\r\n وللأسف, هذا محض هراء تحليلي, فأسر حزب الله لجنديين اسرائيليين في 12 تموز, كان نتيجة لعدوان اسرائيل الصامت, ولكنه عدوان صارم لا يلين, على لبنان, وهو بدوره جزء من الصراع العربي- الاسرائيلي المستمر منذ ستة عقود. \r\n \r\n فمنذ سحب اسرائيل لقوات احتلالها من الجنوب اللبناني, في ايار ,2000 وهي تنتهك وفقا لتقارير الاممالمتحدة- »الخط الازرق« الواقع تحت رقابة المنظمة الدولية, اما النظرية العسكرية لحزب الله, التي تم التشديد عليها اوائل التسعينات, فتقضي بقذف اسرائيل بصواريخ الكاتيوشا فقط في الرد على هجمات اسرائيل على المدنيين اللبنانيين او قيادة حزب الله, وكان هذا هو النمط المتبع في واقع الحال. \r\n \r\n وفي سياق الانتهاكات, دبت اسرائيل الرعب في نفوس السكان, ودمرت الممتلكات الخاصة, وقتلت عددا لا يحصى من المدنيين, ففي شباط المنصرم, على سبيل المثال, قتل راع لبناني, في الخامسة عشرة من عمره, كان يكلأ قطيعه في جنوب لبنان, على ايدي نيران اطلقت عبر الحدود الاسرائيلية دون استفزاز. واغتالت اسرائيل شخصيات من اعدائها في شوارع المدن اللبنانية, كما تواصل احتلال مزارع شبعا اللبنانية, بينما ترفض تسليم خرائط الالغام الارضية المزروعة, التي ما تزال تقتل وتشوه وتُقْعد مدنيين في الجنوب اللبناني, منذ اكثر من ست سنوات, بعد انتهاء الحرب, كما هو مفترض. فما هو السلام الذي حطمه حزب الله? \r\n \r\n لقد جرى اسر حزب الله لجنديين اسرائيليين في سياق هذا الصراع القائم, والمتبلور اساسا من الوقائع الراهنة في المناطق الفلسطينية. وما يغيظ اسرائيل وحلفاءها, ان حزب الله- وهو الحركة السياسية الاكثر شعبية في الشرق الاوسط- يقف بعزيمة وثبات الى جانب الفلسطينيين. \r\n \r\n \r\n ومنذ 25 حزيران, عندما اسر المقاتلون الفلسطينيون جنديا اسرائيليا, وطالبوا بتبادل الاسرى, قتلت اسرائيل اكثر من 140 فلسطينيا. ومثل الوضع في لبنان, فصل الاحتدام في فلسطين عن سياقه الاوسع, وقيل انه »مفبرك« من اعداء اسرائيل. وجرى تقديم عرض اكثر هراء كي يتم صرف الانتباه عن الواقع الذي لا يمكن التفكير فيه, وهو ان الطريقة التي انشئت بها اسرائيل, والمعطيات الايديولوجية التي ثبتتها على ما يقرب من 60 عاما, هي اساس النزاع العربي- الاسرائيلي. \r\n \r\n وعندما رفض العرب, في حينه, حق الاممالمتحدة في التخلي عن ارضهم, واجبارهم على دفع ثمن المذابح والمجازر الاوروبية والهولوكوست, لم يكن ممكنا اقامة اسرائيل في عام 1948 الا بالتطهير العرقي والضم. تلكم هي حقيقة تاريخية, وقد وثقها المؤرخون الاسرائيليون, مثل بيني موريس. ومع هذا, تواصل اسرائيل الاقتناع بان لا علاقة لها بالهجرة الفلسطينية, وبالتالي ليس لديها اي التزام اخلاقي لمعالجة هذه القضية. \r\n \r\n ومنذ ستة عقود, واللاجئون الفلسطينيون محرومون من حق العودة لديارهم, لانهم من الجنس الخاطئ. »فاسرائيل يجب ان تظل دولة يهودية«, هذا هو الهوس المقدس تقريبا لدى طول الطيف السياسي وعرضه في الغرب. وهذا يعني, من الناحية العملية, منح اسرائيل حق الانحصار العرقي على حساب اللاجئين وذرياتهم, الذين قاربوا على الخمسة ملايين نسمة الان. \r\n \r\n اليس مفهوما الان ان الانشغال العرقي لاسرائيل يلحق ضررا عميقا, ليس بالفلسطينيين وحدهم وحسب, بل وباخوانهم العرب ايضا? ومع هذا, وبدلا من مطالبة اسرائيل بالاعتراف باخطائها الاساسية, كخطوة اولى نحو المساواة والتعايش, فان العالم الغربي يصر بابتهاج بان على الجميع الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود على حساب الفلسطينيين. \r\n \r\n على انه يبدو على الحديث الغربي عجزه عن تبني شأن جاد- كنقيض للشأن الشكلي التجميلي- بالنسبة للحقوق والحريات الفلسطينية. ذلك ان الفلسطينيين هم الهنود الذين يرفضون العيش في محميات, والسود الذين يرفضون الجلوس في المقاعد الخلفية في الحافلات. \r\n \r\n فبأي حق اخلاقي يخاطبون بان يكونوا واقعيين ويتغلبوا على ذواتهم? ان في هذا تشاحن كبير في احقاق الاخطاء التي ارتكبت بحقهم, وبأن المقاعد الامامية في الحافلة ينبغي ان تظل نقية عرقيا. وعندما يرفض هؤلاء الاعتراف بالذي يحتلهم, ويقبلون بان يكونوا من العرق الادنى; وعندما يؤدي بهم اليأس والاحباط الى الاتجاه نحو العنف, وعندما يهب الجيران والحلفاء الى مساعدتهم- بعضهم لاغراض سياسية واخرون من منطلقات مثالية- فاننا نستغرب من انهم جميعا متعصبون ومتطرفون. \r\n \r\n ان العقبة الاساسية لفهم الصراع العربي- الاسرائيلي, تتمثل في اننا تخلينا عن طرح السؤال عن ما هو صح وما هو خطأ, بدلا من السؤال عن ما هو »عملي, و»واقعي«. \r\n \r\n ومع هذا فان الواقع يبين ان اسرائيل دولة عنصرية الى ابعد الحدود, ويستند وجودها الى ما يبدو تواليا لا نهاية له من الاجراءات العقابية والاغتيالات والحروب ضد ضحاياها وحلفائهم. \r\n \r\n اما الفهم الواقعي للصراع , فهو, بالتالي, ذلك الذي يعترف بان صلب هذا الصراع لا يكمن في هذه الحادثة او تلك السياسة, بل في الرفض والتعنت الاسرائيلي حيال الاعتراف بانسانية ضحاياه الفلسطينيين. فلا حزب الله ولا حماس مدفوعان بالرغبة »في القضاء على اليهود« كما يزعم في الغالب, بل بالشعور العميق بالظلم الذي لن يسمحوا بنسيانه. \r\n \r\n وسيظل هذان التنظيمان يتمتعان بالشعبية المشروعة, لانهما يلبيان حاجة كل واحد يقف مدافعا عن الحقوق العربية. ولا تقوى اسرائيل على تحطيم هذه الحاجة بقصفها للشبكات الكهربائية او راجمات الصواريخ. فان كانت اسرائيل تملك, مثل حليفتها السياسية السابقة جنوب افريقيا, القدرة على التوافق مع مبادئ الديمقراطية, وحقوق الانسان, والقبول بالتعايش المتساوي متعدد الاجناس ضمن دولة واحدة لليهود والعرب, فان اساس السخط والمقاومة سيمّحي. وان لم تستطع اسرائيل ان تماثل ذاتها مع كل هذا, فستواصل كينونتها دوامة عنف في المنطقة. \r\n