مع نسمات شهر رمضان المبارك تهفو النفوس للمشاعر المقدسة وتدمع الأعين بين جنبات الكعبة المشرفة، وتختلج مشاعر المسلمين عند زيارة أطهر بقاع الأرض لأول مرة، ويختلف الأمر بين من يعتاد أداء العمرة في شهر رمضان من داخل المملكة، وبين من تهفو نفسه للزيارة ويأتي من أقصى بلدان العالم أملاً في رحمه ربه وغفرانه في شهر الرحمة والخير. بعض المعتمرات اللاتي يزرن المسجد الحرام لأول مرة ويؤدين العمرة وسط أجواء إيمانية يمتاز بها الشهر الكريم، وقد اختلفت مشاعرهن في التعبير عن الفرح، فمنهن من أطلقت زغرودة، ومنهم من أجهشت بالبكاء، هذه المشاعر المتباينة وغيرها تجسدت في ثنايا هذا التقرير: في البداية وصفت أم محمد مشاعرها قائلة: منذ عدة سنوات وأنا أشتاق لزيارة المسجد الحرام وأن أكحل عيني برؤية الكعبة المشرفة، كنت أحلم دائماً وتهفو نفسي لنسيم هذه الأجواء الإيمانية، وقد جمعت لمدة ثلاث سنوات نقوداً لأحقق هذا الحلم، صادفتنا كثير من المشكلات الاقتصادية عقب الثورة في مصر، ودعوت الله أن يزيل الهم والكرب، وقد وفقني الله وجمعت المبلغ المطلوب، ابتسم لي الأمل عندما حصلت على التأشيرة وأصبحت أسابق الزمن لأحقق حلمي قبل أن يوافيني الأجل، فعند سماعي لأذان الحرم المكي تنتابني مشاعر مختلطة بين الفرحة والبكاء. واستكملت حديثها: في اليوم المحدد للسفر شعرت بفرحة غامرة، ومنذ أن وطأت قدمي المطار شعرت بعبق المكان، وحانت الفرصة وشاهدت في الأفق الكعبة المشرفة، لم أصدق ما رأيت وظننت أني في حلم جميل، حتى دخلت المسجد الحرام ولم يبق بيني وبين الكعبة سوى أمتار قليلة، وعندما رأيتها أطلقت "زغرودة" بتلقائية تعبيراً عن سعادتي الغامرة، وعند المسعى وهبني الله طاقة إيجابية وصحة واستكملت أشواط السعي بفضل الله وأنا في أتم الصحة, وأدعو الله أن يكتب العمرة لكل مسلم على وجه الأرض. أم مهند "من سورية" قالت :"ابتلاني الله بأمراض مزمنة، حمدت ربي ودعوته أن يكتب لي أداء العمرة، ورغم أني أعاني مرضاً في العظام إلا أنني كنت أحلم بالذهاب إلى مكة، والشرب من ماء زمزم المباركة، وكثيراً ما دعوت ربي أن يمنحني الصحة حتى أطوف بالبيت العتيق، ورغم تجاعيد الزمن إلا أنني آثرت تجهيز حقيبة السفر، رافقتني دموع الفرح في كل خطواتي، كنت ألمح الدموع في عيون أحفادي وهم يودعونني قبل سفري، خففت عنهم، وتوكلت على الله، وقد مرت علي ساعات السفر كأنها دهر، وعند وصولي تنسمت على البعد شذى الكعبة المشرفة وصوت الأذان ملأ كياني، ففاضت مشاعري تهفو بالدعاء، وأثناء طوافي بالكعبة اجتاحتني نوبة بكاء وفقدت السيطرة على أعصابي ودعوت ربي أن يشفيني، وعندما استقبلت القِبلة وصليت ركعتين شعرت بانتفاضة في روحي كأني أتطهر من ذنوبي، وحلقت في الفضاء الفسيح، أرجو رحمة ربي، وعندما أبكي أشعر بسعادة كأن ملائكة الخير تحرسني وتغدق علي من فيضها، أثناء صلاتي دعوت ربي أن يرزقني حسن الخاتمة والموت على أبواب كعبته، حتى ينتهي عمري وأنا في أطهر بقاع الأرض. من المغرب قدمتْ إلى أرض الحرمين تستلهم روح الإيمان، شاكرة المولى عز وجل على ما كتبه لها، وعبّرت خديجة عن فرحتها قائلة: اسمي خديجة، تزوجت منذ خمس سنوات، وظللت في انتظار طفل يبث الحياة في عمري وأحيا من أجله، ولولا مؤازرة زوجي لي وتقديره لمشاعري لكنت أصبحت في طي النسيان، أخذنا بالأسباب وذهبنا للأطباء وبدأت رحلة علاجنا ونحن ندعو الله أن يكتب لنا ما فيه الخير، استمرت رحلة العلاج ثلاث سنوات، كتاب الله رفيقنا ودعواتنا لله خير زاد لنا، استجاب الله لدعائنا وأفاض علينا من نعمه وعلمت بحملي. ابتسم الأمل وداعب الحلم خيالي بمولودي القادم، واتفقت مع زوجي على أداء العمرة شكراً لله عز وجل لما وهبني من نعمته، عند وصولنا مكة شعرنا بفيض من رحمات رب العالمين تتنزل علينا، صلينا ركعتين شكراً لله على نعمته وبدأت أمتع روحي قبل عيني بصلاة التراويح، وكم زرفت من الدموع أملاً في رحمه ربي. وقد سمعت عن ماء زمزم واشتقت لنيل بركتها والدعاء عند شربها أن ييسر الله ولادتي ويرزقني بولد صالح، وقد اتفقت مع زوجي أن نطلق على مولودنا اسم "زمزم" تيمناً بهذا الماء المبارك، وحتى تظل هذه العمرة في ذاكرة أيامي، وأدعو الله أن يكتبها لي مرة أخرى مع مولودي إن شاء الله.