د.مازن النجار \n\n خصصت دورية \"المجلة الأميركية للصحة والطب المداري\" في أول إصدارات هذا العام الجديد ملحقاً من 340 صفحة، لروّاد أبحاث الملاريا من علماء وأطباء وإخصائيي الصحة العامة من مختلف أنحاء العالم، ليقدموا حصيلة أفكارهم وجهودهم البحثية الجديدة حول مخاطر وباء الملاريا على النطاق العالمي، وكيف يتمكن المجتمع العالمي من أفضل مكافحة للمرض، جاء ذلك في بيان لخبراء الملاريا بمركز فوغرتي الدولي (FIC)، أحد المؤسسات البحثية التابعة لمعاهد الصحة القومية الأميركية.\nاتخذ ذلك الملحق البحثي عنوان \"تحديد وهزيمة العبء الهائل لوباء الملاريا: التقدم والآفاق\". يضم الملحق 42 مقالاً ودراسة قامت بها مجموعة متنوعة ومتميزة من الباحثين المساهمين، كعلماء الأوبئة والحشرات والأحياء الدقيقة والاقتصاد والاجتماع.\nيتعرض حوالي 500 مليون إنسان سنوياً للإصابة الحادة بمرض الملاريا، ويتوفي من جرّاء المرض أكثر من مليون شخصاً سنوياً وفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، التابعة لهيئة الأممالمتحدة. \nاستدامة السيطرة\nفي قارة أفريقيا، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن واحدة من بين كل خمس وفيات بين الأطفال هي بسبب الملاريا، وأن طفلاً يُتوفى كل 30 ثانية من جرّاء المرض. كذلك، تستقطب جهود مكافحة الملاريا نحو 40 بالمائة من موازنات الصحة العامة في بعض بلاد أفريقيا، ويتسبب الوباء بتراجع النمو الاقتصادي الناجم عن انخفاض إنتاجية قوة العمل وزيادة الفقر.\nيقول الدكتور روجر غلاس، مدير مركز فوغرتي الدولي بمعاهد الصحة القومية، التي قادت جهود إصدار ملحق الملاريا، أن مكافحة الملاريا والسيطرة عليها لن تكون ناجحة فعلاً إذا كنّا نعلن النصر عندما تنخفض معدلات الإصابة ويبدو لنا أن النجاح في متناول اليد.\nفاستدامة السيطرة على المرض تتطلب تدريب الفرق الطبية المحلية لمواصلة القيادة العلمية والإدارية لجهود الوقاية والعلاج، وإعداداً كافياً لأجل أن يتسنى لهم رصد وتناول (علاجي) أي اندلاع أو تفشٍ جديد للمرض.\nوسائل وأدوات المكافحة\nيقول الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية التابع أيضاً لمعاهد الصحة القومية، أن التقدم البحثي الاستثنائي المبرز في هذا الملحق البحثي القيم يعكس التزاماً متجدداً من جانب المجتمع الدولي لمواجهة الملاريا -مرضاً ووباء- بالحماسة والتمويل.\nويلفت الدكتور فاوتشي إلى أنه نتيجة للأبحاث الجديدة، لدينا الآن هذه المجموعة الجديدة من العقاقير الفاعلة في علاج مرض الملاريا، واستراتيجيات جديدة ومحسّنة لمكافحة ناقل المرض، ومسار متسع للقاحات مرشحّة واعدة. ومع كل ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل مما يتعين القيام به.\nيذكر أن هذا الملحق البحثي المدشن لآفاق جديدة متاح مجاناً للعلماء والباحثين وغيرهم من الأطراف ذات الاهتمام في مختلف أرجاء العالم. وهو يقدم بالتفصيل التطورات والاكتشافات العلمية المستجدة في نطاق فسيح من قضايا الملاريا.\nالاحترار يزيد انتشار الملاريا\nوكانت دراسة أميركية سابقة قد خلصت إلى أن زيادة محدودة أو ارتفاعاً طفيفاً في درجات حرارة الطقس يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في انتشار مرض حمى الملاريا في هضاب ومرتفعات شرق أفريقية.\nتنقض هذه الدراسة، التي أجراها باحثون بجامعة مشيغن، أبحاثاً أخرى سابقة زعمت أنه لم تكن هناك زيادة في درجات حرارة الطقس في المناطق المرتفعة التي حدث فيها ارتفاع في مستوى الإصابة بوباء الملاريا.\nوكان الافتراض الذائع تقليدياً لدى خبراء الأوبئة يقول بأن انتشار الملاريا يكون محدوداً في معظم الهضاب والمرتفعات، نظراً لاعتدال المناخ وانخفاض درجات الحرارة هناك. يحد هذا الانخفاض بدوره من وجود وتكاثر البعوض الناقل للمرض. لكن الباحثين يشيرون إلى أن الارتفاع العالمي في درجات الحرارة، والذي لم يعد موضع خلاف في الأوساط العلمية ذات الصلة، يمكن أن يقلب هذه الوضع.\nوكانت مجلة \"نيتشر\" البريطانية قد نشرت، منذ سنوات، بحثاً يظهر أن مستوى الإصابة بمرض الملاريا هو في حالة صعود في بلاد بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، رغم عدم ارتفاع درجات الحرارة في تلك البلاد.\nمحاكاة حاسوبية\nقام فريق بحث جامعة مشيغن بإضافة بيانات ومعطيات تغطي خمس سنوات أخرى من درجات الحرارة في تلك البلاد. لاحظ الباحثون أن درجات الحرارة هناك قد ارتفعت بمتوسط قدره نصف درجة مئوية منذ سبعينات القرن الماضي.\nوباستخدام نموذج محاكاة حاسوبية، يحاكي العلاقة بين درجات الحرارة ومستويات تكاثر البعوض، بناء على وتائر تلك العلاقة في الماضي، وجد الباحثون أن زيادة بنسبة 3 بالمئة في درجات الحرارة قد أدت نظريا إلى زيادة مشهودة في أعداد البعوض الناقل للمرض بالمرتفعات والهضاب بنسبة تتراوح بين 30 و100 بالمئة.\nيرى الباحثون في هذه النتائج دليلاً على أن مستوطنات البعوض تتأثر بأي ارتفاع في درجات الحرارة مهما كان محدوداً، بل ويتجاوز مستوى استجابتها من حيث الزيادة في التكاثر مستوى الارتفاع في درجات الحرارة.\nلذلك، في ضوء هذه النتائج، لا ينبغي بأي حال التهوين من شأن التغيرات الصغيرة في درجات الحرارة من جهة أثرها على انتشار حمى الملاريا وغيرها من أمراض وحميات المناطق المدارية.\nجدير بالذكر أنه بناء على نتائج هذه الدراسة المستخلصة من نموذج المحاكاة الحاسوبية، لم يخلص فريق بحث جامعة مشيغن إلى أن تغيرات المناخ، باتجاه درجات حرارة أعلى، هي العامل الوحيد أو الرئيس في اتساع انتشار الملاريا. لكن دورها لا يمكن استبعاده بزعم عدم وجود دليل على أن أقاليم المرتفعات والهضاب تشهد احترارا مناخيا.