هذا العنوان ليس جديداً عليّ ولا على إخواني وأخواتي وأبنائي في الحركة الإسلامية، فمنذ كان عنواناً لكتاب صدر في 1987، استهدف نوعاً من النقد والنقد الذاتي لسلوك وفكر الحركة الإسلامية في مصر، وكان فيه دعوة للحركة للتصرف كطليعة للأمة وليس بديلاً عنها وتضمن رسائل إلى قادة ورموز الحركة الإسلامية في ذلك الوقت، ولعل أهم ما جاء فيه ودار حوله كان حوارا أو دعوة للجماعة الإسلامية في ذلك الوقت لنبذ العنف من طرف واحد، على أساس أن النضال السياسي هو الملائم لمصر؛ وليس التربية الإخوانية أو العنف الذي مارسته الجماعة الإسلامية. وقد حدث سجال بيني وبين الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت حول هذا الموضوع على صفحات جريدة الشعب. وبعد سنوات من ذلك، قررت الجماعة الإسلامية التوقف عن العنف – وهذا حسن – ولكن صحب ذلك صدور عدد من المراجعات الفكرية حول الموضوع، والتي لم تتوقف عند تجريم العنف، بل نسفت فكرة الحركة الإسلامية من الأصل، ولم نناقشهم في ذلك في وقته نظرا لظروف صعبة كانت تتعرض لها الجماعة في ذلك الوقت. أياً كان الأمر فإن النقد والنقد الذاتي فريضة إسلامية ورحم الله أمرؤ أهدى إلى عيوبي، ثم سارت الأمور باتجاه فساد شامل غير مسبوق للنظام السياسي في مصر بقيادة مبارك، وكان النظام ينهار بسرعة، وقد بدأت شخصياً منذ عام 2001 دعوة الحركة الإسلامية عموماً--والإخوان المسلمين خصوصاً--إلى المبادرة بالثورة السلمية على النظام، وقلت أكثر من مرة علناً وفي ندوات أن الناس قد جاعوا بالمعنى الحقيقي للجوع، وعطشوا بالمعنى الحقيقي للعطش، وتعرضوا للذل والمهانة، وأن النظام ضعيف جداً، وأن جزءا من قوة الإخوان يستطيع إنجاح الثورة على النظام وأن ذلك واجب أولاً من باب المسئولية وممكن ثانياً نتيجة ضعف النظام. حدث ما حدث ولم تنتهز الحركة الإسلامية الفرصة السانحة، ونجح عدد من الشباب أن يفعل ما تخلف عنه الجميع، وفي ذلك الوقت ترددت الجماعة الإسلامية عن المشاركة، وأفتى بعض السلفيين بعدم جواز المظاهرات، ولحق الإخوان بالثورة ودعموها جدياً وكانوا سبباً في نجاحها، وترتب على نجاح الثورة خروج ما بقى من الجماعة الإسلامية والإخوان والسلفيين من السجون، وهذا يقتضي الشكر للثوار وليس التنكر لهم. وكان من الضروري استكمال الثورة، لتطهير القضاء والشرطة والجامعات والإجهاز على أمن الدولة وفلول الحزب الوطني. لكن الذي حدث أننا اختلفنا مع الثوار حول قضايا الدستور أولاً أم الانتخابات، وافترقنا للأسف، وظهرت دعوات حول سيطرة الليبراليين على الثوار، وهذا غير صحيح. وابتداء فإن الليبرالية بحد ذاتها كفر بواح. لأنها تستند إلى مرجعية بشرية، ولكن يشهد الله أن غالبية الثوار ليسوا ليبراليين، بل مسلمون، وكان لا بد من احتضان الثورة، بدلاً من النزول من جبل أحد لجمع الغنائم قبل نهاية المعركة وهذه المرة فإنني أقدم نصيحتي ونقدي لوجه الله والله على ما أقول وكيل. لقد أضعنا فرصة تفجير الثورة بأنفسنا، بما يترتب على ذلك من قيام نظام إسلامي صالح، ولكن لحقنا بالثورة، ولا بأس فينبغي استكمالها، ينبغي أن نتوقف عن الشك في الثوار أولاً، ثم نراهن على الشعب وليس المجلس العسكري ثانياً، ثم نعمل على تطهير القضاء والشرطة والقضاء على بقايا الدولة الأمنية والحزب الوطني ثالثاً، ثم استعادة ميدان التحرير للثوار رابعاً، ثم العمل على إقامة نظام إسلامي يخدم الحرية. وإذا كان الخيار بين نظام إسلامي مستبد ونظام آخر، فالنظام الآخر أفضل مرحلياً، لأن الإسلام يتألق في جو الحرية والمسئولية، أما إذا قام نظام إسلامي مستبد فهذا يعطل مسيرة الإسلام عشرات السنين، ويؤخر ملامح قيام عالمية إسلامية ثانية تظهر بوضوح في أفق العالم. أرجوكم: احتكموا إلى ضمائركم، وراهنوا على الجماهير والشعوب، وغيروا برامج أحزابكم باتجاه مزيد من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولا تراهنوا على عددكم وعدتكم فيصدق علينا مثل المسلمين في غزوة حنين: "إذ أعجبتهم كثرتهم". ولا تأمنوا مكر الله الذي لا يرضى بنكران جميل الثوار، ولا يرضى بإهدار دماء الشهداء، ولا يرضى بالتحالف مع المجلس العسكري على حساب الثوار، والله على ما أقول شهيد، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.