د.مازن النجار \n\n قبل عقود من السنين، اكتشف العلماء دور مادة الأسبتوس، المستخدمة في البناء، في انتشار السرطان بين عمال مرافق إنتاجها وعمال البناء الذين استخدموها، وربما أيضاً بعض سكان المباني التي استخدمت هذه المادة في بنائها، ورُفعت مئات من قضايا التعويض ضد الشركات المنتجة للأسبتوس أو شركات المقاولات التي استخدمته طويلاً كمادة بناء. وقد أنفقت كذلك مليارات الدولارات لتنظيف المباني القديمة من هذه المادة، تجنباً لآثارها الصحية المقلقة.\nومنذ عدة سنوات، تساءل بعض خبراء الصحة البيئية والمهنية عن مستوى السلامة والأمان الذي يحيط بالعاملين في تصنيع التقنيات والمكونات الإليكترونية الجديدة ومختلف أشكال الرقائق الحاسوبية من معالجات دقيقة ومستودعات للذاكرة وشاشات عرض، وما يستخدم في صنعها من مواد كيميائية غير مدروسة طبياً بما فيه الكفاية من ناحية سلامتها أو آثارها على صحة العاملين أو على الصحة العامة، خاصة لدى انتشار أبخرة وغبار هذه المواد في الهواء أو وصولها إلى المياه الجوفية عندما يتم دفن النفايات الإليكترونية هائلة الحجم في التربة.\nمخاطر صحية أعلى\nوكانت دراسة طبية تحليلية جديدة، هي الأوسع في مجالها، قد وجدت أن عمال مصانع الحواسيب معرضون لمخاطر مرتفعة إزاء الوفاة بالسرطان. أجرى الدراسة ريتشارد كلاب من كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن الأميركية، ونشرت بالنسخة الإلكترونية من مجلة \"الصحة البيئية\" المتخصصة.\nنظرت الدراسة الجديدة في ما يزيد على 30 ألف حالة وفاة بين أفراد عاملين في مصانع شركة \"آي بي أم\" (IBM) لصناعة الحواسيب في الولاياتالمتحدة. وكشفت الدراسة أن عمال مصانع \"آي بي أم\" كانوا أكثر عرضة للوفاة بالسرطانات، كسرطان الدماغ والكلى والثدي والأورام اللمفية (اللمفوما) باستثناء لمفوما هدجكن، مقارنة بوفيات عموم السكان في الولاياتالمتحدة.\n\n \nمقارنة مسببات الوفاة\nلم يتمكن مؤلف الدراسة من ربط هذه الوفيات بأي كيميائيات محددة أو سُميات تعرض لها هؤلاء الأشخاص المتوفون. بيد أن هذه الدراسة تؤكد ما خلصت إليها دراسات سابقة أصغر نطاقاً، وتبرز مخاطر صحية جلية بالنسبة للعاملين في مصانع الحواسيب بمختلف أنحاء العالم.\nاستقصى مؤلف الدراسة مسببات الوفاة المباشرة بين عمال مصانع \"آي بي أم\" الذين عملوا لمدة خمس سنوات أو أكثر بين عامي 1969 و2001. فقد حلل ريتشارد كلاب مسببات وفاة نحو 32 ألف عامل، وقارنها بمسببات الوفاة بين عموم السكان الأميركيين خلال نفس الفترة.\nحصل الباحث على بيانات ومعطيات وفيات العمال من شركة \"آي بي أم\"، كجزء من دعوى قانونية مرفوعة ضد \"آي بي أم\" في ولاية كاليفورنيا، وكان المحامون وكلاء أصحاب الدعوى قد تعاقدوا مع ريتشارد كلاب، للقيام بالتحليل الذي استندت إليه الدراسة.\nالدماغ والعصبي المركزي\nتشير نتائج تحليل كلاب إلى أن زيادة في (معدلات) الوفاة ناجمة عن عدة أنواع من السرطان، خصوصا بين عمال التصنيع وعمال في منشآت معينة بولايات كاليفورنيا ومينيسوتا ونيويورك وفيرمونت.\nوكان الأكثر استدعاء للملاحظة هو فرط الوفيات الناجمة عن الإصابة بسرطان الدماغ والجهاز العصبي المركزي. أما سرطان الكلى وسرطان الثدي والأورام اللمفية (غير لمفوما هدجكن) فقد وجدت على نحو مفرط أيضا في بعض مجموعات العمال.\nلم يكن ممكنا للباحث أن يكتشف ارتباطا بين هذه الوفيات ومواد كيميائية محددة أو التعرض لظواهر أخرى في مكان العمل، لأن المعلومات الضرورية لاكتشاف ذلك الارتباط لم تكن متاحة.\nتؤكد هذه الدراسة ما خلصت إليه دراسة صغيرة سابقة أجريت على وفيات ثلاث منشآت تصنيع لشركة \"آي بي أم\" أيضاً، أجراها استشاريون من الشركة ذاتها، ونشرت نتائجها قبل عام من هذه الدراسة، وأظهرت زيادة في الوفيات بسبب سرطان الدماغ وسرطان الجهاز العصبي المركزي.