تحدث أستاذنا المسيري رحمه الله عن "إسرائيل" كدولة وظيفية، كامتداد لنموذج "الجماعات الوظيفية" الذي عاشت من خلاله الجماعات اليهودية في أوروبا. بالنسبة للإمبريالية الغربية فإن اليهود "مادة بشرية" تم نقلها من أوروبا إلى "الشرق" كي تقوم بدورها في خدمة الإمبريالية كرأس كوبري متقدم داخل أهم مناطق العالم استراتيجيًا. أعطيت الجماعات اليهودية ورسمت لها الحدود من خلال ديباجات توراتية، وأعطيت هوية ملفقة (حسب المسيري مازال سؤال: "من هو اليهودي وماهي اليهودية؟ سؤالاً محيرًا في اسرائيل) وهكذا بدأت تؤدي دورها المرسوم. لكن المدقق يجد أن ما حدث مع إسرائيل حدث في كل أنحاء العالم الإسلامي عمومًا والعربي بالذات. تبدو معاهدة سايكس بيكو لحظة نماذجية لهذا التصور. يأتي المستعمر ليقسم الحدود تبعًا لخرائط مصالحه، ثم يعيد انتاج أدوات السلطة والسيطرة الإنضباطية التي سيطر بها على مواطنيه داخل مستعمراته الجديدة فتتم السيطرة على "مواطني" الدول الوظيفية الجديدة. تروي روان الضامن في فيملها الوثائقي المبدع: " النكبة" أن الصهاينة تسلموا الجهاز الحكومي للإنتداب البريطاني على فلسطين بالكامل حرفيًا، حتى أن كل ما حدث لحظة إعلان إسرائيل في 14 مايو 1948 هو تغيير الموظفين البريطانيين بنظرائهم من الصهاينة، وهكذا كانت أجهزة الإنتداب هي نواة الحكومة الإسرائيلية الأولى. إن نفس النمط نجده لدى حكومات ما بعد الإستعمار في الدول العربية "المستقلة"، لقد تسلم الوطنيون في هذه الدول أجهزة السلطة الإستعمارية داخل دولهم المرسومة حدودها بواسطة الإستعمار، وباستخدام نفس نمط السلطة الإستعمارية، وهكذا تتحول الدول العربية الحديثة –بما فيها مصر—إلى "دول وظيفية" مختلفة الحدود والهوية تمامًا كإسرائيل.