ولعل جولة \"كارتر\" الحالية، التي التقى خلالها يوم الجمعة الماضي بخالد مشعل المقيم في العاصمة السورية دمشق، تعد مقدمة لسلسلة من المبادرات الشبيهة، التي تتمسك بأي قشة ممكنة لإنقاذ عملية سلام الشرق الأوسط من الغرق الذي بات يهددها. \r\n \r\n ويمكن القول إجمالاً إن دعاة التعامل مع حركة \"حماس\" ينقسمون إلى معسكرين رئيسيين: أولهما يرى أن التعامل مع الحركة هو السبيل لتعزيز موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الأمر الذي يساعد على الدفع بعملية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي. ومن رأي هؤلاء أن انقسام الصف الفلسطيني لن يمكنهم مطلقاً من إبرام صفقة سلام مع إسرائيل. وعليه، فإن من الواجب الدفع بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى مصالحة بين حركة \"حماس\" ومنظمة \"فتح\" أولاً. \r\n \r\n أما أصحاب المعسكر الثاني، فهم أكثر مباشرة في دعوتهم هذه. فمن رأيهم أن التعامل مع \"حماس\" يعكس حقيقة قوة الحركة وشعبيتها، ومن ثم قدرتها على تقويض أي جهود دبلوماسية سلمية تستثنى منها أو لا تعُطى فيها دورها اللائق بها. وعليه فإن على الساعين إلى السلام إجراء حوار مباشر مع الحركة، لأنها هي وليست منظمة التحرير الفلسطينية التي يتزعمها \"أبومازن\"، الأكثر أهمية في تقرير السياسات الفلسطينية. \r\n \r\n في \"حماس\" حوار بين دعاة تخفيف العمليات العسكرية بين مقاتلي الحركة وإسرائيل، ودعاة الهدنة الطويلة الأمد، دون أن يدعو أحد منهم إلى بلوغ السلام. \r\n \r\n \r\n غير أن الجزء الأول من هذا التبرير ليس منطقياً البتة. فما من قائد واحد من قادة حركة \"حماس\"، أبدى تأييداً للتسوية السلمية للنزاع، بناء على حل الدولتين، ما يعني أن احتضان حركة \"حماس\" لن يسهم مطلقاً في الدفع قدماً بهذا الحل. وفي الوقت نفسه، فإنه ليس من العدل ولا اللياقة في شيء، مطالبة الفلسطينيين بتحقيق الوحدة، كما لو كانت شرطاً أساسياً لإحراز أي تقدم دبلوماسي معهم باتجاه السلام. ذلك أن العالم يتوقع من إسرائيل في نهاية الأمر، أن تقرر سياساتها الوطنية في أضيق الهوامش السياسية المتاحة لها، على نحو ما فعل الكنيست بإجازته لاتفاق السلام في عام 1995، بأغلبية 61-59 فحسب من أعضائه. وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، فإن العامل الرئيسي المطلوب من الجانب الفلسطيني، ليس هو وحدتهم وإنما مدى توفر القيادة بينهم. وبما أن هذا هو واقع الحال، فلماذا نطالبهم بالوحدة إذن؟ \r\n \r\n بهذا ننتقل إلى أصحاب المعسكر الثاني من دعاة التعامل مع \"حماس\". وربما كان هؤلاء أكثر صراحة في حديثهم عن قوة الحركة، ومدى تأثيرها على السياسات الفلسطينية. ولكن لا ينفي هذا الحديث عن أصحابه كونهم انهزاميين في نهاية الأمر. وربما نسي دعاة هذا الرأي أنه سبق لنا أن شاهدنا هذا \"الفيلم\" من قبل، حيث كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، نجماً رئيسياً فيه. ففي عام 1975 دعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد منظمة التحرير الفلسطينية إلى إجراء حوار داخلي في صفوفها، على أن تلتزم فيه بكافة الشروط الواجبة عليها، بما فيها نبذ الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل في البقاء، إنٍْ أرادت خوض حوار جدي مع الولاياتالمتحدة.. وبعد النداءات الدولية الموجهة إلى المنظمة من شتى أنحاء العالم -بما فيها النداء الذي وجهه إليها الرئيس الأسبق جيمي كارتر نفسه- يبدو أن تلك الاستراتيجية قد أثمرت نوعاً ما. وبالنتيجة تبنى عرفات صيغة الشروط تلك، بينما أعلنت إدارة ريجان- في أيامها الأخيرة- عن بدء الحوار الجدي مع منظمة التحرير الفلسطينية. وربما كانت زيارة \"كارتر\" هذه، تصب في صالح دعاة تخفيف الشروط المفروضة على إسرائيل، بعد مضي عامين، فحسب على الجهود المبذولة في عملية السلام الأخيرة. \r\n \r\n بيد أن الفارق يظل كبيراً وجوهرياً بين الحوار الداخلي الذي أجرته منظمة التحرير الفلسطينية قبل عقدين من الزمان، والحوار الداخلي الذي تطالب به حركة \"حماس\" اليوم. ذلك أن الانقسام التاريخي داخل \"المنظمة\"، كان بين تيارين ينادي أحدهما بتبني خطة تدريجية للقضاء على إسرائيل، وتيار آخر لا يرى غضاضة في التعايش بين دولة فلسطينية مستقلة، والدولة الإسرائيلية المجاورة. وكما هو واضح، فإن التيار الثاني وحده هو القادر والمستعد للمضي في عملية تفاوضية سلمية. \r\n \r\n وعلى نقيض حركة \"فتح\"، فإنه ما من أحد داخل حركة \"حماس\" يدعو إلى التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل. وعليه فإن الحوار الداخلي في \"حماس\"، إنما يدور بين دعاة \"التهدئة\" في العمليات العسكرية المتبادلة بين مقاتلي الحركة وإسرائيل، ودعاة الهدنة الطويلة الأمد فحسب، ولكن دون أن يدعو أحد منهم إلى بلوغ السلام. \r\n \r\n وبما أن هذه هي الحقيقة، شئنا أم أبينا، فليس ثمة معنى لأن نطالب حركة \"حماس\" اليوم، بأقل مما طالبت به واشنطن منظمة التحرير الفلسطينية قبل عقدين من الآن. بل إن في تعاملنا مع \"حماس\"، ما يقوض موقف \"أبومازن\" ويهدد بإلقاء الفلسطينيين لقمة سائغة بين فكي ذئب حركة \"حماس\". وعلى رغم ما في الاستراتيجية التي تم تبنيها من قبل صناع السلام في أعقاب انقضاض حركة \"حماس\" على قطاع غزة وفرض سيطرتها عليه بوضع اليد في صيف العام الماضي، من سلبيات وعيوب، فإنها تظل الاستراتيجية المناسبة والواجب الاستمرار في العمل بها حالياً. وتقوم هذه الاستراتيجية على الاستثمار في ما يتحقق من نجاح سياسي واقتصادي في الضفة الغربية، في مقابل المزيد من سياسات عزل القطاع وحركة \"حماس\" القائدة له. والفكرة وراء هذه الاستراتيجية في غاية المباشرة والوضوح، ألا وهي أن يوضع الفلسطينيون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستقرار والازدهار الاقتصادي واتساع الفرص، أو الجدب والقحط والعنف وأنهر الدماء. على أن هذه الاستراتيجية لم تؤت أكلها بعد حتى هذه اللحظة، لكونها لم تمنح ما يكفي من الوقت ولا الاهتمام اللازمين. \r\n \r\n \r\n \r\n روبرت ساتلوف \r\n \r\n المدير التنفيذي ل\"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني\". \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n