يرجع معظم المؤرخين أسباب نشوب الثورات إلى ارتفاع أسعار الغذاء والواقع أن الثورات الثلاث التى شكلت العالم المعاصر، فى فرنسا وروسيا والصين، كانت الأسباب الرئيسية التى أدت إلى اندلاعها جميعا راجعة إلى نقص الغذاء، والخوف من الجوع، والنزاعات حول تسعير المواد الغذائية فأسعار الغذاء تعكس خطورة الموقف الحالى وليس الانتخابات ولا محاولات إرساء الديمقراطية، لأن أسعارها تجاوزت حدود المعقول خاصة أن قضية الغذاء لا يعالجها المجتمع الدولى على النحو الصحيح" وهى مرشحة للارتفاع بفعل التغيرات المناخية وما يصاحبها من قيود على العرض، تراجع نسب التخزين مقابل الاستهلاك فى البلدان المصدرة الرئيسية، وانعدام الشفافية فى الأسواق، تقلبات أسعار الصرف، ارتفاع أسعار المدخلات، المضاربة، وأمولة أسواق السلع الأساسية، والخيارات السياسية غير الصائبة مثل قيود التصدير والشراء بدافع الهلع والنقص المتكرر فى الاستثمارات، إلى جانب قوة الطلب وخاصة من الاقتصادات الناشئة، بالإضافة إلى المعونات التى حصلنا عليها طوال العقود الماضية تتحمل أيضا جزءا من مسئولية الاعتماد على استيراد المواد الغذائية. والذين يتحدثون عن الإصلاح والديمقراطية، عليهم أن يعترفوا بالتوجهات الفكرية للناس والبواعث التى تحكم سلوكياتهم وبدون بناء الدعم الشعبى وتوفير آليات التنفيذ الملائمة فإن تغيير القوانين لا يشكل عنصرا فعالا فى حد ذاته وهناك لحظة فارقة فى تاريخ الأمم والشعوب، تعتبر خطا فاصلا بين عهدين مختلفين، فثورة 25 يناير نقطة تحول تاريخية، والفرصة سانحة أمامنا لتسجيل قفزة اقتصادية نحو الأمام، فنحن أمام مرحلة جديدة تتطلب منا تكاتف جميع الجهود على هدف واحد" ويستطيع المصريون أن يقدموا مساهمات اقتصادية وتنموية وثقافية هامة من خلال المساهمة بدور فعال فى تنمية مصر، وخاصة التنمية الزراعية. فمن الحقائق المهمة التى يجب ألا ننساها فى زحمة التغيرات السريعة والتحولات المصاحبة هى أن الاقتصاد الزراعى كان بلا شك الأساس المتين لقوة مصر التاريخية وكون مصر بلدا زراعيا ومجتمعا زراعيا فى الماضى كان نقطة قوة وتفوق" وأثبتت السنوات القليلة الماضية صحة تلك المقولة وآن الأوان أن نعيد ترتيب أولوياتنا الاقتصادية بحيث نعطى الأولوية للأمن الغذائى والتحديات البارزة التى نواجهها الآن تكمن فى الإنتاجية الزراعية والكفاءة فى استخدام الموارد الإنتاجية، وأن التقلبات فى الأسواق المالية العالمية تحولت إلى تقلبات فى أسواق المعاملات العينية للسلع الزراعية الأساسية" والخبراء يدركون أن التقلبات فى أسواق السلع الغذائية وحدها هى التطور الجديد، وخاصة بعد إحلال مبدأ التحكم فى السلع الزراعية محل مكافحة الإرهاب، وتحول معظم المستثمرين والمضاربين بعد الأزمة المالية إلى إفريقيا وتأجير مساحات شاسعة لاستغلالها فى زراعة المحاصيل الرئيسية والمضاربة عليها بالإضافة إلى ارتفاع مخاطر المتغيرات الناجمة عن تقلبات الطقس وانتشار الآفات فالنقص فى هطول الأمطار، وهطول الأمطار فى غير موسمها، والأعاصير الحلزونية، والعواصف المصحوبة بالبَرَد، وارتفاع درجات الحرارة لمدد طويلة، وانتشار الآفات، هى جمعيها أمور تضر بالمحاصيل وتؤثر على جميع المزارعين فى المنطقة المتضررة ومن ثم هناك حاجة إلى نهج جديد يتمثل فى استخدام التأمين ضد المخاطر الناجمة عن تقلبات الطقس من أجل التخلص من مخاطر تلف المحصول ويجرى العمل حاليا على تجريب هذا النهج، وهناك طلب قوى على هذا النوع من التأمين، ومن الأمثلة على ذلك أن مؤسسة Basix، وهى مؤسسة من مؤسسات التمويل البالغ الصغر الهندية، قد استخدمت منتجات التأمين ضد مخاطر تقلبات الطقس سواء لأغراض تقديم القروض الفردية أو لدرء المخاطر المتصلة بجزء من حافظة قروضها، وهى تشهد إمكانات طلب قوى من زبائنها على مثل هذه التغطية التأمينية ومن ثم يتعين علينا أن نركز على تشجيع تنمية الزراعة المحلية" فهى الوسيلة الوحيدة لتحقيق قدر أعظم من الأمن الغذائى والحد من الفقر وهذا من شأنه أيضا أن يضمن تحويل ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية اليوم إلى فرصة للمزارعين الفقراء. والغريب فى قضية الزراعة المصرية أنها فى ظل الاشتراكية كانت الزراعة تدار بأسلوب اقتصاديات السوق، وفى ظل اقتصاديات السوق انغلقت الزراعة المصرية على نفسها، واستبدلنا الإقطاع الأرضى بالإقطاع المالى الذى يعتبره البعض غير منتج" وأصبحت الدولة تخدم على هؤلاء بشق الطرق الرئيسية فى أجود الأراضى تمهيدا لبيعها ورأينا التحول الكبير من الثروة إلى السلطة" والمشكلة الرئيسية التى تواجه التنمية الزراعية والتنمية بوجه عام تكمن فى قضية التمويل ومشاكل التعرض لمخاطر تقلب الأسعار التى تظهر فى عدم معرفة ما إذا كانت المحاصيل المنتجة ستجد مشترين لها وبصفة خاصة، يمكن لمشاكل النوعية أن تفضى إلى اختفاء فرص التسويق المتوقعة، مما يجعل المنتج غير قادر على البيع، أو مضطرا للبيع بأسعار مخفضة جدا، الأمر الذى يفضى بدوره إلى زيادة احتمال التخلف عن سداد القروض وعلى ضوء هذا الواقع المصرى تبلورت الحاجة إلى نوع متميز من البنوك بحيث تغطى احتياجات الأفراد كما تسد الثغرات التى تنشأ خلال تنفيذ الخطة العامة للدولة فى نطاق المحليات مع ضرورة أن تضطلع هذه البنوك بعدة وظائف أهمها: تغيير سلوك الأفراد وكسب ثقة المواطنين ونشر الوعى وتعبئة المدخرات الصغيرة والكبيرة والعمل على تهيئة مناخ استثمارى سليم ذلك لان الحكومة وحدها لا تستطيع أن تتحمل عبء حل المشاكل الرهيبة المتراكمة ومن ثم كان المخصب الوحيد لذلك هو المشاركة الشعبية للتخفيف من ذلك العبء الذى يقع على عاتق الحكومة. وبنوك التنمية الوطنية بذلك هى الجناح الرئيسى للمشاركة الشعبية ذلك لأن الديمقراطية من وجهة نظر التنمية الشعبية تعنى إشراك المواطنين فى مسئوليات التفكير والعمل حيث يمارس المواطن عادات تصبح جزءا من ثقافته وسلوكه فضلا عن العائد الاقتصادى ومن ثم يجب إعادة النظر فى بنوكنا وخاصة البنوك المتخصصة بإعادة هيكلتها أو إزاحتها إلى التقاعد، حيث إنها لم تؤد وظيفتها الاقتصادية ولا الاجتماعية فى المجتمع المحلى، إذ من الملاحظ أن الوظيفة الفعلية لهذه البنوك أضحت مقصورة على مباشرة النشاط المصرح به للبنوك التجارية وبنوك الاستثمار فى الوقت الذى حادت فيه عن الطريق الموصل إلى الهدف الرئيسى للتنمية الشعبية، وبعبارة أخرى يمكن القول بدرجة كبيرة من الثقة أن بنك التنمية والائتمان الزراعى فقد وظيفته الجوهرية ويمكن استخدام معايير عدة لتقييم أداء البنك وهل هذا الأداء حقق الوظائف والغايات المعقودة عليه أم لا ؟ . لقد خرج نظام البنك عن غاياته المنشودة وضل عن طريق التنمية الزراعية" فالتصور المستقبلى لبنك التنمية الزراعية، يتمثل فى العودة إلى جوهر وظائفه الأولى وغاياته الأساسية التى انحرف عنها والتى تنحصر فى التنمية الزراعية وحل مشاكل المزارعين" فالعودة إلى هذه الغاية تضع البنك فى موقعه الصحيح وتعيد إليه قسمات وجهه التى تميزه عن غيره من البنوك التجارية" وغالبا ما تكون البنية التحتية القائمة فى المناطق الريفية ضعيفة، مما يفضى إلى ارتفاع تكاليف المعاملات وتزايد المخاطر التى يواجهها المنتجون والممولون على السواء" ومن أجل الحد من هذه المخاطر، يمكن للمصارف أن تنظر فى تمويل البنية التحتية ذات الصلة، مثل شبكات الرى، كما يمكنها أن تنظم مخططات يقوم فى إطارها المستثمرون بتمويل مشاريع بنى تحتية جديدة" وقد يواجه الممولون مخاطر أكبر عندما لا تكون عمليات الإنتاج أو التجهيز الزراعى مربحة بما فيه الكفاية، وبإمكان الممولين أن يحدوا من المخاطر التى يواجهونها هم أنفسهم من خلال مساعدة هذا القطاع على زيادة ربحيته" فيحسن بهم أن يعتمدوا نهج "المرابحة". أى أن يعملوا على أساس سعر الكلفة مضافا إليها هامش ربح فعندئذ تتألف تكاليف المقترضين التشغيلية من كلفة رأس المال المقدم من الممول بالإضافة إلى ربح ، ومخصص للقروض العديمة الأداء، وكلفة المعاملات التى يتطلبها وصول الممول إلى المقترض وخدمة القرض ويمكن للممولين، من خلال الأخذ بهذا النهج أن يخفضوا معدل التخلف عن الدفع تخفيضا هائلا فمن خلال ضمان توفير البذور والخدمات الإرشادية المناسبة، على سبيل المثال، يمكن للممولين الحد من خطر فقدان المحصول كما يمكنهم خفض تكاليف المعاملات من خلال القيام مثلا باستخدام مخططات الإقراض الجماعية، أو عن طريق هيكلة عملية سداد القروض بالتركيز على المدفوعات التى سيسددها مشترو السلع الأساسية وقد يكون من الممكن أيضا، فى إطار سلسلة الإمداد، أن يتقاسم البنك بعض المخاطر مع الجهات الفاعلة الأقوى فى تلك السلسلة إذ يمكن للمشترين، مثلا، أن يوفروا الخدمات التقنية للمزارعين وأن يخاطروا بأن تكون نوعية منتجات المزارعين أدنى من المستوى المتوقع ومن منظور التسويق، تؤدى هذه الممارسة أيضا إلى تحسين إمكانية تتبع المنتج الأصلى، وهو ما يطلبه الزبائن بشكل متزايد ويتزايد إدماج المزارعين والمجهزين والتجار فى سلاسل الإمداد الوطنية أو العالمية " فالمزارعون، مثلا، يزرعون المحاصيل فى إطار مخططات تعاقدية، أو لأغراض بيعها بموجب عقد بيع مبرم مع متجر من المتاجر الكبرى . تؤدى المتاجر الكبرى بالفعل دورا مهيمنا فى مجال التسويق الزراعى فى عدة بلدان نامية. وإذا كانت سلسلة الإمداد هذه قائمة، يمكن للممولين أن يستخدموها استخداما مربحا كأداة لتدعيم آلياتهم التمويلية من خلال منح ائتمانات للمزارعين والمجهزين وموردى الخدمات بل وحتى مقدمى خدمات الهياكل الأساسية، لا على أساس مخاطرهم الائتمانية الفردية بل على أساس موقعهم فى سلسلة الإمداد وهذا يمكن أن يحسّن إلى حد كبير القدرة التنافسية لهذا القطاع، ذلك لأن هذه الخدمات اللوجستية والأنشطة ذات القيمة المضافة كثيرا ما تسهم فى زيادة القيمة التصديرية للمنتَج مساهمة تفوق ما تسهم به تكاليف المنتِج ومن الخرافات التى من المؤسف أن الكثير من البنوك لا تزال تؤمن بها أن المصدرين المباشرين هم وحدهم الذين يمكن أن يحصلوا على تمويل من السوق الدولية ونهج سلسلة الإمداد هذا هو فى الواقع أسلم السبل لتوفير التمويل السابق للحصاد فبعد الحصاد، يمكن لنظم تمويل إيصالات التخزين وإدارة ضمانات القروض أن تقدم حلولا. وهو يسمح للممولين بتجميع الطلب على الائتمانات واستعادة قروضهم من خلال التعامل مع مشتر واحد أو بضعة مشترين لا من خلال عدد كبير من صغار المزارعين. والحوافز التى يتشجع المزارعون على الاقتراض والسداد فى إطار ترتيبات الإمداد الخاصة بهم هى حوافز قوية، أما المخاطر التى يواجهها الممولون فتقتصر أساسا على المخاطر المتصلة بالمحصول أى المخاطر المتمثلة فى عدم إنتاج المزارع إنتاجا كافيا، أو عدم إنتاجها للمنتجات بالجودة المطلوبة press_ik@ yahoo.com