لطالما عبر السياسيون الإسرائيليون عن رضاهم من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وما حققته من نجاحات في العلاقات الاقتصادية والسياحية، وما أمنته من حماية وهدوء على الحدود المصرية الإسرائيلية؛ الأمر الذي دفعها للطموح بالمزيد من المكاسب السياسية أهمها التطبيع مع الشعب المصري لا القيادة السياسية ، وفي مناسبات عدة عبر سياسيون إسرائيليون عن أسفهم بعدم تحقيق ذلك رغم توقيع معاهدة السلام منذ 1979، فوصفوا المعاهدة بأنها حققت "سلام بارد"نتج عنه مكاسب تجارية وسياحية في اتجاه واحد فقط، من إسرائيل إلى مصر في أغلب الأحيان، سلام لم ينجم عنه تبادل ثقافي بين الشعبين.! ولبحث أسباب عدم تطبيع الشعب المصري العلاقات مع إسرائيل، خصصت الأخيرة مجموعة من المتخصصين في اللغة العربية، والدين الإسلامي، وعلم النفس الاجتماعي من باحثي جامعة القدس، وتل أبيب، وبار ايلان لدراسة هذا الأمر. عمل الباحثين الذي امتد لخمسة أعوام خلص بأن مناهج التاريخ والدين التي تدرس في المدارس المصرية في مراحل التعليم الثلاث الأولى هي السبب الرئيسي في عدم تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل . ولأن الهدف ليس معرفة الأسباب فقط بل العمل على تغييرها فقد أعد هذا الفريق كتب تعليمية للمواد التي تدرس في المدارس المصرية لتحسين صورة إسرائيل لدى الطلاب المصريين بمختلف أعمارهم، وقد كشفت صحيفة روز اليوسف المصرية قبل بضعة أسابيع عن صفقة عقدتها إسرائيل مع سوزان مبارك لتمرير هذه المناهج مقابل 300 مليون دولار، وأفادت التحقيقات التي يقوم بها جهاز رقابي مصري أن سوزان مبارك قد تسلمت المبلغ بعد شهرين من عقد الصفقة عام 1998. وتبين من وثائق الجلسات بين سوزان مبارك والمسئولين الإسرائيليين أن الأخيرة تعهدت في الضغط على وزير التربية والتعليم، ومفتي الديار المصرية، ووزير الأوقاف لتنفيذ خطة تغيير المناهج، ولكن يبدو رغم مرور 13 عام على هذا المخطط أننا لا نعرف أي جزء نفذ منه، الطريف أن الوزير الإسرائيلي "فؤاد بن اليعازر"والصديق الحميم للرئيس المخلوع حسني مبارك طالبه برد المبلغ بعد أن قام بزيارته عقب تنحيه مباشرة. الغريب في الأمر أننا شهدنا في هذه الأيام صدور كتاب جديد اسمه "الفلسطينيين في كتب التعليم الاسرائيلية"، وهو عبارة عن بحث للبروفيسور الإسرائيلية والمحاضرة في الجامعة العبرية "نوريت بيليد – إلحنان "، والتي قامت بدراسة المناهج الإسرائيلية بين سنوات 1996-2009 استنتجت في دراستها أن جهاز التعليم الإسرائيلي يهدف إلى إعداد الصغار لشرعنة جرائم الجيش من خلال تبسيط تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فتقول في كتابها :"يطلق عليهم العرب مع الجمل بلباس علي بابا.. يوصفون بأنهم منحطون ومنحرفون ومجرمون، أناس لا يدفعون الضرائب ولا يريدون التطور، التمثيل الوحيد لهم هو لاجئون وفلاحون بدائيون وإرهابيون". وتضيف الباحثة أيضاً أن التعامل مع عرب 48 قائم على أنهم مشكلة سكانية من الممكن أن تتوسع لتصبح تهديدا ديمغرافيا. أما عندما تذكر مجزرة ارتكبت بحق العرب، "فيطلب من الطلاب اليهود النظر إلى ما وراء الحالة العينية من الموت لصالح الصورة الكبرى". تزامن دراسة "تريد اليد- حنان" في السنوات التي عقدت فيها الصفقة بين سوزان مبارك وإسرائيل لتغيير المناهج يشكل بالنسبة لنا ضوء أحمر لننظر بعمق أكثر إلى المناهج التعليمية التي تفرضها إسرائيل على فلسطينيِّ 48 أو ما يعرف ب "فلسطيني الداخل" إذ تقتصر مادة التاريخ في معظمها على الهولوكوست ولا تذكر النكبة كأحد أهم المراحل التاريخية في تاريخ الشعب الفلسطيني مما يهدف إلى تشوية الهوية الوطنية بل ومسحها من ذاكرة الأجيال الشابة وتضعنا في مواجهة السؤال الذي يفرض نفسه عليناهل استخدمت إسرائيل سياسة تغيير المناهج مع دول عربية أخرى عقدت معها اتفاقية السلام؟!! وهل ستشمل مناهجنا التعليمية بفعل تأثير ربيع الثورات العربية مصطلح تداولته وسائل الاعلام العبرية مؤخراً وهو "الإرهاب الصهيوني"؟!