بسبب صاروخ حوثي.. وقف الرحلات من وإلى مطار بن جوريون    بالمواعيد.. مباريات الجولة 36 من الدوري الإنجليزي الممتاز    الأرصاد تحذر من حالة الطقس: ذروة الموجة الحارة بهذه الموعد    بشرى ل"مصراوي": ظهرت دون "مكياج" في "سيد الناس" لهذا السبب    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    النار التهمت محصول 1000 فدان.. الدفع ب 22 سيارة للسيطرة على حريق شونة الكتان بالغربية    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    السديس في خطبة المسجد الحرام يحذر من جرائم العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي    خبر في الجول - لجنة التظلمات تحدد موعد استدعاء طه عزت بشأن أزمة القمة.. ولا نية لتقديم القرار    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    فريق طبي بمستشفى سوهاج ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    مصرع شابين وإصابة آخر فى حادث تصادم دراجتين ناريتين بالدقهلية    جهاز تنمية المشروعات يضخ 920 مليون جنيه لتمويل شباب دمياط    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    ملتقى الثقافة والهوية الوطنية بشمال سيناء يؤكد رفض التهجير والتطبيع مع الكيان الصهيوني    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    المستشار الألمانى يطالب ترامب بإنهاء الحرب التجارية وإلغاء الرسوم الجمركية    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية    محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    ضبط 3 طن دقيق فاخر مجهول المصدر و185أسطوانة بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء في المنوفية    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    وزيرة التخطيط و التعاون الدولي :حققنا تطورًا كبيرًا في قطاع الطاقة المتجددة بتنفيذ إصلاحات هيكلية تجذب القطاع الخاص وتُعزز مركزنا كدولة رائدة    الطيران المدني الباكستاني: مجالنا الجوي آمن ومعظم المطارات استأنفت عملها    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    مصر أكتوبر: مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات موسكو تعكس تقدير روسيا لدور مصر    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. خالد حربى :اختصاصات طبية مبدعة فى فكرابن سينا
نشر في البديل يوم 07 - 01 - 2013

أبو على حسين بن عبد الله المعروف بالشيخ الرئيس ، ولد عام 370 ھ فى قرية قرب بخارى. انتهض أبوه إلى تعليمه العلوم ، فتعلم الحساب والفقه والخلاف ، فأجاد ، ثم أخذ يتعلم المنطق والهندسة والهيئة ، فأبدى فى الاشتغال بها والنظر فيها قوة الفطرة، الأمر الذى دفعه إلى النظر فى العلم الطبيعى والإلهى، ثم انصرفت رغبته إلى قراءة الطب، فاستمر يقرأ ما يظفر به من كتبه حتى حصل منه بالرواية والنظر،وأتقن دراسة الطب فى سن السادسة عشر من عمره,واشتغل بالتطبيق والعمل واستكشاف طرق المعالجة ، ولم يكن إلا قليل حتى بزر فيه وصار أستاذ المشتغلين به.
وعلى الرغم من أن واقعه الاجتماعى ، وعمله السياسى كانا مضطربين، إلا أنه نجح فى مواصلة دراساته. فكان يكتب فى كل أسفاره ليلاً بعد انتهائه من عمله. وحتى فى السجن، حيث قادته الأحداث المضطربة إليه، لم يتوقف فيه عن الكتابة .
وقد وصل الطب الإسلامى إلى أوج إزدهاره مع ابن سينا. ومع أنه كان طبيباً سريرياً أقل من الرازى، إلا أنه كان أكثر فلسفة ونظاماً ، فقد حاول أن يفسر التجمع الضخم لعلم الطب الذى أثراه أسلافه.
ومع ذلك تعد الفلسفة ميدان ابن سينا الأول وقد حلت كتبه فيها محل كتب أرسطو عند فلاسفة الأجيال اللاحقة . ومن مؤلفاته فيها كتابه "الشفاء" الذى يعد دائرة معارف فلسفية ضخمة. وله كتاب "النجاة" وكتاب الإشارات والتنبهات "وهو من أهم كتبه ، إذ هو وسط بين "الشفاء" و "النجاة" ألفه فى آخر حياته ، وكان ضنيناً به على من ليس مؤهلاً لفهمه ، كما كان يوصى بصونه عن الجاهلين ، ومن تعوزهم الفطنة والاستقامة.
أما أهم مؤلفاته فى الطب فكتاب "القانون فى الطب" وهو من أهم موسوعات الطب العربى الإسلامى ، يشتمل على خمسة أجزاء ، خصص الجزء الأول منها للأمور الكلية فهو يتناول حدود الطب وموضوعاته والأركان ، والأمزجة ، والأخلاط ، وماهية العضو وأقسامه ، والعظام بالعضلات وتصنيف الأمراض وأسبابها بصفة عامة والطرائق العامة للعلاج كالمسهلات والحمامات .. الخ. وخصص الجزء الثانى للمفردات الطبية وينقسم إلى قسمين : الأول يدرس ماهية الدواء وصفاته ومفعول كل واحد من الأدوية على كل عضو من أعضاء الجسم ، ويسرد الثانى المفردات مرتبة ترتيباً أبجدياً . وخصص الجزء الثالث لأمراض كل جزء من الجسم من الرأس إلى القدم. أما الجزء الرابع فيتناول الأمراض التى لا تقتصر على عضو واحد كالحميات وبعض المسائل الأخرى كالأورام والبثور والجزام والكسر والجبر والزينة. وفى الجزء الخامس دراسة فى الأدوية المركبة.
وترجم القانون فى الطب ترجمات كثيرة من العربية ، وطبع فى نابولى سنة 1492 م وفى البندقية سنة 1544. وترجمه جيرارد الكريمونى من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية . ويقول الكريمونى أنه قضى قرابة نصف قرن فى تعلم اللغة العربية والتوفر على ترجمة نفائس المكتبة العربية . وكان قانون الشيخ الرئيس أعظم كتاب لاقيت فى نقله مشقة وعناء ، وبذلت فيه جهداً جبارا.
وقد ترجم أندريا الباجو القانون فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى ، وتميزت هذه الترجمة عن غيرها بوضع الباجو قاموساً للمصطلحات الفنية التى كان يستعملها ابن سينا ، ونشرت هذه الترجمة عام 1527 م. وترجم جان بول مونجوس القانون ترجمة دقيقة اعتمد عليها أساتذة الطب وطلابه فى العالم خلال فترة طويلة من العصور الوسطى.
وجملة القول إن القانون فى الطب لابن سينا طبع باللاتينية أكثر من ستة عشرة مرة فى ثلاثين عاماً من القرن الخامس عشر الميلادى ، وطبع عشرين مرة فى القرن السادس عشر الميلادى.
ومن الاختصاصات الطبية التى ابدعها ابن سينا:الطب النفسى أو علم النقس الذىعنى به عناية لا نكاد نجد لها مثيلاً لدى واحد من رجال التاريخ القديم والوسيط، فألم بمسائله المختلفة إلماماً واسعاً، واستقصى مشاكله وتعمق فيها تعمقاً كبيراً، وأكثر من التأليف فيه إلى درجة ملحوظة. حتى أنه ذكر مصطلح "علم النفس " نصاً فتراه يخصص المقالة الأولى من كتابه "الشفاء" لهذا الميدان ، قائلاً:من علم النفس خمسة فصول ، الفصل الأول : فى إثبات النفس وتحديدها من حيث هى نفس. الفصل الثانى : فى ذكر ما قاله القدماء فى النفس فى جوهرها ونقضه . الفصل الثالث : فى أن النفس داخلة فى مقولة الجوهر. الفصل الرابع : فى تبيين أن اختلاف أفاعيل النفس لاختلاف قواها. الفصل الخامس : فى تعديد قوى النفس على سبيل التصنيف.
ويعد ابن سينا أول الفلاسفة القدماء الذين ربطوا وظائف الإحساسات والخيال والذاكرة بشروطها الفسيولوجية ، كما أن له فضلاً كبيراُ فى توضيح أوجه الشبه بين إدراك الحيوان وإدراك الإنسان. وإذا كان أرسطو قد سبقه إلى تصور النفس الحيوانية ، لكن لم يسبق أحد ابن سينا فى إلقاء الضوء الساطع على علم النفس الإنساني التجريبي . كما أدرك ابن سينا بوضوح تعقيد عملية الإدراك الحسي وتركيبها من عناصر متعددة متداخلة، إذ يبدأ الإدراك باستخدام الحواس، ثم الربط بين الأفكار الحسية المختلفة وكيفية إدراك المعانى التى ليست لها حواس خاصة كالشكل والحركة ونحوها، ولم يغفل دور الخيال والذاكرة فى تكوين الإدراك الحسي .
ويتضح ذلك من تصنيف ابن سينا للقوى النفسانية المدركة ، وكيف أن أنواع القوى إنما تندرج تحت تلك القوى النفسانية .
فالقوة النفسانية تشتمل على قوتين هى كالجنس لهما احداهما قوة مدركة والأخرى قوة محركة .
والقوة المدركة كالجنس لقوتين : قوة مدركة فى الظاهر ، وقوة مدركة فى الباطن . والقوة المدركة فى الظاهر هى الحسية ، وهى كالجنس لقوى خمس : الإبصار ، والسمع ، والشم ، والذوق ، واللمس . والقوة المدركة فى الباطن –الحيوانية- هى كالجنس لقوى خمس احداهما القوة التى تسمى الحس المشترك والخيال والوهم.
أما الحس المشترك ، فهو القوة التى تتأدى إليها المحسوسات كلها ، فيجمعها ويقارنها بعضها ببعض . والحس المشترك قابل للصورة لا حافظ لها ، فلا تثبت الصور فيه زماناً طويلاً بعد غياب المحسوس ، ولكن هذه الصور تنتقل إلى خزانة الخيال أو المصورة ، فتصبح سبباً لأفعال الحواس الباطنة. وأما الخيال أو القوة المصورة ، فهى تحفظ صورة المحسوسات بعد تجريدها عن المادة بدرجة تفوق تجريد الحس المشترك لها ، لكنها لا تجرد الصورة تماماً من لواحق المادة ، ذلك أن الصورة التى فى الخيال والتى يمكن استحضارها فى غيبة المحسوس تكون على تقدير ما وتكييف ما ، ووضع ما . أما الوهم ، فهى قدرة تدرك المعانى التى تخرج عن نطاق الحس المشترك والمتخيلة ، لأنها ليست بذاتها مادية ، وإن عرض لها أن تكون فى مادة كإدراك الشاة عداوة الذئب,والولد حبيب على سبيل غير نطقى . والعداوة والمحبة غير محسوسين لا يدركهما الحس ، وإنما يحكم بهما وتدركهما قوة أخرى، وهى القوة الوهمية . التى "يقف بها الوهم على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر ، وينفع ، فيكون الذئب تحذره كل شاة وإن لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة، وجوار الطير تحذرها سائر الطير .. فإذا لاح للمتخيلة تلك الصورة من خارج ، تحركت فى المصورة ، وتحركت معها ما قارنها من المعانى النافعة أو الضارة "
ويستعمل الإنسان هذه القوة فى كثير من الأحكام ، تلك القوة المفارقة للخيال ، فالخيال يستثبت المحسوسات ، وهذه تحكم فى المحسوسات بمعان غير محسوسة. وتفارق القوى التى تسمى مفكرة ومتخيلة بأن أفعال تلك لا يتبعها حكم ما ، وأفعال هذه يتبعها حكم ما ، وأفعال تلك تركبت فى المحسوسات عن المحسوس.
من ذلك كله نستطيع أن نقف على معنى "الإدراك" Perception عند ابن سينا ، وكيف أنه استطاع أن يميز فيه بين ثلاثة أنواع ، إدراك حسى بالحواس الظاهرة (السمع – البصر- اللمس- التذوق- الشم)، وإدراك باطنى ، يدرك من الأمور المحسوسة ما لا يدركه الحس ، كالمحبة ، وكالقوة التى تحكم فى الشاة بأن الذئب عدو لها.
وإدراك عقلى يتم بقوة الذهن (العقل النظرى) الذى ينتزع الكليات أو المعقولات من الجزئيات على سبيل تجريد لمعانيها عن المادة وعلائقها ، فتحدث للنفس من ذلك مبادئ التصور.
نخلص من ذلك إلى أن دراسة ابن سينا للإدراك تُعد من الإسهامات الأصيلة فى علم النفس ، يتضح ذلك بصورة جليّة بالوقوف على تعريف الإدراك فى علم النفس الحديث حيث يقول :
الإدراك Perception هو العملية التى نقوم عن طريقها بتنظيم أنماط المنبهات وتفسيرها وإكسابها معنى .
ويستخدم مصطلح الإدراك فى علم النفس ليشير إلى المعرفة المباشرة للعالم ولأجسامنا ، وذلك نتيجة لإشارات عصبية تأتينا من أعضاء الحس : العينان والأذنان والأنف واللسان والجلد. وهذا هو الإدراك الحسى . وهناك الإدراك خارج نطاق الحواس Extrasensory perception ، وهو نوع من الخبرة التى تتكون من إدراك لم يأت عن طريق تنبيه أعضاء الحس.
ولعل أبرز ما يميز علم النفس السينوى ويجعله سابقاً لعصره بشكل عجيب من جهة ، كما يجعله من جهة أخرى يبدو عصرياً إلى حد مذهل، معالجته لمفهوم الوعى بالذات أو "الشعور بالذات" كما يسميه هو . فلم يسبقه أحد إلى هذا المفهوم.
ويتلاءم مذهب ابن سينا مع النظرية السيكولوجية الحديثة الخاصة بالشعور وأقسامه، والتى يقبلها جمهرة المحدثين، حيث تجعل من الشعور قوة عاملة توحد الذات، وتجمع أطراف الشخصية ، فيحس المرء أنه هو فى الماضى والحاضر والمستقبل. فيذهب ابن سينا إلى أن الشعور بالذات يصدر عن النفس بأسرها كوحدة مختلفة عن البدن متميزة عنه. وواضح أن هذا الشعور بالذات يختلف تماماً عن أى إدراك آخر، فالإدراك العادى قد يحدث وقد لا يحدث، أما الشعور بالذات فموجود دائماً إلا أن صاحبه قد يكون واعياً به، وقد لا يكون " حتى أن النائم فى نومه والسكران فى سكره، لا تعزب ذاته عن ذاته، وإن لم يثبت تمثله لذاته فى فكره" كما يقول ابن سينا.
وإذا كانت براهين القدماء على لا مادية النفس ومباينتها للجسم منطقية ، فإن ابن سينا كان أول من لجأ إلى التجربة النفسية ، فقال : لنتصور إنساناً خلق محجوب البصر لا يرى من إبهامه شيئاً ، متباعد الأطراف لا يلمس جزء من جسمه جزءاً آخر ، يهوى فى خلاء لا يصدمه فيه قوام الهواء حتى لا يحس ولا يسمع ، أليس يغفل مثل هذا الإنسان عن جملة بدنه ؟ أليس يشعر بشئ واحد فقط هو ثبوت إنيته (نفسه) ؟ فالنفس إذن موجودة وجوداً غير بدنى .
كل هذه الآراء وغيرها التى انتهى إليها ابن سينا من دراسته للنفس ، دوّنها فى رسالة من ستة عشر باباً ، تعد من أقيم الكتابات العربية فى مجال النفس ، وهى "رسالة فى النفس وبقائها ومعادنها".
ابتدأها الشيخ الرئيس بتعريف النفس ، ثم تقسيم الأجسام الطبيعية من جهة القوى الفعالة فيها إلى قسمين : قوى تعمل فى الأجسام بالتسخير ، وأخرى تعمل بالقصد والاختيار . وذكر أن الطبيعة اسم للقوة الفاعلة على سبيل التسخير ، وكذلك النفس النباتية ، والنفس الحيوانية ، أما النفس الإنسانية ، فهى اسم للقوة الفاعلة على سبيل القصد والاختيار.
وفى هذه الرسالة شرح ابن سينا صلة النفس بالبدن ، والقوى النفسانية ، وفاعليات القوة المدركة من النفس . ولما كان هدف ابن سينا من هذه الرسالة هو دراسة النفس الإنسانية ، لذا نراه يهتم بالقوى الباطنة ، وقدرات التخيل ، وأقسام النفس الإنسانية العاملة والناطقة ، ووظائف العقل العملى الذى يسوس البدن ، والعقل النظرى الذى يراه قوة مطلقة موجودة عند كل شخص طفلاً كان ، أم بالغاً .
ويعترف عالم النفس الأمريكي هليجارد صراحة بأن ابن سينا قد تعرف على ما يعرف اليوم باسم الأمراض الوظيفية Function Illnesses والتى تقال فى مقابل الأمراض العضوية organic Illnesses والأمراض الوظيفية هى أمراض نفسية الأسباب ونفسية النشأة psychogenesis ، وهى الأمراض التى لا ترجع إلى خلل أو أسباب عضوية فى جسد الإنسان أو جهازه العصبي أو الغدى ، بمعنى أن المرض المنتج عن وجود تغيرات فى الدماغ أو الجهاز العصبي المركزى يرتبط بهذا المرض قبل الإصابة. ولكن هذه الأمراض الوظيفية تصيب وظيفة العضو وليس العضو ذاته كالتفكير بالنسبة للدماغ. ومن هذه الأسباب الوظيفية أو النفسية الأزمات والكوارث وخبرات الفشل والإحباط والحرمان والقسوة والخضوع لحالات من الضغط النفسي والاجتماعى والتعرض للخبرات والصدمات النفسية . وتشمل هذه الأمراض الوظيفية كلاً من الأمراض العقلية، والنفسية العقلية كالاكتئاب والفصام والهوس وجنون العظمة والاضطهاد. أما الأسباب العضوية للأمراض العقلية ، فمنها إدمان الخمور أو المخدرات ، ومن الإصابات مرض الزهرىSyphilis والأورام والإصابات الناجمة عن الإصابة بالأعيرة أو الطلقات النارية .. ومن المدهش أو يعترف عالم أمريكي من علماء النفس المعاصرين بفضل علماء الإسلام فيذكر أن الأمراض الوظيفية هذه اكتشفها وأدركها وعرفها العلماء العرب، بل وعالجوها منذ أكثر من 900 عاماً مضت ، وخاصة الطبيب العربي الشيخ الرئيس ابن سينا.
وينصح ابن سينا بالتزاوج بين العقاقير والوسائل النفسية فى معالجة الأمراض النفسية ، إذ يقول "يجب مراعاة أحوال النفس من الغضب والغم والفرح واللذة وغير ذلك ، فإن الأغذية الحارة مع الغضب مضرة ، وكذلك الباردة مع الخوف الشديد، أو اللذة المفرطة مضرة"، هذا النص يشير إلى أن ابن سينا أدرك – متأثراً بالرازى فى قوله: فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس– أن صحة البدن تابعة لاعتدال المزاج.
ومن الجدير بالاعتبار أن واحداً من أكبر علماء النفس الأمريكيين المعاصرين، هو جيمس كولمان James C.coleman يضمّن كتابه “ Abnormal Psychology and modern life “ حالة مرضية نفسية عالجها ابن سينا بطريقة مبتكرة أفادت علم النفس الحديث . يقول كولمان: أصيب أحد الأمراء بالمالنخوليا، وظهرت من أعراضها عليه أن تخيل نفسه "بقرة" يجب أن تذبح ويتغذى الناس من لحمها اللذيذ. وكان هذا المريض يخرج صوت كصوت البقرة (الخوار)، ويصيح : اذبحونى .. اذبحونى ، ولذا امتنع عن الطعام ، الأمر الذى أدى إلى ضعفه وهزاله. ولما تم إقناع ابن سينا بعلاج هذا الأمير، بدأ علاجه بأن أرسل إليه رسالة يبلغه فيها بأنه ينبغي أن يكون فى حالة نفسية جيدة، حيث سيقدم الجزار قريباً لذبحه، ففرح المريض بهذه الرسالة ، وهيأ نفسه – نفسياً- للذبح. وبعد فترة دخل عليه ابن سينا غرفته شاهراً سكيناً كبيراً، وقال : "أين هذه البقرة التى سوف أذبحها " فأجابه المريض بإصدار خوار البقرة كى يعرفه ، فأمر ابن سينا بأن يطرح أرضاً ، وتقيد أيديه وأرجله ، وبعد إتمام هذا الأمر ، تحسس ابن سينا كل جسمه، ثم قال : إنها بقرة نحيفة جداً لا تصلح للذبح الآن ، يجب أن تتغذى وتسمن أولاً، ثم أمرهم بإطعام المريض بأطعمة جيدة ومناسبة ، فاكتسب المريض حيوية وقوة، الأمر الذى جعله يتحرر مما اعتراه من أعراض وهذاءات، وتم له الشفاء التام .
تكشف معالجة هذه الحالة وتشخيصها عن كثير من الحقائق الطبية التى سبق فيها ابن سينا أطباء الغرب، منها: إنه استخدم التفكير العلمى الموضوعى ، ولم يكن هناك مجال للسحر أو الشعوذة أو الخرافة أو القول بتلبس الأرواح والشياطين لجسد المريض. كما أن معالجته اتسمت بالطابع الإنساني والعلمى ، ولم يخضع المريض لكثير من وجوه التعذيب والقسوة والسحل والكى بالنار، والتى كانت سائدة فى الغرب آنذاك . وعلى ذلك فإن أسلوب ابن سينا فى العلاج لم يكن الأسلوب الشائع فى وقته، وإنما كان أسلوباً فريداً مبتكراً يتفق مع ظروف كل حالة مرضية، والحالة التى عالجها هى المالنخوليا Melancholia بأعراضها المعروفة . كما أدرك ابن سينا المقصود بمصطلح الهذاء أو الضلالة Delusion وتعرف على مضمون هذا المصطلح وما يقابله من أعراض من حيث اكتشافه أن مريضه كان يعتقد اعتقاداً خاطئاً بأنه بقرة، وأنه كان يصدر خوار البقرة لإقناع الناس بأنه بالفعل بقرة. والهذاءات أو الضلالات أحد الأعراض المميزة للذهان العقلى Psychosis أو المرض العقلى المرادف للجنون. وقد أشار ابن سينا إلى حالة فقدان الشهية التى غالباً ما تصاحب حالات مرض الاكتئاب الذى ينبغي أى يعالج بالتدرج، وهو ما فعله ابن سينا، حيث أرسل رسالة إلى المريض يخبره فيها بأن الجزار سوف يأتى كى يذبحه كما يرغب، وكى يقدم من لحمه وجبة شهية. وتعد هذه الخطوة ضرورية لتمهيد ذهن المريض لخطوات المعالجة، وكى يتوقع ما يحدث له بعد ذلك من تأثيرات . وبعد فترة من هذه الرسالة أقدم ابن سينا حاملاً سكينه فى يديه، ودخل على المريض غرفته ، ويمثل هذا الدخول رعشة أو رجفة خوف فى ذهن المريض تشبه حالياً الصدمات الكهربائية التى تعالج بها حالات الذهان العقلى أو ما يعرف بالعلاج بالصدمات Shock therapy . وبذلك يكون ابن سينا أسبق فى استخدام هذا المنهج أو على الأقل أفاد به فى العلاج النفسي الحديث.
ومن الاختصاصات الطبية التى أبدع فيها ابن سينا:طب العيون أوما كان يعرف عصرئذ بالكحالة,ففى الجزء الثانى من القانون خصص ابن سينا فصل الفن الثالث لتركيب العين وأمراضها ، مثل الرمد, ومنه ما هو ورم بسيط غير مجاوز للحد فى درور العرق والسيلان والوجع ، ومنه ما هو عظيم مجاوز للحد فى العظم ، يربو فيه البياض على الحدقة فيغطيها ويمنع التغميض ، وسببه قد يكون حادثاً من أسباب خارجية مثل الدخان والغبار والريح العاصفة والشمس التى تنظرها العينان ، والصداع الاحتراقى ، وإدامة التحديق إلى الشيئ الواحد ، وكثرة البكاء ، وإطالة النوم على القفا ، والسهر الشديد ، وقلة النوم ، والإستكثار من الجماع ، والاستكثار من السُكر ، والبطنة والنوم بعدها.
والبياض فى العين من الرمد وغيره يحدث عند اندمال القرحة أو البشرة إذا انفجرت واندملت ، فإن كان رقيقاً سمى غماما ، ويكون فى السطح الخارج ، وإن كان غليظاً سمى بالبياض مطلقاً.
والسبل غشاوة تكون فى العين بسبب انتفاخ عروقها الظاهرة فى سطح الملتحمة والقرنية ، ويسبب السبل امتلاء تلك العروق بسبب مواد سالت إليها عن طريق الغشاء الظاهر أو الباطن لامتلاء الرأس وضعف العين .
والظَّفَرَةُ هى زيادة من الملتحمة أو من الحجاب المحيط بالعين ، يبتدئ فى أكثر الأمر من الموق ، ويجرى دائماً على الملتحمة ، ومنها ما هو أصلب ، ومنها ما هو ألين ، ومنها ما يحتاج إلى سلخ ، وأفضل علاجه الكشط بالحديد ، وخصوصاً لان منه ، وأما الصلب فإن كاشطه إذا لم يرفق أدى إلى ضرر ، ويجب أن يُشال بالصنارات ، فإن تعلق سهل قرضه ، وإن امتنع سُلخ بشعرة أو إبريشم ينفذ تحته بإبره أو بأصل ريشة لطيفة .
والعشا هو : أن يتعطل البصر ليلاً ويبصر نهاراً ويضعف فى آخره ، وتسببه كثرة رطوبة العين وغِلظها ، أو رطوبة الروح الباصر وغِلظُه .. وعلاجه إن كان فى حال الكثرة ، فصد القيفال ، واستعمال سائر المستفرغات المعروفات مثل السقمونيا بتكرار ، ومن الأدوية أيضاً الاكتحال بالعسل وماء الراريانج ، ودماء الحيوان الحارة المزاج ، والمرارات أيضاً نافعة .
والساد ، وهو نزول الماء فى العينين ، مرض سدى وهو رطوبة غريبة تقف فى الثقبة العنبية بين الرطوبة البيضية والصفاق القرنى ، فتمنع نفوذ الأشباح إلى البصر ، وقد تختلف فى الكم والكيف فاختلافها فى الكم أنه ربما كان كثيراً بالقياس إلى الثقبة ، يسد جميع الثقبة ، فلا ترى العين شيئاً ، وربما كان قليلاً بالقياس إليها ، فتسد جهة وتخلى جهة مكشوفة ، فما كان من المرئيات بالجهة المسدودة لم يدركه البصر ، وما كان بالجهة المكشوفة أدركه .. ومما يعالج به الأكحال المحللة والملطفة والاستفراغات والحمية ، وتقليل الغذاء واجتناب المرطبات والاقتصار على المشويات والقلايا.
كذلك شَخّص ابن سينا وعالج من أمراض العيون ، الطرفة ، والدمعة وكمثة المدة ، وضعف البصر ، وضيق الحدقة ، والانتشار ، والحول ، والوردينج ، والسلاق ، والغدة فى العين ، وانتفاخ الأجفان ، والشعيرة .. وإن وسائط تعرف علل العين هى حال انفعالاتها ، وحال ما يسيل منها ، وملمسها ، وعروقها ، وشكلها ، وحركتها ، وقدرها ، وفعلها الخاص .
وأنكر ابن سينا على أصحاب الشعاع نظريتهم التى ترى أن الإبصار يتم بخروج شئ من البصر يلاقى المبصرات ، وذلك خطأ عند ابن سينا ، لأن الشعاع لو كان يخرج من البصر ، ويلاقى المحسوسات لما احتاج البصر إلى الضوء الخارجى ، ولكان ينوّر الهواء عند خروجه فى الظلام .
كما أن أصحاب القوة المتصورة ارتكبوا شنعة أعظم فجعلوا خلقة العين وتركيبها معطلين لا يجديان فائدة ، ولا يحتاج إليهما فى الإدراك البصرى ، لأنهم تصوروا أن القوة المتصورة تلاقى بذاتها المحسوسات.
وفى المقابل يأخذ ابن سينا برأى أرسطو ، مقرراً أن الإدراك البصرى يكون بانطباع أشباح المحسوسات المرئية فى الرطوبة الجليدية من العين عند توسط الجسم المشف بالفعل عند إشراق الضوء عليه كانطباع الصورة فى المرائى.
وفى القانون خصص الشيخ الرئيس حيزاً لطب الأسنان مشاركاً به أطباء الحضارة الإسلامية السابقين عليه ، لاسيما الرازى ، وعلى بن العباس ، والزهراوى ، فى منظومة الإبداع التى شهدها علم طب الأسنان ، فأبدع ابن سينا فى مجال تشبيك الأسنان المتحركة بتوسيع منابت الأسنان فى حالة تآكل العظم بسبب آفة نسج داعمة ، أو خراج سنى ، وأشار إلى الامتصاص الدورى الحديث حين وصف تآكل يدقق السن بما ينقص منها. كما وقف على التراجع اللثوى الذى ينشئ عن النسج الداعمة إذا التهب ، وذلك بمعرفته نقصان لحم العمور ، فقد تقلق السن كما يقول ابن سينا: بسبب باد من سقطة أو ضربة ، وقد يقع من رطوبة ترخى العصب الشاد للسن ، وتكون السن مع ذلك سمينة لم تقطف. وقد يقع التآكل ويعرض لمنابت الأسنان فيوسعها أو يدقق السن بما ينقص منها أو لانثلام الدرد. وقد يقع الضمور فيعرض فى الأسنان ليبس غالب ، كما يعرض للناقهين والشيوخ والذين جاعوا جوعاً متوالياً وقصر عنهم الغذاء ، وقد يقع لقصر لحم العمور.
وفى قلع الأسنان اشترك ابن سينا مع سابقيه من أطباء الحضارة الإسلامية فى اتباع الطريقة المتبعة حالياً ، من حيث البدء بقطع رباط سنى خاص يربط السن باللثة ، ثم يشرط حول السن ، ثم يمسك بالكلابة ، ويقلقل للخارج وللداخل ، ثم يُسحب. وكل ذلك بعد استفراغ كل الجهود فى محاولة علاج السن ، وتحرى الدقة فى تحديد السن العليلة مخافة أن تقلع سن غير مصابة. فقد يتأدى كما يقول ابن سينا: أمر السن الوجعة إلى أن لا تقبل علاجاً البتة ، فلا يوجد إلى استئصالها سبيل ، فيكون علاجها القلع ، وتقلع بالكلابتين بعد كشط ما يحيط بأصلها عنها. ويجب أن يتأمل قبل القلع ، فينظر هل العلة فى نفس السن ، فإن لم تكن فى نفس السن ، فإن ذلك وإن خف الوجع قليلاً ، فليس يبطله ، بل يعود. وإنما يخففه بما تحلل من المادة فى الحال وبما يوصل من الأدوية إليه.
لم يكتف ابن سينا بقلع السن آلياً ، بل اشترك مع الرازى فى الاستعانة بالوصفات الدوائية ، وخاصة التى يدخل فيها الزرنيخ لتسهيل الخلع ، وهذا ما أثبته الطب الحديث من استخدام الزرنيخ فى قلع الأسنان بدون ألم كما قال ابن سينا: تؤخذ قشور التوت وقشور الكبر والزرنيخ الأصفر والعاقرحا وأصول الحنظل وشبرم ، ويعجن الجميع بماء الشب أو الخل الثقيف (شديد الحموضة) ويترك ثلاثة أيام ثم يطلى. أو تؤخذ عروق صفر وقشور التوت من كل واحد جزء ، ومن الزرنيخ الأصفر جزءان ، ويعجن الجميع بالعسل ويُجعل حوالى الضرس مدة ، فإنه يقلعه.
وساهم ابن سينا فى ما يُعرف الآن بالجراحة التجميلية للأسنان ، وذلك بتقصير السن المتطاول أو النابت فوق مستوى الأطباق ، واستخدام الآلات والأدوية فى نشر السن النابتة على غيرها قائلاً: يجب أن تؤخذ السن التى تطول بالإصبعين أو بالآلة القابضة ، ثم تبرد بالمبرد ، يم يؤخذ من حب الغار والشب والزراوند الطويل ويستك به.
وعالج ابن سينا الكسور الفكية علاجاً علمياً سليماً ما زالت خطواته متبعة فى طب الأسنان الحديث . ففى حالة كسر الفك السفلى أو اللحى ، أوصى الشيخ الرئيس بالرد الإصبعى وربط وتثبيت الأسنان بأسلاك من ذهب ، وأشار إلى مدة التثبيت اللازمة علمياً والكافية لالتحام الكسر ، وهى ثلاثة أسابيع. وأشار إلى ضرورة إزالة الشظايا العظيمة فى حالة الكسر المركب الذى يصل إلى الجلد. كما عرف الوذمة التى يمكن أن تحدث بعد الكسر ، فإذا تغير شيئ فى الشكل بعد الرباط والتثبيت ، فينبغى حل الرباط القاسى. ففى فصل فى كسر اللحى يقول ابن سينا: ادخل إن انكسر اللحى الأيمن السبابة والوسطى من اليد اليسرى فى فم العليل ، وإن انكسر اللحى الأيسر ، فمن اليد اليمنى وأرفع بهما حدبة الكسر إلى خارج من داخل واستقبلها باليد الأخرى من خارج ، وسوّه ، وتعرف استواءه من مساواة الأسنان التى فيه. وأما إن تقصف اللحى باثنتين فامدده من الجانبين على المقابلة بخادم يمده وخادم يمسك ثم يعبر الطبيب إلى تسويته على ما ذكرنا ، واربط الأسنان التى تعوجت وزالت بعضها ببعض . فإن كان عرض مع الكسر جرح أو شظية عظم بنخس فشق عنه وانزع الشظية واستعمل فيه الخياط والرفائد والأدوية الملحمة بعد الرد والتسوية. ورباطه يكون على هذه الجهة يجعل وسط العصابة على نقرة القفا ويذهب بالطرفين من الجانبين على الأذنين إلى طرف اللحى ، ثم يذهب به أيضاً إلى تحت اللحى على الخدين إلى اليافوخ ، ثم تمر منه أيضاً إلى تحت النقرة ، وليوضع رباط آخر على الجبهة وخلف الرأس ليشد جميع اللف الذى لف ، ويجعل عليه جبيرة خفيفة وإن انفصل اللحيان جميعاً من طرفها فليمد بكلتا اليدين قليلاً ثم يقابلان ويؤلفان ، وتنظر إلى تآلف الأسنان ، وتربط الثنايا بخيط ذهب لئلا يزول التقويم ويوضع وسط الرباط على القفا ، ويجاء برأسه إلى طرف اللحى ويأمر العليل بالسكون والهدوء وترك الكلام ويجعل غذاؤه الإحساء ، وإن تغير شيئ من الشكل فحل الرباط إلا أن يعرض ورم حار فإن عرض فلا تغفل عن الأضمدة التى تصلح لذلك مما يسكن ويحلل باعتدال وعظم الفك يشتد كثيراً قبل الثلاثة الأسابيع لأنه لين وفيه مخ كثير يملؤه.
*رئيس قسم المخطوطات وعلوم الحضارة الاسلامية
كلية الاداب-جامعة الاسكندرية
[email protected]
Drharby.maktoobblog.com
00201001460325
Comment *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.