بتاريخ 3 ديسمبر ، كتب مولانا الشيخ الشهيد عماد عفت -رداً على سؤال وجه له- ما نصه: أيها الإخوان -والمتخندقون في خندقهم- الزاعمون أنكم ما نزلتم لنصرة ثوار التحرير واستنكار مجازر المجلس الأعلي والداخلية ضدهم إلا خوفا من المؤامرة المزعومة لإفشال الانتخابات [رغم أنكم لم تشاركوا التحرير بعد الخلع إلا في جمعة وحيدة على مدي تسعة أشهر، ورغم أنه قيل لكم لا تشاركوا في أحداث الشارع، ولكن كَثِّرُوا سوادَ الناس، وقفوا معهم في الميدان كما نجحت الثورة باجتماعكم فيه]: الآن وقد اطمأننتم على سلامة الانتخابات الغالية، والآن وقد هدأ محمد محمود وأحداثه، الآن وقد نزل المصريون لرثاء الشهداء وعزاء أسرهم والتضامن معهم والمطالبة بحقوقهم، لماذا لم تشاركوا الشعب المصري آلامه خاصة بعد أن صرتم نوابه! أخشى أن يكون الزعم هذه المرة أن جمعة التضامن مع أهالي الشهداء مدعومة من الكنيسة كما فعلتم مع مصطفى النجار! إن أشخاصا من عموم الناس الذين ليس لهم انتماءات حزبية ولا فكرية نزلوا لنصرة المظلومين بدافع ديني أو بدافع أخلاقي أو بدافع إنساني، وباتوا يحرسون ميادين التحرير، وأنتم بِتم مقيدين بمواقف قادة الجماعة واستجبتم لها حتى قبل أن يخرج بيان منهم يبرر قعودهم، وهذه هي الطاعة المذمومة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان: طاعة لمجهول في غير مشروع، ظلمات بعضها فوق بعض، جمعت حَشَفًا وسوءَ كيلة، ولسان حالكم يقول: ما دامت الجماعة قد اتخذت هذا الموقف فقد صَدَقَت!!!!!!!!! تذكروا أعزتي أن أفضل المواقف لكم [كالنزول يوم 25 و28 والحفاظ على الميدان يوم وقعة الجمل] قد أخذتموها بعيدا عن قرار قيادات الجماعة إياهم وعندما لم تنتظروا تعليماتهم. والعجب كل العجب من بعض الناس غير المنتمين للجماعة وغير المبايعين لها والذين يدافعون عنها وعن مواقفها أكثر من بعض المنتمين للجماعة!!! دعونا جميعا نتذكر أن حكومة طالبان ضحت بحكمها للبلاد وهيمنتها على السلطة [وليس مجرد دخول الانتخابات] لموقف مبدأي أخلاقي، وهو عدم تسليم الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله تعالى للأمريكان وطرد جماعته من أفغانستان، رغم اختلافهم معهم فيما صدر منهم في أحداث 11 سبتمبر 2011، ورغم أن القاعدة فعلت ذلك بغير رجوع لأمير طالبان رغم مبايعتهم له. لأن المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله. ونتيجة هذا الموقف الأخلاقي والشرعي والإنساني النبيل فإن طالبان الآن أعادت تجميع صفوفها رغم اجتماع أكثر من ثلاثين دولة ضدهم، وهي تذيق الأمريكان والناتو الهوان، وعن قريب ستدحرهم وتعيد بسط سيطرتها على البلاد مرة أخرى، دون أن تعطي الدنية من دينها. لكن من باع في كل مرة لا تنتظر منه أن يشتري هذه المرة: من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلامُ. على كل حال فقد أخرج أبو داود عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم: "ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته" وفي المسند: "من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة" والله سبحانه يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون} {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا }أمثالكم} {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين}. وبتاريخ 29 نوفمبر كتب رحمه الله يقول : سألني بعض من لا يسعني إهمال طلبه عن بعض الشبه التي يلقيها الإخوان لتبرير موقفهم من الأحداث الأخيرة، ويريد لها جوابا، وهذه الشبه هي: 1- لماذا السلطات التي منعت يوما الجزيرة مباشر مصر من العمل، سمحت الآن للجميع بتغطية الأحداث وبمنتهى القوة؟ 2- من الذي صور الفيديو المنتشر على يوتيوب يصور ضابطا من الخلف (يعني أكيد معاهم) وهو يطلق النار على المتظاهرين، وصوره عن قرب لدرجة سماع التعليقات و(جدع يا باشا). 3- لماذا قامت القوات باقتحام الميدان وإخلائه تماما (أكثر من مرة) وتنسحب منه طواعية وتحت سمع وبصر الكاميرات تاركة المتظاهرين ليدخلوا من جديد؟ وهذه هي إجابتي على هذه الشبه: 1- لأن الحكاية - في رأيي- أنه مجلس منقسم على نفسه، كشأن أية مجموعة، وقد غلب في وقت من الأوقات رأي بعضهم الذي ظهرت سياساته بهذه الطريقة الفجة من التعامل مع الإعلام الداخلي والخارجي، ومن التعامل مع المتظاهرين وغير ذلك من السياسات، وكل ذلك أخذ فرصته الزمنية وأثبت فشلا ذريعا، وكادت الثورة الثانية تقوم فكان لا بد أن يتوارى هذا الفريق ويظهر الفريق الآخر العقلاني الذي كان مغلوبا على أمره في الفترة السابقة، وأعطى له المشير الضوء الأخضر ليصلحوا ما أفسدته سياسات الفريق الأول، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. 2- هذا بالضبط يمكن أن يقال في حق الجيش السوري والأمن والشبيحة هناك، وهو عين ما حصل مع عماد الكبير، والبنت التي عذبتها الشرطة ووضعتها في الفلكة، وهو عينه ما حصل في أبي غريب وتم تسجيله عن طريق كاميرات الجيش الأمريكي، والإجابة في كل ذلك واحدة: إن الذي ربى موسى عليه السلام في بيت فرعون هو من فعل ذلك. 3- هذا غير صحيح، مسألة الطواعية هذه غير صحيحة، فقد قاموا بإخلاء الميدان قبل ذلك وفي بعض المرات وضعوا الجنود في الشمس الحارقة لمدة أكثر من شهر، أما هذه المرة فلم يكن لهم قدرة على الصمود أمام الناس التي تداعت وصمدت وأصرت على عدم الإخلاء ودافعت عن الميدان، وفي النهاية هي قدرات لوجستية وورديات وتموين، وهم لم يكونوا يتحسبون لصمود الثوار، ولو مشينا مع نفس المنطق المؤامراتي لقلنا مثل ذلك في انسحاب الشرطة من التحرير في 28 يناير. في النهاية فالإخوان وغيرهم من بعض السلفيين وهيئة الإصلاح ومن شاكلهم في تصرفهم المشين من تقاعسهم عن نصرة الثوار، بل وطعنهم فيهم، بل ونصرة بعضهم للظلمة من المجلس والداخلية- يأكلونها ويغمسونها بالسم الهاري؛ لأنه ليس مجرد إدام: إنه دماء الشهداء، فستكون غصة في الحلوق، وعارا في التأريخ، وشنارا يوم الدين. ولا يزال هذا الخذلان لمن تسبب في رفع رأسنا جميعا، وسمح لهم بما هم فيه من أحزاب معلنة وحرية وعافية، ثم التسلق على جراحهم وأرواحهم للوصول إلى مآربهم الخاصة- لا يزال ذلك كله ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم.