في مصر مثل شعبي ذائع يقول "ابني في حجري وبأدور عليه – أبحث عنه"، يضرب عادة للتعبير عن حال من يبحث عن شيء موجود بين يديه بالفعل. من حكاوي الناس إلى تفاعلات السياسة يبدو أن هذا المثل يعبر تماما عن حال التيارات الإسلامية أمام "معضلة" اختيار مرشح للرئاسة لدعمه في السباق الرهيب الذي تتصاعد وتيرته وتتلاحق أنفاس المتسابقين فيه كلما اقتربت لحظات الحسم والفرز والاختيار التى تبدأ مع الساعات الأولى من بعد غد الموافق 10 مارس 2012 بحسب توقيت المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. تزيد من حدة الترقب لاسم المرشح الذي سيحظى بدعم التيارات الإسلامية تلك المفارقة المتمثلة في أن كلا من التيارين الإسلاميين الأكبر والأوسع انتشارا والأقوى تاثيرا " الإخوان والسلفيون" لكل منهما مرشح أعلن بالفعل خوضه السباق الرئاسي، لكن كلا من التيارين الكبيرين يرفض - حتى الآن على الأقل - إعلان دعمه لذلك المرشح أو حتى لأي مرشح آخر. في حالة الإخوان هناك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد أبرز بناة "التأسيس الثاني" للجماعة في عقد السبعينيات من القرن الماضي، وأحد قيادات الجماعة البارزين وعضو مكتب إرشادها طوال حوالي 30 عاما، وهو كذلك أول من أعلن الترشح لخوض انتخابات الرئاسة بعد الثورة سواء من الإسلاميين أوغيرهم. أما في حالة السلفيين فهناك الداعية الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل المحسوب على التيار السلفي رغم جذوره الإخوانية الأكيدة المتمثلة في والده الشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب في السبعينيات. أبو إسماعيل الابن بدوره كان مرشح " الجماعة" في انتخابات برلمان 2005 التى فاز فيها على آمال عثمان وزيرة التأمينات الاجتماعية قبل أن تتدخل الحكومة بالتزوير الصريح وتغير النتيجة لصالح الوزيرة العتيدة في حكومات سابقة متلاحقة طوال حكم مبارك. مع كل يوم من تصاعد العقدة الدرامية للسباق الرئاسي تتعمق المفارقة التى تحكم علاقة الإخوان والسلفيين بأبو الفتوح وأبو إسماعيل ، فأغلب نشطاء حملة أبو الفتوح هم من شباب الجماعة، والأخيرة بدورها لم تتوان عن إعمال سيف التجميد والفصل فيهم حتى صاروا جميعا من أصحاب لقب " إخواني سابق"، أما فيما يتعلق بشخص أبو الفتوح فقد استهدفته منذ اللحظات الأولى لترشحه سهام الطعن في احترامه لشورى الجماعة رغم نفيه المتكرر في عدة وسائل إعلام ما تردد من انه حضر اجتماعا لمجلس الشورى تم فيه حسم القرار لصالح عدم الدفع بأي مرشح إخواني. وعلى صعيد محور " أبو إسماعيل – السلفيين" تتكرس نفس المفارقة مع اختلاف في الدرجة لا في النوع، فنشطاء حملة أبو إسماعيل هم من الشباب السلفي الذين يمثل الشيوخ التقليديون للدعوة السلفية مرجعهم الفقهي الأهم، بينما يؤكد شيوخ السلفية مرارا أنهم لم يحسموا خيارهم بعد في اتجاه مرشح بعينه، وزادوا مؤخرا أنهم يعقدون حوارات مع كل المرشحين ذوي الخلفية الإسلامية بغرض اختيار أحدهم. جراء هذه المفاقة الدرامية بات أمرا واقعا وجود فجوة لدى التيارين الإسلاميين الأكبر فيما يتعلق بمرشح رئاسي " عليه العين" بحسب التعبير المصري الدارج أيضا، ومن هنا بات الإخوان والسلفيون يتسابقون في إمطار وسائل الإعلام كل يوم بتصريحات مفادها أن كل تيار منهما يفاضل بين اثنين أو أكثر من المرشحين لاختيار واحد لدعمه في سباق الرئاسة. في ما يتعلق بالإخوان فالأنباءالمترددة بقوة حاليا تشير إلى أنهم يفاضلون بين كل من د. باسم خفاجي - المفكر المصري ذي الخلفية الإسلامية الذي ترأس عدة مراكز بحثية هامة في مصر والولايات المتحدةالامريكية والذي سجن لمواقفه المناهضة للمشروع التوسعي الأمريكي خصوصا غزو العراق - وبين منصور حسن وزير رئاسة الجمهورية السابق وأحد رموز نظام السادات وكامب ديفيد. ويرى مراقبون ومحللون أن الإخوان لو حسموا أمرهم لصالح منصور حسن فسيدشنون بذلك عهدا جديدا من تضييع المكاسب التاريخية وتسليم منجزات الشعب المصري إلى سلطة لا تعبر عنه بل ترتكز في واقع الأمر للحقب التى حدثت ضدها احتجاجات مصرية تاريخية. وبحسب تلك التحليلات ، فبعد ثورة يوليو كان الإخوان هم الجسر الذي قفز العسكر عبره للسطو على حكم مصر على حساب الأشواق العارمة لحكم مدني يقفز بالبلد للمستقبل. نفس الأمر بدرجة مختلفة مارسه الإخوان مع السادات، الذي استخدمهم كدرع واق من هجوم قوى اليسار بمختلف أطيافها والتى اعتبرت سياساته انقلابا جذريا على سياسات سلفه عبد الناصر. أما السلفيون فأكبر دليل على حيرتهم أمام أزمة الانتصار لمرشح إسلامي من بين الأسماء المطروحة، تصريحات الشيخ عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية التى أدلى بها أول أمس والتى قال فيها أنه كان لدينا 3 مرشحين إسلاميين هم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والدكتور سليم العوا، ثم ها هو مرشح ثالث يظهر ولا يمكن تجاوزه أو إغفاله هو الدكتور باسم خفاجي. في السياق نفسه تأتي تصريحات" السيد مصطفى"، نائب رئيس حزب النور السلفى، ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب بمجلس الشعب والتى أدلى بها اليوم لوسائل إعلام وقال فيها "إن الحزب لن يعلن عن موقفه من المرشح الذى سيدعمه إلا بعد فتح باب الترشح والتعرف على جميع المرشحين"، مؤكداً أن النور لن يدعم سوى المرشح المقتنع ببرنامج الحزب، وفى مقدمته تطبيق الشريعة الإسلامية. أيضا نقلت وسائل إعلام تصريحات للدكتور طلعت مرزوق، المستشار القانونى لحزب النور قال فيها "إنه حتى الآن لا توجد أى ملامح واضحة لانتخابات الرئاسة، فالحزب يخشى من تدعيم مرشح معين ثم ينسحب، لذا قررنا التأجيل لإعلان تأييدنا مرشحاً بعينه". وحول تأييد بعض قواعد حزب النور لأبوإسماعيل، قال مرزوق "إن هذا تصرف فردى وسنطالب الجميع بالالتزام بقرار اللجنة العليا للحزب، وألزمنا جميع أعضاء (النور) فى مجلسى الشعب والشورى بعدم التوقيع لأى مرشح إلا الذى سيعلن الحزب تأييده".