\r\n وقد ظل ميلاد دولة اسرائيل عام 1948 طويلا مادة للاطراء الذاتي من قبل الجانب المنتصر وللشكوى والتألم من قبل الفلسطينيين. \r\n \r\n كانت حرب عام 1948 في نظر الاسرائيليين, معركة بقاء ضارية حسمت بنصر كاد ان يكون ضربا من المعجزة. اما في العالم العربي, فان سيرة الحرب تميل الى ترجيح نظريات المؤامرة وتحاول اعفاء العرب من مسؤولية الهزيمة. وفي كلتا الحالتين, كانت كتابة التاريخ جزءا من مسعى قومي غير ممحص لنيل الشرعية. \r\n \r\n انطلاقا من رفضهم الاقرار بان الحلم اليهودي النبيل باقامة الدولة قد تلطخ بالخطايا التي رافقت ميلاد اسرائيل, وحرصهم على انكار مركزية المشكلة الفلسطينية في نزاع الشرق الاوسط, فضل الاسرائيليون التركيز على كفاحهم من اجل الاستقلال ضد ما يفترض ان يكون جيوشا عربية متفوقة وغازية. لكن الحرب بين السكان الفلسطينيين الاصليين والجالية اليهودية المنظمة في فلسطين \"اليشوف\" كانت المرحلة الاكثر ضراوة في النزاع. في تلك المرحلة الممتدة ما بين 30 تشرين الثاني 1947 و15 ايار 1948 كان مصير دولة اسرائيل الوليدة معلقا بخيط رفيع. الا ان الافكار السائدة التي زرعت منذ ذلك الحين تكبح ذكرى ذلك القتال وتركز بدلا عنه على الوقفة البطولية لليشوف ضد الجيوش العربية الغازية خلال المرحلة الثانية من الحرب الممتدة ما بين 15 ايار 1948 وحتى ربيع عام 1949 وعندما انتهت الحرب اختفت المشكلة الفلسطينية من الجدل الاسرائيلي العام او انها حولت, لمصلحة الاسرائيليين, الى قضية \"لاجئين\" او \"متسللين\" وبدا كما ان ليس هناك نزاع اسرائيلي- فلسطيني او شعب فلسطيني, او كما قالت غولدا مائير, رئيسة وزراء اسرائيل, عام 1969 \"انهم غير موجودين\". \r\n \r\n المراجعة الطويلة \r\n \r\n خلال ثمانينيات القرن الماضي, بدأت جماعة عرفت باسم \"المؤرخون الجدد\" بتحدي الاسطورة الصهيونية, التي تكتنف ميلاد اسرائيل. استخرج هؤلاء المؤرخون ومن بينهم سمحا فلابان, وايلان بابيه, وآفي شلايم, وثائق تتحدى الرؤية التقليدية للحرب بصفتها صداما بين داوود اليهودي وجالوت العربي. \r\n \r\n لكن بني موريس هو المؤرخ الذي تصدى للقضية الاكثر حساسية وهي قضية اللاجئين. ويظل كتابه \"ميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 47-1949\" المنشور عام 1987 الكتاب المهم الاوحد عن هذه القضية الشائكة معنويا وسياسيا التي تقف وراء النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني المستمر. يروي الكتاب حكاية طرد 700 الف عربي بالقوة على ايدي الجنود اليهود الذين كانوا يحتلون المدن والقرى على امتداد فلسطين. وقد دفع موريس ثمنا شخصيا باهظا نظير قيامه بطرح حكاية جديدة عن ميلاد اسرائيل رواها بشجاعة وكفاءة. فقد ادين, بعد نشر الكتاب, بمعاداة الصهيونية وحرم من العمل في اي قسم من اقسام التاريخ في جميع البلاد. ولم يتمكن من الحصول على عمل في جامعة بن غوريون في النقب الا بعد ان استدعاه عيزر وايزمان, رئيس الدولة في حينه, الى مكتبه وطلب منه تأكيد ايمانه بحق اسرائيل في البقاء. \r\n \r\n وقد ميز موريس نفسه, اكثر من اي من دعاة المراجعة الآخرين, برسم خط بين آرائه كمؤرخ وآرائه كمواطن, وبين تفسيره الرائد للماضي وآرائه المثيرة للجدل حول الحاضر. كان موريس واحدا من دعاة السلام وكان له سجل نظيف (دخل السجن لرفضه الخدمة ضمن قوات الاحتياط في الجيش الاسرائيلي في الاراضي المحتلة خلال الانتفاضة الاولى عام 1987) لكنه انحرف بالتدريج, شأنه شأن غالبية الاسرائيليين, باتجاه موقف شديد الانتقاد للفلسطينيين. وقد انحى باللوم على الزعماء الفلسطينيين عن انهيار عملية اوسلو للسلام وعن انتفاضة الاقصى التي اندلعت في ايلول .2000 \r\n \r\n في كانون الثاني ,2004 ابدى موريس اسفه لعدم قيام مهندسي الحرب الاسرائيلية عام 1948 بتطهير الدولة اليهودية من سكانها العرب. حيث قال موريس لمراسل صحيفة هاآرتس آري شافيت: \"لو ان بن غوريون (رئيس وزراء اسرائيل الاول) قد نفذ عملية طرد كبرى ونظف كامل البلاد, كل ارض اسرائيل حتى نهر الاردن.. لكان قد وطد دولة اسرائيل على مدى اجيال. \r\n \r\n فاذا ظهر ان نهاية القصة ستكون محزنة لليهود, فما ذلك الا لان بن غوريون لم يكمل (الترانسفير) في عام 1948 وقد صدمت تصريحاته الكثير من معجبيه السابقين وزملائه من الباحثين الداعين الى المراجعة, ولكن اذا كان منتقدوه اليساريون يعتبرونه مواطنا مثيرا للجدل في الحاضر, فانه يظل دارسا امينا ومحترفا للماضي. \r\n \r\n اعادة كتابة الميلاد \r\n \r\n من المرجح ان يصبح كتاب موريس الجديد \"1948\" افضل دراسة للحرب العربية- الاسرائيلية الاولى. فهو دقيق بشأن جميع وجوه النزاع سواء منها الاستراتيجية العسكرية, وانتهاكات حقوق الانسان, ومشكلة اللاجئين, والدبلوماسية, والدعاية. وهو استثنائي في شموليته واستنفاده جميع تفاصيل الموضوع. \r\n \r\n لا توفر دقة موريس الاكاديمية ايا من الاساطير الاسرائيلية المتعلقة باقامة الدولة خصوصا تلك المتعلقة بفكرة اسرائيل عن \"نقاوة السلاح\" (وهي احدى عناصر ميثاق الشرف التابع لقوات الدفاع الاسرائيلية التي تنص على عدم استخدام القوة الا في حالة تنفيذ المهمات العسكرية) وهي الفكرة التي تعتمدها اسرائيل في الاقتناع بكونها متفوقة اخلاقيا على اعدائها. ويدعم موريس حجته باعداد كبيرة من المصادر الاولية ويضع اكتشافاته في موقعها الصحيح. لقد وقعت الفظائع وعمليات الاجلاء التي عانى منها السكان العرب في خضم المعارك احيانا, وبينما كانت قوات اليشوف تسعى الى تأمين الطرق التي تربط ما بين المستوطنات في احيان اخرى, وغالبا ما تكون استجابة لاوامر صريحة يصدرها الجنرالات في المعركة. ويظهر موريس ان المجازر التي ارتكبها الصهاينة تفوق تلك التي ارتكبها العرب, وانهم قد قتلوا عن عمد اعدادا اكبر من المدنيين واسرى الحرب, وارتكبوا عددا اكبر من حالات الاغتصاب. \r\n \r\n ويبرئ موريس, بالتفاصيل الدقيقة, الجانب العربي من حالات نسبت اليه وسميت بالمجازر مثل تدمير قافلة تحمل اطباء وممرضات في جبل سكوبوس في نيسان 1948 ويقول ان الحادثة كانت معركة قتالية. \r\n