صفقة جديدة من أجل المزارعين الفقراء

والآن اضطر مئات الملايين من الفقراء، الذين ينفقون حصة ضخمة من ميزانيتهم اليومية علي الغذاء بالفعل، إلي بلوغ حافة اليأس، وأصبحت أعمال الشغب في تصاعد مستمر.
\r\n
بيد أن العديد من البلدان الفقيرة تستطيع زرع المزيد من المحاصيل الغذائية، حيث تقل إنتاجية المزارعين كثيراً عن المعدلات الممكنة تقنياً. وقد تتمكن هذه البلدان في بعض الحالات، وفي ظل التخطيط الحكومي اللائق، من مضاعفة إنتاجها من الغذاء إلي ثلاثة أمثاله في غضون بضع سنوات.
\r\n
والفكرة بسيطة ومعروفة للجميع. إذ تستخدم الزراعة التقليدية مدخلات بسيطة فتجني بذلك محاصيل فقيرة. ويستخدم الفلاحون الفقراء بذوراً من الموسم السابق، ولا يستطيعون تحمل تكاليف الأسمدة الكافية، ويعتمدون علي مياه الأمطار بدلاً من الري، ولا يملكون أي معدات زراعية آلية غير المعزقة التقليدية. وربما لا تتجاوز مساحة مزارعهم هكتاراً واحداً (2.5 فدان) أو أقل.
\r\n
في ظل الظروف الزراعية التقليدية قد تتدني إنتاجية محاصيل الحبوب الأرز، والقمح، والذرة، والذرة البيضاء، وحبة الدخن - إلي حوالي الطن الواحد عن الهكتار، طيلة موسم زراعي واحد سنوياً. وبالنسبة لأسرة مزارعة مؤلفة من خمسة إلي ستة أفراد تعيش علي هكتار واحد من الأرض فإن هذا يعني الفقر المدقع، أما بالنسبة للبلدان التي تعيش علي أرضها هذه الأسرة فإن هذا يعني الاعتماد علي واردات الغذاء باهظة التكاليف، والمعونات الغذائية.
\r\n
إن الحل يكمن في زيادة إنتاجية محاصيل الحبوب إلي طنين عن الهكتار علي الأقل وفي بعض الأماكن إلي ثلاثة أطنان أو أكثر. وإذا ما تمكن المزارعون من تدبير المياه عن طريق شبكات الري فقد يكون بوسعهم زراعة أكثر من محصول واحد في العام، واستغلال موسم الجفاف في زراعة محاصيل بديلة. وارتفاع الحصيلة الإنتاجية وتكرار الحصاد يعني انخفاض معدلات الفقر بين أسر المزارعين، وانخفاض أسعار الغذاء بالنسبة للمدن.
\r\n
إن الوسيلة الأساسية لزيادة الحصيلة الزراعية تتلخص في ضمان حصول الفلاحين الفقراء علي البذور المحسَّنة (وهي عادة بذور مهجنة من مجموعة مختارة علمياً من البذور)، والأسمدة الكيماوية، والمواد العضوية اللازمة لتكميل خصوبة التربة، واستخدام وسائل الري ذات النطاق المحدود كلما أمكن - علي سبيل المثال استخدام المضخات لرفع المياه من بئر قريب. والحقيقة أن توفير هذه التركيبة المؤلفة من البذور ذات الإنتاجية العالية والمخصبات والري علي نطاق محدود لا يتطلب بذل جهود جبارة. فهي تُعَد الوسيلة الأساسية لزيادة إنتاج المحاصيل الغذائية علي مستوي العالم منذ ستينيات القرن العشرين.
\r\n
المشكلة هنا أن هذه المدخلات المحسَّنة تجاهلت أفقر المزارعين وأفقر البلدان. فالمزارعون يعجزون عن الاقتراض من البنوك لشراء البذور والمخصبات ووسائل الري، نظراً لعدم قدرتهم علي افتتاح حسابات في البنوك أو توفير الضمانات الإضافية. ونتيجة لهذا فإنهم يزرعون المحاصيل الغذائية بالطرق التقليدية، وكثيراً ما يكسبون أقل القليل أو لا شيء علي الإطلاق من حصادهم، وذلك لأنه لا يكفي حتي لسد رمق أفراد أسرهم.
\r\n
لقد أثبت لنا التاريخ أن الأمر يتطلب تدخل الحكومات لمساعدة أفقر المزارعين في الإفلات من قبضة الفقر نتيجة لانخفاض إنتاجية محاصيلهم. وإذا ما تمكن المزارعون من الحصول علي المساعدة اللازمة لتأمين التقنيات البسيطة، فقد ترتفع دخولهم، وقد يصبح بوسعهم افتتاح حسابات شخصية في البنوك وتوفير الضمانات الإضافية. وقد يتمكن المزارعون من جمع ما يكفي من الثروة للحصول علي المدخلات اللازمة لتمكينهم من المنافسة في السوق، إما عن طريق الشراء المباشر من المدخرات أو عن طريق الاقتراض من البنوك.
\r\n
ذات يوم كانت البنوك الزراعية، التي تديرها الحكومات في مختلف أنحاء العالم، لا تكتفي بتمويل المدخلات، بل كانت تسعي أيضاً إلي توفير الإرشاد الزراعي والتقنيات الجديدة الخاصة بالبذور. بطبيعة الحال، اشتمل الأمر علي العديد من الانتهاكات والمخالفات، مثل تخصيص الأرصدة العامة للمزارعين الأثرياء بدلاً من المحتاجين، أو الاستمرار في تقديم دعم المدخلات حتي بعد أن تتحسن أحوال المزارعين إلي حد القدرة علي الادخار. ونتيجة لذلك فقد أفلس عدد كبير من البنوك الزراعية الحكومية. ومع ذلك فقد لعب تمويل المدخلات الزراعية دوراً ضخماً وإيجابياً في مساعدة أفقر المزارعين في الإفلات من قبضة الفقر والاعتماد علي المعونات الغذائية.
\r\n
أثناء أزمات الديون التي استمرت طيلة ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أرغم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عشرات الدول الفقيرة المستوردة للغذاء علي إغلاق هذه المؤسسات التابعة للدولة. فتُرِك المزارعون لتدبير أمورهم بأنفسهم، وقيل لهم إن قوي السوق سوف تتولي مسألة المدخلات. وبالطبع كان ذلك خطأً فادحاً: حيث أن قوي السوق تلك لم يكن لها وجود.
\r\n
ونتيجة لذلك، خسر المزارعون الفقراء القدرة علي الوصول إلي المخصبات والبذور المحسَّنة. ولم يكن بوسعهم الحصول علي التمويل اللازم من البنوك. ومن الجدير بالذكر أن البنك الدولي أدرك هذا الخطأ في إطار التقييم الداخلي الذي أجراه في العام الماضي لسياساته الزراعية.
\r\n
\r\n
لقد حان الوقت لإعادة تأسيس أنظمة التمويل العامة القادرة علي تمكين صغار المزارعين في البلدان الفقيرة، وبصورة خاصة أولئك الذين يزرعون علي هكتارين أو أقل، من الحصول علي المدخلات اللازمة من البذور ذات الإنتاجية العالية، والمخصبات، والري محدود النطاق. ولقد تبنت ملاوي هذا النظام طيلة المواسم الثلاثة الماضية، فنجحت نتيجة لذلك في مضاعفة إنتاجيتها من المحاصيل الغذائية. ويتعين علي غيرها من البلدان ذات الدخول المنخفضة أن تحذو حذوها.
\r\n
من المهم هنا أن نذكر أن البنك الدولي، تحت زعامة رئيسه الجديد روبرت زوليك، بدأ الآن في المساعدة في تمويل هذا التوجه الجديد. وإذا ما قدم البنك منحاً للبلدان الفقيرة لمساعدة صغار المزارعين علي الوصول إلي المدخلات المحسَّنة، فلسوف يصبح بوسع هذه البلدان أن تزيد من إنتاجية محاصيلها الغذائية في غضون وقت قصير.
\r\n
يتعين علي الحكومات المانحة، بما في ذلك الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط، أن تساعد في تمويل الجهود الجديدة التي تبناها البنك الدولي. ويتعين علي المجتمع الدولي أن يضع نصب عينيه هدفاً عملياً يتلخص في مضاعفة إنتاجية محاصيل الحبوب في البلدان ذات الدخول المنخفضة في أفريقيا والمناطق المماثلة (مثل هاييتي) في غضون السنوات الخمس القادمة. وتحقيق هذه الغاية أمر ممكن إذا ما حرص البنك الدولي، والحكومات المانحة، والدول الفقيرة علي تركيز الانتباه علي الاحتياجات الملحة لأفقر مزارعي العالم.
\r\n
\r\n
جيفري ساش أستاذ علوم الاقتصاد ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا.
\r\n
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.
\r\n