك قوي قام النظام بتصنيعها بنفسه ممثلة في الاحزاب الكارتونية التي كانت موجودة منذ عهد مبارك وكان يستمد شرعيته منها وكان من المفترض أن تحل بعد الثورة بالاضافة للإخوان المسلمين التي هي أكبر قوي استفادت من الثورة وقامت بعمل الكثير من الصفقات لخدمة مصالحها. خطأ القوي السياسية في حين يعارض اللواء حسام سويلم هذه الآراء مدافعا عن المجلس العسكري ويؤكد أنه لم يرتكب أي خطأ والدليل علي ذلك أن تمديد الفترة الانتقالية وعدم تسليمها في الموعد الذي تم الاتفاق عليه كان بناء علي طلب من جميع القوي السياسية والثوار أنفسهم حتي تستقر الأمور ويكونوا معروفين أكثر في الشارع المصري كذلك الاتهام الذي تم توجيهه للمجلس العسكري بأنه السبب وراء وضع الانتخابات قبل الدستور في حين إن ذلك تم بناء علي الإعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه وبالتالي كان القرار في يد الشعب وهو من اختار الخارطة التي تسير عليها الأمور، أيضا الاتهامات بتحالف المجلس مع جماعة الإخوان المسلمين ليس عليها أي دليل حيث إن المجلس هو المعارض الأول لهذه الجماعة، كذلك طالب المجلس العسكري الثوار بتكوين حزب واحد بقيادة واحدة يمكن مخاطبتها وعرض أن يتم إعطاؤهم مقرا وأن يقوم بتمويل هذا الحزب حتي يخرج للنور ولكنهم اختلفوا ل 24 ائتلافا وحزبا وجماعة وتشتتوا وبالتالي فإن المسئول عن هذا التشتت ليس المجلس العسكري بالطبع وفي محاولة منه الوصول لحل لتهدئة الأمور طالب المجلس بأن يكون هناك مؤتمر وفاق وطني وتم عقد المؤتمر برئاسة عمر سليمان ولكنهم اختلفوا وفشل هذا المؤتمر بسبب القوي السياسية ثم تكرر هذا المؤتمر ولكن تحت قيادة يحيي الجمل وعادت واختلفت القوي السياسية مرة أخري وتسببت في فشله ثم تم عقد مؤتمر الوفاق الوطني الثالث بقيادة عبدالعزيز حجازي وفشل للمرة الثالثة بسبب القوي السياسية وعدم اتفاقها ثم قام شيخ الأزهر بعقد مؤتمر وتوصلوا خلاله لاتفاق يرضي جميع الاطراف وقاموا بالتوقيع علي وثيقة هذا الاتفاق ولكنهم قاموا بفسخه بمجرد خروجهم من المؤتمر وفي النهاية قاموا برفض النتائج التي توصلوا إليها خلال اجتماعهم مع الفريق عنان أيضا عقب عودتهم إلي مقراتهم فمن كان السبب في فشله في هذه الحالة المجلس العسكري أم القوي السياسية؟! ويلفت اللواء سويلم إلي ما حدث عند تكوين الجمعية التأسيسية للبرلمان حيث طالبهم المجلس العسكري بالتوصل لاتفاق ولم يتفقوا إلا تحت الضغط بإعطائهم فرصة 48 ساعة لتكوين الجمعية التأسيسية. وفيما يخص التدهور الشديد في الحالة الاقتصادية للدولة فهو أيضا ليس بسبب المجلس العسكري ولكن بسبب المليونيات والاحتجاجات التي نشهدها باستمرار فهناك نحو 100 ألف مصنع تم إغلاقها في العاشر من رمضان وتم تسريح الآلاف من العمال خلال الفترة الماضية بالإضافة لإغلاق قناة السويس وقطع الطرق الأمر الذي تسبب في انحدار الاقتصاد المصري في حين أن ميدان التحرير أصبح حاليا ملجأ لتجار المخدرات والدعارة الذين يسعون في الأرض فسادا. ويمكننا القول أنه ليس هناك عمل إيجابي واحد قامت به القوي الثورية بعد سقوط نظام مبارك.