إذا قلنا أن النهضة عملية مجتمعية في الأساس بمعنى أن المجتمع هو صاحب مشروع النهضة، وهو العنصر الأساسي فيها، وأن كل مشروعات النهضة إذا لم تستند على مشاركة مجتمعية واسعة، فإنها تفشل، وإذا كان المجتمع المصري إسلامي حتى النخاع – وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة الثقافة الإسلامية، فإن تجاهلها يعني الفشل حتماً، ذلك أن الإنسان لا يتحرك إلا من خلال وجدانه، وإذا كان هذا الوجدان لا يروق للبعض فإن عليهم غسل هذا الإنسان من هذا الوجدان أولاً، ثم بعد ذلك دفع هذا الإنسان الجديد باتجاه النهضة، وهي عملية مستحيلة من كل الجوانب، أو تستغرق آلاف الأعوام، لأن الوجدان الإسلامي للإنسان المصري عميق جداً، ولعل هذا هو السبب الرئيسي في فشل كل مشروعات النهضة التي قامت على غير الأساس الإسلامي، وأضاعت وقت وجهد الأمة بلا طائل، وانتهت إلى هزائم عسكرية واستبداد سياسي، وتخلف على كل المستويات، ولكن بالطبع فإن مجرد إسلامية مشروع النهضة لا يعني النجاح ذلك أن الأمر يحتاج بالإضافة إلى هذا الشرط الموضوعي عدداً من الشروط الآخرى مثل وجود جيل قادر على حمل عبء النهضة، وقيادات ذكية وذات خيال، ونزيهة وغير فاسدة. ويبدو أن معظم شروط النهضة تتوفر عادة عندما توجد طاقة هائلة في المجتمع تتولد من ثورة شعبية، أو انتصار استراتيجي أو غيرها. ولدينا في تاريخنا المعاصر ثلاث محطات رئيسية توفرت فيها هذه الطاقة، الأولى كانت إبان نجاح الشعب المصري في ثورته المستمرة ضد الاحتلال الفرنسي عام 1798 – 1801 التي انتهت بخروج الاحتلال الفرنسي من مصر، وتأكد هذا بالثورة الشعبية المصرية ضد الوالي خورشيد 1805 ثم بنجاح المقاومة الشعبية ضد الغزو الإنجليزي بقيادة فريزر عام 1807 كانت هناك روح مجتمعية هادرة، وطاقة جبارة تمثلت في امتلاك الجماهير لعناصر المقاومة، بل والتصنيع عندما نجحت المقاومة في تصنيع مدفع من مخلفات الفرنسيين واستخدمته ضد الفرنسيين أنفسهم، ومشاركة رجال الأعمال والتجار في الثورة – السيد أحمد المحروقي نموذجاً – أي أن التمويل كان جاهزاً، ولكن محمد علي صرف الجماهير ونفى الزعماء، وألغى استقلال الأزهر – وربط كل موارد النهضة بالجيش، وساعده الغرب في بناء جيش قوي استنزف موارد مصر، ووضع النهضة في الطريق الخطأ وانتهى الأمر بتحطيم هذا الجيش عام 1840 على يد الأوروبيين أنفسهم، وضاعت فرصة النهضة. ثم عاد الشعب المصري وحقق ثورة كبرى عام 1919 كان من الممكن أن تصبح قاعدة للنهضة، ولكن سعد زغلول سرق الثورة، وأضاعها في التفاوض والحلول الوسط، رغم وجود ملامح نهضة صناعية – طلعت حرب نموذجاً – وانتهى الأمر ببقاء الاحتلال ثم إجهاض ما بقى من الثورة على يد انقلاب عسكري عام 1952 أخرج الشعب من المعادلة وانتهى بهزيمة 1967. ومرة ثالثة تندلع الثورة في 2011 وتنجح في الإطاحة برأس النظام – حسني مبارك – وتفجر طاقة هائلة لدى الشعب المصري، ولكن المؤسسة العسكرية للمرة الثالثة تمارس لعبة إضاعة الوقت في مسارات مريبة وتشكك في الثورة، وتجهض حلم النهضة، وهكذا فإن الفرصة الثالثة للنهضة تكاد تضيع، وعلى الشعب المصري أن يستعيد زمام المبادرة ويقود عملية الثورة والنهضة بنفسه، وإلا فإن أمامنا عشرات السنين الآخرى لكي تأتي الفرصة مرة آخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله.