الثوار لا ينتقدون أنفسهم, ولاسيما أن تخصصهم الأساسي هو نقد النظام السابق. في رأيهم يكفيهم ما قاموا به لإزاحة نظام مبارك المستبد. غياب النقد الذاتي. وتفشي الانقسام في صفوف القوي الرئيسة التي توحدت في ميدان التحرير أفقد قطاعا عريضا من الثوار القدرة علي رؤية مساحة الغضب, والارتباك التي تمتد إلي المواطنين العاديين. الذين لم يعتادوا علي التغيرات الراديكالية في حياتهم, ويختزنون بداخلهم ثقافة استمرت لعقود تجعل الاستقرار مرادفا للركود, والموات السياسي, وغياب الحافز علي التغيير. لم يكن المواطن العادي, الذي بدا عليه التململ, والغضب, واعتصرته الأحوال الاقتصادية المتردية, وعدم الوضوح السياسي في ذهن الثوار, واعتبر بعضهم أحيانا أن الضغط علي مفاصل الحياة اليومية من اعتصامات, ومظاهرات, واشتباكات, واغلاق شوارع برمتها يجعل المجلس العسكري يستجيب لمطالبهم, وللأسف فإن الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية شجعت علي مثل هذا المسلك بالاستجابة الفورية للمطالب التي يعززها الحشد السياسي, مما جعل الآلية الوحيدة للضغط هي الحشد, لكنه أضفي علي الثورة مزيدا من التشوه, والغموض, والرفض الصامت عند مواطنين يريدون انتظام الحياة. القوي الثورية لم تكن علي مستوي الحدث الثوري, وظلت تتعامل في تحركاتها, وفي علاقاتها بعضها بنفس الآليات السابقة, دون تغيير, مما جعل سلوكها أقرب إلي سلوك قوي المعارضة, منه إلي القوي التي تتولي مقاليد السلطة. تنطبق هذه الملاحظة بشكل أساسي علي الأخوان وفي الوقت الذي طالبت القوي الثورية باسقاط جسد نظام مبارك بعد أن اسقطت رأسه, ظلت حريصة بإرادتها الحرة علي إبقاء آليات نظام مبارك دون أن تمسها يد التغيير. القوي الثورية أعادت تعريف الثورة ذاتها عدة مرات في معاركها المستمرة ليس ضد من أطلقت عليهم الفلول, ولكن ضد بعضهم بعضا فقد بات لكل منها تعريف خاص للثورة, وشهادة براءة ثورية تمنحها لمن تريد. خلافات قاسية أشتعلت في مناسبات الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس, ثم في الجدل حول معايير تشكيل اللجنة التأسيسية والمبادئ الأساسية للدستور, مرورا بالائتلاف في الانتخابات البرلمانية, وانتهاء بالانتخابات الرئاسية. في كل هذه المحطات الرئيسة تنافس الثوار في مواجهة بعضهم بعضا, واستخدموا لغة قاسية في إدارة الخلافات فيما بينهم, وأكثر من ذلك مارسوا الاقصاء المتبادل من الملة الثورية. هناك قوي احتجاجية ثورية, وأحزاب ليبرالية ويسارية جديدة اتهمت الأخوان المسلمين ببناء توافق منفرد مع المجلس العسكري, وترك الميدان مبكرا, والمشاركة في تشويه الثورة والثوار, والعمل علي الاستحواذ علي السلطة. وعلي الجانب الآخر رأي الأسلاميون, بوجه عام أن العلمانيين يريدون قطع الطريق علي المشروع الإسلامي, وقبول حكم عسكري استبدادي مادامت الديمقراطية تأتي بالإسلاميين. لم يكن مفهوم الثورة واضحا, متفقا عليه, وكثر المتحدثون باسمها, بما في ذلك القوي التي لم تشارك في الثورة, بل كانت معادية لها. والقوي الثورية التي لم تتوافق, واختلفت, ولم تعد تثق في بعضها بعضا تبحث اليوم عن مخرج من المعادلة التقليدية التي اعتادت أن تواجهها علي مدي أربعة عقود النظام أم الجماعة, أي المفاضلة بين مرشح محسوب علي نظام سابق, وآخر ممثل لجماعة الإخوان المسلمين. عدنا إلي المربع رقم واحد, وعادت الفزاعات التقليدية, واستدعي الشقاق الطائفي. وقد استيقظت القوي الثورية علي المرشح السيد عمر سليمان ينهال عليه التأييد من كل حدب وصوب. استردت الدولة العميقة عافيتها, حتي مع انسحاب المرشح, فإن الفريق أحمد شفيق نال تأييد هذه الدولة, بمشتملاتها وتكويناتها بينما يتنافس الثوار. يكفي تأمل حدة الخطابات, والاشتباكات بين المرشحين الدكتور محمد مرسي, والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والسيد حمدين صباحي حتي نتيقن كيف أن القوي الثورية لعبت دورا رئيسا في شرذمة نفسها, وأهدرت قواها في معاركها الداخلية. الجولة الأخيرة في الماراثون الانتخابي مرسي في مواجهة شفيق جعلت الفصل الأخير فيما أطلق عليه المرحلة الانتقالية مربكا, لم يكن مرسي مرشحا ثوريا, علي الأقل عند القوي الثورية, وبالنسبة لجماعته كان مرشح الفرصة الأخيرة, لم تستعد لمعركته, وقاد هو الجولة الأولي من الانتخابات بوصفه مرشح الجماعة. المحاولات التي تريد الآن تحويله من مرشح الجماعة إلي مرشح الثورة حتي يواجه مرشح النظام السابق تبدو متعثرة, وقد تواجه مصير المحاولات السابقة المجهضة لبناء توافق بين القوي الثورية, وهكذا, وبدون مقدمات فلسفية عميقة, يستعد الناخبون لجولة انتخابات رئاسية أخري تطرح عليهم السؤال الذي أرهقهم علي مدي عقود الدولة العميقة أم الجماعة, هل يتخلي المصريون هذه المرة- عن حذرهم, ومخاوفهم, والبحث عن الأمن والاستقرار, ويصوتون لصالح مرشح الجماعة الذي يحمل مشروعا غير واضح المعالم, وتحيط به اتهامات وشكوك من جانب الثوار أنفسهم أم سيلجأون إلي الخيار التقليدي ولاسيما أن هناك من القوي السياسية من يري نار الماضي أفضل من جنة الجماعة؟ المزيد من مقالات سامح فوزي