اسمحوا لى قبل أن أبدأ مقالتى وأتحدث عن حالة إنسانية شديدة الخصوصية، وأن أعتذر لمحمود بتاع الجرائد لأن أطلقت عليه اسم "الواد محمود" لأنه يستحق أن يكون مواطناً من الدرجة الأولى، يستحق الاحترام والتقدير مع مرتبة الشرف، وقد أطلقت عليه الاسم كما هو العرف السائد للأسماء التى تطلق على هذه الطبقة المهمشة لمجتمعنا، فقد اكتفى محمود بتعليمه الإعدادى ولم يستمر فى التعليم لضيق الحاجة، مثله كمثل الكثير من هذه الطبقة التى تشق طريقها بين الصخور بدون اللجوء إلى الانحراف والإجرام لتوفير حياة كريمة لهم. قام محمود بمساعدة والده إلى أن توفاه الله فأصبح مسئولاً عن أسرته، كما هو الحال فى العديد من الأسر المصرية الفقيرة فى مجتمعنا المصرى، لكن وقفت عند هذه الشخصية وهذه الحالة وما طرأ عليه من طفرة فى مجتمعنا المصرى أجزم أنها الأولى من أكثر من خمسين سنة ولم أكن أتخيل أو أتوقع أننى سوف أجد هذا المثال الحى على ما يحدث من حراك سياسى ووعى وإدراك فطرى نحو الديمقراطيه لهولاء الشباب المهمشين فى وطننا، ونحن اعتدنا أن المحللين السياسيين دائماً وأبداً حاملين الماجستير أو الدكتوراه فى التحليلات السياسية والاستراتيجية مع إصابتنا بالمرارة وارتفاع الضغط من هذه التحاليل، لكن ليس هذا هو المقياس. سوف أبدأ حوارى عن محمود بتاع الجرائد لعدم مجيئه باكراً بالجرائد عن طريق التليفون بينى وبينه، وتسمحوا لى أن أنقل الحوار كما هو بالعامية المفرطة لتدركوا ما حدث لهؤلاء الشباب بعد ثلاث أشهر من حكم الرئيس، أنا لن أتحدث عن سلبيات وإيجابيات هذه المرحلة، فقد تحدث عنها زملائى بما يكفى، لكن سوف أتحدث عن انعكاس هذه المرحلة على هؤلاء المهمشين من المجتمع والشباب الذى لم يجد نفسه يعامل معامله الاحترام والتقدير فى وطنه خلال العهود السابقة، أنا لم أنتخب الدكتور مرسى أو الفريق شفيق لأسباب كثيرة، لم أتحدث عنها فى هذه المقالة، لكننى أدركت أشياء كثيرة من مفهوم آخر. وهذا هو الحوار يا محمود فين الجرائد؟ أنا آسف يا مدام أنا هجيبها حالاً – سمعت إمبارح يا مدام خطاب الريس؟ أيوه يا محمود بس مش كله ليه؟ وإيه رأيك فيه؟ أنت يا محمود بتكلمنى فى إيه وأنت مالك ومال السياسة هات الجرايد وتعالى، وكانت المفاجأة. يا مدام أنا روحت الاستاد ومعى عشرين واحد من أصحابى فى عربية ميكروباص لسماع خطاب الريس وذهلت وقلت له ليه وإيه اللى وداك يا محمود؟ وطلبت منه أن يأتى بالجرائد وأواصل حديثى معه. إيه اللى وداك يا محمود حد قالك تروح؟ لا يا مدام أنا اللى روحت لأنى كنت فرحان أوى إنى ممكن أكون موجود فى مكان فيه الريس من غير ما حد يمنعنى أشوفه وأسمعه عينى عينك ودى أول مرة تحصل فى مصر، وكنت عايز أعرف هيقول إيه عن التسعة والتسعين يوم علشان آخرهم كان إمبارح. طيب احكيلى دخلت إزاى الاستاد ومن كان معاك من أصحابك، وشفت جماعات من الإخوان كتير هناك بيبقوا معاهم ميكروباصات من المحافظات علشان بيهيصوا للريس ويصفقوا ليه (يعنى متأجرين بالبلدى) لا يا مدام والله أبدا أنا دخلت بتذكرة مجانية والظباط عاملونى بكل احترام كأنهم أباهتنا وكان فى نظام فى الدخول فى صفين بأرقام للكراسى، كان فى نظام ومفيش حد كان بيهينى أو بيعاملونا وحش، أنا كنت فرحان أوى أنى أحضر فى مكان ذى ده وأتعامل كده وبعدين كانت هناك عائلات كثيرة يا مدام وإن وأصحابى مسيحيين راحوا معايا وكانوا معجبين من كلام الريس وناس جايين برضاهم مش علشان متأجرين، يا مدام والناس عارفه وخصوصا المسيحيين أن اللى حصل فى رفح ناس متأجرة علشان، يوقعوا بينا وبينهم. فقلت بس يا محمود فى حاجات كثير لسه ما تحققت فى كلام الريس أنت بقيت من الإخوان ولا إيه؟ هو أنت انتخبت مين يا محمود قالى لا والله أنا مش من الإخوان أنا انتخبت شفيق فى الأول، وكنت خايف من الإخوان وكده يعنى أحسن يعملوا حاجة فى البلد بس أنا حاسس إن فى حاجة حلوة أوى هتحصل يا مدام فى البلد. إزاى بتنتخب شفيق وهو من النظام السابق، وهو نفس النظام فى الحكم والفساد هيرجع تان؟ كان هيخاف يسرق أحسن يتشال. وسألته إيه اللى عجبك فى خطاب الريس، فقالى كلامه إنه مفيش وسطة وأنه عمل.. وعمل.. إلخ لم يهمنى من حديث محمود سوا أنه كان معجباً بما حدث فى المائه يوم أم لا أو إعجابى أنا شخصيا بما قدمه الريس أم لا، لأننى أساسا لم أكن مقتنعة بهذا الخطاب، بل كل الذى دار بعقلى أن هذا الرجل مع اختلافنا فى بعض المواقف اللى تصدر منه وليس لشخصه قام بعمل حراك سياسى ووعى ديمقراطى لدى هذه الفئة من الشعب المصرى خلال المائة يوم وكانت نتيجته أن يذهب محمود وأمثاله إلى سماع خطابه، وأن يكون لديه أمل فى استرداد كرامته وعزة نفسه، وأن يعامل على أنه بنى آدم وأن يكون له دور بأن يحضر ويسمع ويرى الرئيس، وأن يعامل باحترام ويهتم بما يقوله الرئيس كمواطن من الدرجه الأولى فكل الاحترام والتقدير لك يا محمود على هذه الخطوة الخطيرة فى مجتمعنا الجديد، وأهم إنجاز لثورتنا وللرئيس مرسى فى الفترة، مما يجعله أكتر حرصا على تقويه هذا الأمل، بل وأخطرها على الإطلاق وأكثر مسئولية تجاه هذا الشباب الذى فقد دوره فى المجتمع فلك منى التحية يا محمود وأيضا للرئيس التحية على هذا الإنجاز الذى اعتبره من أخطر ما يكون فى هذه الفترة.