لأنى لم أكن شجاعا بالقدر الذى يجعلنى أجاهر بسقوطك قبل ثورة 25 يناير..آسف لأنى كنت أعتبر الهتاف بسقوطك آنذاك نوعا من الحماقة أو الخبال أو الطيش أو الغفلة أو غياب العقل..آسف لأنى لم أقم بتوجيه مسئولية انهيار البلد وخرابها والقعود على تلها إليك، وكنت أوجهها خوفا كما كان يفعل غيرى إلى من دونك، عملا بالمثل الشعبى: "عليك بالبردعة واترك الحمار"، حتى لا يصيبك رفسه..آسف لأنى كنت أبرر لنفسى استحالة إسقاطك، على اعتبار أنك تقبع على رأس نظام قوى وعفى، قمعى وباطش، وليس لديه أية خطوط حمراء ولا أخلاق.. آسف لأنى كنت أبرر لنفسى عدم الثورة عليك، لأن الثورة سوف تدخلنا فى متاهات الفوضى وسيطرة الغوغاء والدهماء وضياع البلد. آسف ياريس لأنى لم أكن أتصور أنك لص من طراز فريد..لص خفيف اليد، لكنه ثقيل الظل..محدود الذكاء، لكنه عالى المهارة فى السلب والنهب..هاو، لكنه قادر على إخفاء أى جريمة يقوم بها كأعظم لص محترف..لص لم يكن يترك شيئا، أموال بكل أنواع العملات، وأراض بكل المساحات وفى أفضل الأماكن، وقصور قمة فى الفخامة والضخامة فى القاهرة والاسكندرية وشرم الشيخ، وغيرها..حتى إرادة الشعب لم تتركها، بل سرقتها وقمت بتزويرها..آسف لأنى لم أكن أظن أنك قاطع طريق لا يشق له غبار..فقطاع الطرق يظهرون ويختفون فجأة، تاركون وراءهم خرابا ودمارا، لكنك كنت ظاهرا طول الوقت..تخرب وتدمر، وبالقانون الذى صنعته بيديك..آسف لأنى لم أكن أتخيل أنك سفاح يلغ فى الدم الحرام إلى هذا الحد، ويعتدى على آدمية الإنسان بدرجة يتضاءل إلى جوارها ما يفعله أى سفاح محلى أو إقليمى أو دولى..آسف لأنى اكتشفت أنك مجرم عتيد له تاريخ غير مسبوق فى عالم الإجرام. آسف ياريس لأنى لم أكن أتخيل يوما ما أن من يحكمنا يتمتع بهذه الكلاحة والتناحة والنطاعة والغتاتة والسماجة والغلظة وفقدان الإحساس وبلادة الشعور، فقد تم نعتك بأشنع الألفاظ ومع ذلك ظلت متشبثا بالكرسى إلى آخر لحظة.. ولو كان غيرك لمات من الصدمة، وانتهى أمره. لكنك مازلت على قيد الحياة! آسف ياريس لأنك أفقدتنى القدرة على الحلم أو الخيال..ربما كان لى عذرى فى ذلك..لأنك قتلت فينا كل معنى أو قيمة أو روح، حيث حاربتنا فى كل شىء..فى دعوتنا، وحريتنا، وعملنا، وأرزاقنا، وأهلنا، وأولادنا..ضيقت علينا الخناق، لدرجة أننا لم نكن نتنفس هواء نقيا..آسف أنه لم تكن لدينا الثقة أو اليقين أنه من الممكن أن تسقط هذا السقوط المزرى..هل تعلم لماذا؟ لأنك جعلت الأمل يموت فينا. آسف ياريس لأنى لم أكن أتخيل حجم دورك "الفذ" فى تخريب العقل المصرى، وهو ما يحتاج إلى جهود جبارة ومضنية لإعادة تشكيله وصياغته من جديد..ناهيك ياريس عن تغييب الضمائر وإفساد الذمم، وهو ما يستلزم خططا وبرامج على المستوى القومى فى السياسة والثقافة والتعليم والإعلام. آسف ياريس لأنى ظننت بك سوءا، فقد كنت أتصور أن لديك مشروعية لحكم البلاد..لكن اتضح أنك فاقد لأية مشروعية..فأنت لم تلتزم بدستور، ولم تحترم قانونا، ولم تنفذ آلاف من أحكام القضاء..كانت مصر بالنسبة لك عزبة..تكية..تتصرف فيها كيف تشاء..وكنت تتعامل مع المصريين كأنهم عبيد إحسان..لذلك كان لديك حرص على توريث العزبة التى ورثتها عن آبائك وأجداك لولدك النجيب..وأعددت العدة، وقمت بتجنيد كل مؤسسات الدولة لذلك. آسف ياريس لأنك رهنت استقلال قرار مصر بيد الأمريكان والصهاينة، وأديت أدوارا عظيمة لخدمة مصالحهم..لذلك اعتبروك كنزا استراتيجيا..كانوا يعرفون قيمتك ويقدرون دورك "العظيم"..لذا فهم يدافعون عنك، ويقفون مع غيرهم ضد محاكمتك. آسف ياريس لأنك أفسدت الحياة الحزبية والسياسية وأوصلتها إلى طريق مسدود، ونشرت ثقافة الشك والريبة بين كافة شرائح المجتمع، وقمت بإشعال الفتن بين عنصرى الأمة، وأجهزت على الطبقة الوسطى التى تمثل مرتكز الدولة ومناط الابتكار والابداع، وعلى يديك حدث الزواج الكاثوليكى بين السلطة والثروة، وضاعت أحلام البسطاء والفقراء والمطحونين..لذلك كله، ولأسباب أخرى كثيرة أقول لك: آسف..آسف جدا ياريس.