ب عد سنوات من انتقادات الاتحاد الاوروبي تجري تركيا تعديلا على المادة 301 التي حوكم بموجبها الاديب أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل وهرانت دينك الصحفي التركي الذي يحمل الجنسية الأميركية لاهانتهما الهوية التركية. وقتل دينك في وقت لاحق بالرصاص على يد متطرف قومي تركي. إلا أن التعديلات المقترحة ضئيلة الى حد أن الكتاب والناشرين في تركيا يخشون من أنهم سيستمرون في مواجهة محاكمات متكررة. بينما ستبقى كما هي قوانين أخرى تفرض ضغوطا كثيرة على حرية التعبير. ولتركيا التي تطمح للانضمام للاتحاد الاوروبي تقاليد طويلة في تقييد حرية التعبير لاسيما في قضايا لا يزال ينظر اليها في بعض الاوساط على أنها تهديد للجمهورية الحديثة. فالقضايا المتعلقة بحقوق الأقلية الكردية الكبيرة ومذابح الارمن على أيدي الاتراك العثمانيين في عام 1915 والاسلمة لا تزال من المحرمات ولا تزال المؤسسة العسكرية فوق النقد بدرجة كبيرة على الرغم من تحركات للحد من سلطاتها الرسمية. وطبقا لمسودة التعديلات المقترحة ستستبدل اهانة الهوية التركية باهانة الامة التركية وستصبح موافقة رئيس الدولة شرطا لاقامة دعوى. وستخفض العقوبة القصوى الى عامين بدلا من ثلاثة أعوام. لكن المحامين القوميين -وهم قوة تتمتع بنفوذ قوي في النظام القضائي التركي الذي تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية لاصلاحه- سيظل في مقدورهم تقديم صحفيين وكتاب للمحاكمة كما فعلوا مع باموك ودينك. وقال زاراكولو وهو صحفي مخضرم وناشر، في مقهى بالقرب من منزله على الشاطئ الاسيوي لاسطنبول "يشعر بعض المحامين والقضاة أنهم رسل للدفاع عن الدولة وأيديولوجية الدولة وليس الدفاع عن حقوق المواطنين". وأجلت قضيته الى ما بعد اقرار التعديل. ويحاكم زاراكولو لنشره كتابا مترجما عن مذابح الارمن التي تنفي أنقرة أنها تمثل ابادة جماعية. ويعتقد أنه سيدان على الارجح ويقول انه سيدخل السجن في النهاية اذ صدر ضده بالفعل حكم مع وقف التنفيذ بسبب مقال في صحيفة. وأثار زاراكولو غضب المؤسسة التركية منذ فترة طويلة بكتب تتناول المحرمات في تركيا وعانى لسنوات من السجن وتعرض مكتبه لهجوم بقنبلة. والكتاب الذي يحاكم بسببه الان هو ترجمة لكتاب عنوانه "الحقيقة ستحررنا" لجورج جرجيان ويدعو لمصالحة بين الاتراك والارمن ويحكي قصة انقاذ حياة جدة الكاتب الارمنية على يد تركي. وصدر ضد دينك الذي قتله مراهق قومي بالرصاص أمام مكتبه في اسطنبول في عام 2007 حكم مع ايقاف التنفيذ بعد ادانته بتهمة "اهانة الهوية التركية" بسبب دعوته للمصالحة. ودافع المسؤولون في حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يتبنى نهجا اصلاحيا بشكل عام عن التعديلات التي أدخلت على المادة 301 قائلا ان الدول الاوروبية بها قيود مماثلة على حرية التعبير. ويعترف المسؤولون بالحاجة الى تغيير عقلية بعض القضاة والمحامين الا أنهم شددوا مرارا على أنه جرت تبرئة كثير من الكتاب. وقال يوجين شيلجين الامين العام الدولي لجماعة القلم الدولية المدافعة عن حرية التعبير "توجد قوانين مماثلة في كثير من الدول الاوروبية لكن باستثناء بولندا فان الكثير (من الدول) لم يطبقها قط. لكنهم هنا (في تركيا) يطبقونها وسيستمرون في تطبيقها". وقال في تصريحات كررتها منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش) "أرجو ألا يخدع أحد بهذا (التعديل) لانه لا يوجد اختلاف كبير". والقانون الحالي كان محل انتقاد بسبب صياغته الغامضة التي تمنح القضاة صلاحيات واسعة في تحديد ما قد يشكل اهانة للهوية التركية. ولن يعالج القانون الجديد هذه المشكلة الجوهرية بالضرورة. ومن المستهدف أن يكون الاصلاح الذي كان محل نقاش في لجنة في البرلمان الجمعة جزءا من مسعى أكبر لكي تتماشى الديمقراطية الناشئة المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي مع المعايير الاوروبية. وتتمتع المحاكم التركية بحقوق واسعة للتدخل في ما تعتبره أوروبا الغربية أمورا سياسية بحتة. ويواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه تحركا قضائيا لاغلاقه استنادا لاتهامات بطموحاته الاسلامية ولمنع رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والرئيس التركي عبد الله غول من ممارسة السياسة. وتنظر بروكسل الى هذا بقلق كما قابلت قانون حرية التعبير الجديد برد اتسم بالفتور. وقال جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الاوروبية في زيارة حديثة لتركيا ان القانون الجديد خطوة في الاتجاه الصحيح. وحتى لو ألغيت المادة 301 فسيظل محظورا على الكتاب التعبير عن اراء معينة وتظل اهانة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة جريمة. وخسرت الروائية والكاتبة التركية بريهان ماجدن عددا من القضايا لكنها لم تحاكم قط بموجب المادة 301. وعين اثنان لحراستها بعد مقتل دينك. ومثلت ماجدن للمحاكمة لتحريضها ضد الخدمة العسكرية في مقال تدافع فيه عن رافضي الخدمة العسكرية لاسباب تتعلق بالضمير ورغم تبرئتها في عام 2006 ستعاد محاكمتها بالتهمة ذاتها في يوليو/تموز القادم. وقالت ماجدن "هناك عشر دعاوى مقامة ضدي (..) عشر دعاوى على الاقل ولا أعرف كم. انها مستمرة". وقالت ان "(مقالاتي) لا تدعو لحمل السلاح أو بعض الاعمال الارهابية أو شيء ما. انني لا أطالب سوى ببعض الحقوق الديمقراطية وأواجه محاكمات بلا توقف". وقال وزير العدل التركي مؤخرا انه في السنوات الخمس الماضية كانت هناك 1500 دعوى قضائية تقريبا مقامة استنادا الى المادة 301. والتأييد لهذه المادة قوي في المؤسسة التركية كما يعارض تعديلها بشدة حزبا المعارضة الرئيسيان. ولا يطالب بالغائها كليا سوى نواب في البرلمان منتمين لحزب مؤيد للاكراد وكثيرا ما يمثل أعضاؤه أمام المحكمة بسبب ما يقولونه. ويأمل زاراكولو -الذي تبدو ابتسامته من خلال لحيته الرمادية الكثيفة وهو يعدد خلافاته مع القانون- في أن كل ما قد يحققه الاصلاح هو تسويف قضيته من خلال العقبات البيروقراطية. ويقول ان قضيته مصيرها "اما الادانة (..) واما على الارفف المتربة". ايما روس توماس ميدل ايست اونلاين