إن كنت ستبحث بين سطورى على ما يشكك فى نوايا الإخوان وإخلاصهم لوطنهم، أو ستبحث عن ما يدعم الصفقة بمعناها السيئ، أعتذر لك. فلن تجد مثل هذا الكلام فى سطورى، فما سأكتبه هو قناعاتى الشخصية التى تكونت بناء على مواقف عايشتها. وإن لم تعشها أنت أو تتأكد منها فحق نفسك عليك واحترامك لها أن لا تتأثر بكلامى وتتبع خطواتى، حتى لا نكرر ما ننتقده فى الآخرين. وأذكر نفسى وحضراتكم بقول الله عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا..." مسلمات 1. أن الإخوان بحثوا ما وَسِعَهم البحث، وبذلوا ما وسعهم الجهد، ليقنعوا مرشحين للتقدم، ولعل أبرز تلك الأسماء المستشار البشرى والغريانى وآخرين. 2. أن من حق أى فصيل سياسى أن يترشح لرئاسة الجمهورية، وأن يتقدم لكل المناصب الحيوية فهذا شأن السياسة، والحديث عن التوافق والمشاركة وغيرها إنما هى مفردات يطلبها الواقع، لكنها لا تنفى الحق الأصيل. 3. من حق الإخوان تغيير موقفهم السياسى عامة بتغير الظروف والمدخلات، ولا يستثنى من ذلك الترشح للرئاسة، وقد كتبت فى ذلك مطولا منذ قرابة العام بعنوان: «ولماذا لا تدعم جماعة الإخوان ترشح أبو الفتوح؟». علامات تعجب - أن ننتقل فجأة من قرار عدم الترشح إلى الترشح، ومن البحث عن مرشح توافقى إلى تقديم مرشح استقطابى، ومن الحديث عن «مشاركة لا مغالبة» إلى «الاكتساح»! - أن نبحث عن مرشحين (توافقيين) بوزن البشرى والغريانى بما هو معروف عنهما من استقلالية قرار وقوة شخصية، ثم ترفض أبوالفتوح الذى أصبح يمثل شبه حالة توافقية، بسبب أنه معتد برأيه، ولا يتجاوب مع آراء الآخرين! - أن تتحول آراء أفراد الإخوان من معارضة الرجوع عن القرار الأول بالترشح خوفا من تحول مصر لغزة ثانية ومن واقع اقليمى ودولى رافض، إلى آراء داعمة ومؤيدة لنقيض القرار ومدافعة عنه ومبررة له ومفندة لكل ما كانوا يروجونه قبل صدوره! - أن يقال على تصريحات أحد كبار الاخوان فرقعة اعلامية، ويكون قائل هذه العبارة هو صاحب تصريحات كارثية اعلامية وهذا التصريح آخرها، ويصفق البعض للثانى، وفى لحظة نقلب ظهر المجن للاول، وسألام لاستخدام هذه اللفظة فى وصف الثانى، رغم ألمى قبلهم من كتابتها، فقط لأنه لا زال فى التنظيم والأول أخرج أو خرج منه! - مَنْ يستندون فى حواراتهم ودلالاتهم أن فلانا فعل وحزب كذا تراجع، ولو فعل الآخرون كذا لقبل منهم الناس، وأصبح مقياسنا ماذا فعل الآخرون. وهمنا ماداموا أخطأوا أو تجاوزوا، فلا مانع ان نخطئ او نتجاوز! - الخطوات القوية التى أخذناها لنخسر شارع الثورة، ثم بنفس القوة نكمل الخطوات لنخسر الشارع المصرى! - أن يتم الاستشهاد بمواقف الشورى فى السيرة والتاريخ، دون أن نسأل أنفسنا لماذا تحرك صحاب رسول الله (ص) فى غزوة بدر قائلا: «أمنزل أنزلكه الله .. »، بدلا من أن يبقى فى مكانه ويبرر. فمن المؤكد أن رسول الله يعلم ما لا يعلم ولديه من الثقة فيه بما لا يرقى إليه شك! - أن يستخدم الأطراف المختلفة فى الحوار ذات الاستشهادات والآيات ليثبت رأيه ثم لا يحاول أن يرى الرأى الآخر!! - أن يخاف البعض على الجماعة والمشروع، وهو الخوف المشروع، فيتحرك بمنطلق الأب والوصى على الجماعة وأبنائها ومستقبلها! - أن يتم الحديث عن ربانية القرارات فى فصيل من الجماعات الإسلامية وليس جماعة المسلمين، ومن يتحدث عن بركة الشورى فى وقت لم تتم هى بأهلها ولا فى موضوعها ولا باجراءاتها كما ينبغي، بينما سنن الله فى الأخذ بالأسباب ثم التوكل عليه لا تحابى أحدا. «وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا»! - أن يكون القرار لا زال قيد دراسة ونقاش وتخرج تصريحات هنا ومقالات هناك من القيادات وفى الموقع الرسمى، تروج لأحد تلك الآراء وتدفع نحوه وتلفظ وترفض وتفند تماما الرأى الآخر فضلا عن أن تعرض وجهة نظره وحيثياته! - يتعجبون من قلقى وينكرون عليّ ألمى وحزنى من القرار، ويتساءلون لماذا أفسد علي القرار الفرحة بأفضل خبر كنت أنتظره فى مسار عملى لمدة أربع سنوات، فهل هناك شيئ أهتم به أكثر من وطنى وحلمى ومشروعى وإسلامى! تساؤلات مشروعة لماذا أعيدت لقاءات مجلس الشورى مرات ثلاث؟ هل كان الأمر للاستكمال ولم يؤخذ قرار فى المرتين الأولايين أم أنه كان كما تم الحديث لاعادة التصويت فى نفس القرار واختلاف نتائج التصويت؟ ولماذا تم تعجيل الاجتماع الأخير 3 أيام ما الذى استجد واستدعى سرعة اللقاء وتقديمه؟ إذا ظهرت مستجدات أن القرار القديم بعدم الترشح كان خطأ، فما المانع ان يكون القرار الجديد بالترشح خطأ أيضا؟ فهل واجبنا أن نتلقف الخبر فورا لنمرره ونبرره أم أنه علينا واجب النصح بأن نتفكر فيه وندرسه وربما نراجعه ونعارضه؟ هل الاخوان والوضع القائم يسمح بأن يتولى الإخوان ويتصدروا كل المناصب والأماكن فى النقابات واتحادات الطلاب والبرلمان والوزارة والرئاسة؟ طالما ظلت المنظومة الاعلامية «متحدث- بيانات– موقع– فضائية» فى فشل وتراجع –باتفاق الجميع- على بساطة ويسر وسهولة الحل فى بعضها، ما يدلل على غياب المهنية وعدم توظيف للكفاءة، فما المانع أن يكون نفس الأمر هو لسان حال المعالجات السياسية للجماعة؟ حينما يتم تقديم القرار فى سياق التصعيد ضد المجلس العسكرى، فهل الأولى فى مواجهة ذلك لتصعيد الاستقواء بالوطن ونسيجه، أم الاستقواء بالانعزال بترشيح الشاطر؟ أتساءل متى تم حل مشكلة ترشح المهندس خيرت الشاطر القانونية؟ ولماذا هناك ضبابية فى الإعلان عن ذلك صراحة من الإخوان، فيكون تصريح د. محمد مرسى (رئيس حزب العدالة والتنمية) فى المؤتمر الصحفى: «لا توجد أي عوائق قانونية أمام ترشح المهندس الشاطر»، ثم بعدها بقليل ينشر موقع إخوان أون لاين، على لسان المحامى الأستاذ عبد المنعم، أن الاجراءات قد انتهت على مدار الأيام السابقة؟ وأتساءل: إن كانت هذه الخطوة فى إطار التصعيد فكيف يعطى المجلس العسكرى بيده سلاحا لمن يهدده؟ أم ان ترشح الشاطر هو فى سياق توافق بين الإخوان والعسكر؟ يحقق به الأول استكمال انتقال السلطة وحرية مصر دون الدخول فى صدامات ومزيد من الدماء على أن يضمن للثانى الخروج الآمن من المشهد بلا حساب؟ أم هل هو فى سياق لعبة جديدة من العسكر استكمالا لأحداث وتداعيات نوفمبر 2011 في محمد محمود وغيرها؟ تهدف إلى مزيد من انعزالية الإخوان، ليسهل عليهم هضمهم بعد ذلك بلا حاضنة شعبية ولا وطنية، أم أنه تمهيد منه لتزوير انتخابات الرئاسة بحجة تفتت الأصوات بين مرشحين إسلاميين أقوياء؟ هل كان إذن أبوالفتوح وأبوإسماعيل والعوا أصحاب رؤية نافذة واستشراف للمستقبل، حينما أخذوا قرارهم من البداية بأهمية ترشح إسلامى لمنصب الرئاسة؟ بينما عجزت جماعة الإخوان عن قراءة المشهد التصعيدى وخطورة العسكر إلا متأخرا جدا؟ خلاصة القول 1. يؤسفنى أن يقدم ابناء الجماعة دوائر الانتماء على مربع المبادئ والقيم والأفكار، وأن يناقضوا أنفسهم بأن يتبنوا ويبرروا بكل قوة ما كانوا يهاجمونه بالأمس بذات القوة. بل ويرفضوا أن يسمعوا ويتهموا ضمائر ونوايا من يسوق الآن نفس ما كانوا يسوقونه بالأمس القريب. 2. لا يهمنى ما وصلت له الجماعة من قرار، ولست أختلف مع شخص المرشح أو أدعوا الجماعة لدعم مرشح آخر، بقدر ما يهمنى أن تكون إجراءات اتخاذ القرار سليمة، وأن يكون صادرا من أهله بعد استنفاذ أسبابه دون وصاية ولا توجيه. 3. أختلف مع البنية الفكرية والخلفية الذهنية التى يأخذ بها الإخوان قراراتهم السياسية، وكان أولى بها أن تتوجه نحو إعادة تشكيل اللحمة الوطنية فى هذه اللحظات، وأن تهمش فى هذه الفترة نهائيا أى صوت ولو خافت للبحث عن مصلحة خاصة بالتنظيم أو حتى المشروع والأيديولوجية، وتقيم مواقفها الاصلاحية فى ظل استحقاقات ثورية لا زالت مطلوبة على الأرض.