قلّ أنْ تجد فى حكام العالم اليوم شاعراً أو حالماً أو صاحب خيال.. صحيح أن أعباء الحكم ثقيلة تنوء بحملها الجبال، وتؤرق أصحاب الخيال، فلا ينامون، خصوصاً إذا كانوا يواجهون تحديات داخلية وخارجية، كثيرة وصعبة ومعقّدة.. نحن نعيش فى عالم يمتلئ بالمنغصات والهموم والأحزان والأوجاع.. كما أن ضغوط الحياة ومشكلاتها وأزماتها، على المستويين الفردى والجمعى، قاسية وعنيفة، وتحتاج لمقاومتها ومواجهتها إلى قدر من «البلادة»، و«الكلاحة»، و«النطاعة»، و«التناحة»، حتى يتمكّن الإنسان من الاستمرار فى الحياة، والإفلات من أمراض العصر السائدة فى هذا الزمان كالسكر والضغط والقولون العصبى والتوتر والقلق والاكتئاب.. إلخ، لكن ليس إلى الحد الذى نفقد معه الإحساس بمعاناة الآخرين.. أو الإحساس بالجمال الذى هو أساس السعادة ومتعة الحياة فى هذا الوجود. قد يكون لدى صاحب الجلد السميك قدرة على الثبات والصمود والتحدى، لكنه لن يكون أبداً صاحب ابتكار أو إبداع.. هو بطبيعة الحال إنسان نمطى، تقليدى، ضيّق الأفق.. بليد الحس، فاقد الشعور بما يجرى حوله، لديه فظاظة وغلظة فى القلب.. غير مكترث بما يفعله من مصائب وكوارث.. لا يتعلم من أخطائه، لذا هو يخرج من مصيبة ليقع فى مصيبة أكبر منها.. عادة ما يكون لديه كبر وغطرسة وغرور.. كما يفتقر إلى الصدق والصراحة والشفافية والاستقامة. وليس شرطاً أن يكون الشعراء والحالمون وأصحاب الخيال ضعفاء، فقد يكونون أقدر من غيرهم على مواجهة لأواء الحياة، والتعامل مع الشدائد والنكبات بإيجابية ونفس صافية وطاقة روحية عالية، مع شعور فياض بالرحمة والرأفة، فضلاً عن خلق التواضع ولين الجانب والصدق والصراحة والوضوح والمروءة والشهامة والكرم والبذل والعطاء والفداء.. إلخ. من المؤكد أن الجلد السميك درجات.. فهناك السميك، والأسمك، والأكثر سمكاً، والسميك جداً.. صحيح أن كل هذه الدرجات غير مقبولة، وآثارها وتداعياتها غير محتملة، إلا أن هذا النوع الأخير كارثى ومأساوى، خصوصاً إذا كان صاحبه حاكماً أو مسئولاً.. أعتقد أن الجلد السميك يولد مع صاحبه، كما يولد الحس الرقيق والشعور المرهف، فهناك طفل متبلد وآخر رقيق.. ومع الأيام وتجارب السنين، فإما أن يزداد الجلد السميك سمكاً وغلظة، وإما أن يستمر على حاله.. وقد تتداركه عناية الله تعالى فيرق جلده.. ولله فى خلقه شئون.. من المؤكد أن التعليم الجيد والتربية الصحيحة والثقافة الرفيعة، فضلاً عن الانفتاح على الآخرين ومحاولة مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، يقلل كثيراً من الجلد السميك، بل يحد من آثاره السلبية إلى درجة كبيرة.. وإذا كان العلم بالتعلُّم والحلم بالتحلُّم، فإنه يمكن القول إن صاحب الجلد السميك يمكنه أن يكتسب كثيراً من الصفات الجيدة إذا كانت لديه الإرادة القوية والهمة العالية والعزيمة الصلبة.. أما إذا ركن إلى نفسه، واستسلم لرغباتها، وانقاد لضعفها، فسوف يظل على حاله، إن لم يزدد سوءاً.. وهنا يأتى دور المجتمع، بمعناه الضيق والواسع، فصاحب الجلد السميك عادة ما يكون فى أمس الحاجة إلى من يعينه على نفسه، ومن يواجهه ويشتد عليه، ومن يقوّمه حتى يستقيم.. أما إذا ترك وشأنه، فسوف تزداد غلظته وقسوته ويعلو طغيانه.. وعلى المجتمع فى هذه الحالة أن يتحمل مغبة سلبيته وتخاذله وعجزه، وليس له أن يلوم أحداً إلا نفسه.