\r\n لكن الأمر في مجمله ليس مجرد مسألة تقنية تتعلق بقدرة ألمانيا أو أوروبا فحسب، وإنما وبنفس القدر بالإرادة السياسية. وبالتأكيد كلمة «إرادة» تحمل معاني تاريخية مختلفة في ألمانيا، أكثر مما هي الحال في بلدان أخرى. ولي أن أقول هنا إن هناك مفردتين تزرعان لدى الألمان شكوكا وأعني مفردتي: «الإرادة» و«المصير». \r\n \r\n لذلك فإنه من الأهمية ألا يبرز التقاعس محل العزيمة. وهذا يعني أن الولاياتالمتحدةوألمانيا وإيطاليا والحلفاء الآخرين في الناتو بحاجة إلى فهم مشترك لمصالحنا المشتركة في أفغانستان، وأن نؤدي المهمة مثلما أديناها في البلقان بعد بعض الصعوبات. \r\n \r\n ولنكن أكثر وضوحا: فالفشل في أفغانستان سينجم عنه عودة طالبان والقاعدة، وهما خطران بما فيه الكفاية الآن، رغم أنهما محصوران في المنطقة الجبلية الحدودية مع باكستان. ولكنهما سيكونان أكثر خطورة بكثير حال سيطرتهما على مدن مثل قندهار أو ربما كابل، حيث ستكون لديهم القدرة للوصول إلى وسائل الاتصالات الحديثة مع جمهور متدين واسع يمكنهم الاختفاء بينهم. \r\n \r\n وانطلاقا من حقيقة أن الكثير من الميدانيين الذي شاركوا في هجمات 11 سبتمبر درسوا وعاشوا في ألمانيا، والكثير من المواقع المستهدفة من قبل الإرهابيين هي في أوروبا، يصبح الأمر محيرا يوم أن يكون علينا شرح الخطر الذي نواجهه اليوم بشكل مشترك في أوروبا. \r\n \r\n وعودة لألمانيا ، فحتى الآن تبدو الإرادة متوفرة لدى حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، لكنني غير متأكد كم هو عمق هذه الإرادة بين صفوف الشعب الألماني. بالتأكيد يظل العراق (الذي يعتبر كارثة للسياسة الخارجية الأميركية وأسوأ من كارثة فيتنام) مقوضا لأي التزام للعمل مع الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n لكن علينا أن نجد طريقة مثلما فعلنا في البلقان. وفي الحقيقة لو أننا لم نعمل من اجل الوصول إلى «اتفاقيات دايتون» لتحولت البوسنة أرضا للإرهابيين يعملون منها بدلا من أفغانستان. فتلك الاتفاقيات منحتنا القدرة على التخلص من العناصر الأجنبية من البوسنة ، وهذا ما جعلها تنتقل إلى السودان أولا ثم إلى أفغانستان لاحقا. \r\n \r\n وفي هذا السياق، وبقراءة المشهد الباكستاني مثلا، أجد برويز مشرف محقا حينما هاجم المتطرفين في المسجد الأحمر بإسلام آباد. فذلك الاعتصام المسلح هو تهديد في الصميم للبلد. مع ذلك، فإنني بقيت منزعجا من القاعدة السياسية الضيقة التي تقف مع مشرف. وأنا ما زلت محتارا تجاه التقييمات الاستخباراتية المثيرة للجدل، حول ما إذا كان مشرف يقوم بما فيه الكفاية لفرض إجراءات مشددة ضد المتطرفين الإسلاميين على الحدود. كذلك ليس معلوما ما إذا كان أي بديل له سيكون أفضل. \r\n \r\n وكل ما تستطيع أن تقوله إن على حكومة إسلام آباد أن تمتلك دعما شعبيا أوسع. وإذا كان مشرف قادرا على تحقيق ذلك فإن ذلك سيكون أمرا حسنا. وإذا لم يتمكن فإنه ستكون هناك نتائج سيئة، وأنا أؤمن بأن الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الانسان وخصوصا حقوق النساء هي عناصر أساسية لتوسيع جبهة تلك الحكومة. \r\n \r\n فبالنسبة لمشرف يشكل كمال أتاتورك نموذجا. فمشرف ترعرع لعدد من السنوات في تركيا، حيث كان يعمل أبوه قنصلا عسكريا. أتاتورك نموذج جيد لكن الظروف مختلفة، إنه من غير الواضح ما إذا كانت باكستان حقا تسير في طريقها كي تصبح مثل الدولة التي كونها اتاتورك. \r\n \r\n وفي هذا السياق أيضا، وبقراءة المشهد التركي يمكن القول إن الانتخابات التركية الأخيرة حدث تاريخي مهم. فالغرب قال إن ما يريده هو نسخة معتدلة من الإسلام في العالم. وها أنت ترى أمامك نموذجين لدولتين مسلمتين معتدلتين، هما تركيا وماليزيا. وهنا وعند اخذ أهمية تركيا الاستراتيجية في الحسبان يكون من المشجع أن نرى انتخابات سلمية تجري عبر عملية ديمقراطية لا تشوبها شائبة. \r\n \r\n ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد كنت في اسطنبول خلال الانتخابات وراقبتها كلها، كانت وكأنها انتخابات في الولاياتالمتحدة وأنت تراقبها عبر محطة سي أن أن. \r\n \r\n ماذا تعني الانتخابات بشكل أكثر تفصيلا؟ ارتفعت أسعار اسهم البورصة، وهذا ما يجعل رجال الأعمال مسرورين. كذلك حصلت الأحزاب القومية على عدد كبير من المقاعد في البرلمان. كذلك أصبح الأكراد ممثلين الآن في البرلمان لأول مرة خلال عقد. وأكد حزب العدالة والتنمية أيضا رغبته في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو هدف ترتب عليه تحقيق الكثير من الإصلاحات في تركيا. \r\n \r\n بالنسبة لي، تتلخص المشاعر تجاه الانتخابات التركية في شخصين التقيت بهما في اسطنبول. الأول كان أستاذا جامعيا أعرب عن ترحيبه بتوسيع أكبر للديمقراطية، والثاني كان سائق تاكسي وعلى لسانه كانت هناك كلمتان: مسلمون متعصبون. \r\n \r\n يمكن القول إن أناسا مثل سائق التاكسي قلقون من انزلاق بلدهم إلى نموذج إيراني آخر، فدولة إيران انتقلت من التحديث والعلمانية إلى نظام ديني متعصب. بالتأكيد ستدفع النساء ثمنا باهظا. \r\n \r\n أخيرا، هناك سؤال حول الجيش، الذي ما زال حتى الآن أكثر المؤسسات شعبية في تركيا. ولكن ما حدث سيكون هزيمة للجيش فقط، إذا رأى الجنرالات نتائج الانتخابات بهذه الطريقة. والإجماع الذي وجدته في اسطنبول هو أن الجيش لن يتدخل الآن لأن حزب العدالة والتنمية حصل على تفويض شعبي واسع جدا. ولعلهم كانوا سيتدخلون لو كان الوطن اكثر انقساما. وإذا رفض الجيش هذا التفويض الشعبي لحزب العدالة والتنمية فإن الفوضى ستسود في الشوارع. يقف الأتراك الديمقراطيون تحت شعار واحد اليوم: «لا شريعة، ولا انقلاب عسكري». \r\n \r\n * سفير أميركا السابق في الأممالمتحدة - خدمة «غلوبال فيوبوينت» والمقال مأخوذ من حوار أجراه معه ناثان غاردلز، خاص ب«الشرق الأوسط» \r\n