يقول أندرو مانغو، مؤلف الكتاب الذي نناقشه هنا، ان مثل هذا الكلام صحيح الى حد كبير. فقبل انتخابات نوفمبر 2002 التي فاز بها أردوغان، كانت الصحف التركية تمتلئ بأخبار فضائح الفساد، وتبرز عدم تدخل المسؤولين في مواجهة العمليات المشبوهة من جانب العديد من المصارف الخاصة. \r\n \r\n \r\n ونشرت الصحف تحقيقات مطولة تناولت مدى الخسائر الفادحة التي تتكبدها الدولة التركية نتيجة لقرارات الاستثمار الخاطئة التي اتخذها سياسيون فاسدون، الا أنه في استطلاع للرأي جرى قبل الانتخابات ذكر 10% فقط الفساد كعامل من بين أهم العوامل التي تقف وراء المشكلات التي تعاني منها تركيا. \r\n \r\n \r\n ويرى المؤلف أنه من غير المرجح ان يكون الناخبون الأتراك بهذا القدر من السذاجة السياسية التي تجعهلم يعتقدون ان اردوغان يختلف كثيراً عن سابقيه في موقفه تجاه الفساد والمحسوبية فخلال الحملة الانتخابية في 2001 سئل أردوغان عن سر الزيادة الكبيرة في ثروته الشخصية. \r\n \r\n \r\n فرد قائلاً إن المال قد أقرضه اياه ابنه، الذي كان قد تلقى هدايا ذهبية بمناسبة ختانه وهي رواية قد تكون أكثر منطقية من تلك التي أوردتها تانسو تشيلر، زعيمة حزب الطريق الصحيح، حيث قالت انها عثرت على بعض المال في لفافة كانت موضوعة تحت فراش امها، وبعد ذلك عندما بعث أردوغان نجله وابنتيه الى الولاياتالمتحدة للدراسة، قال ان تكاليف الدراسة قد تكفل بها أحد رجال الأعمال. \r\n \r\n \r\n يقول مؤلفنا انه يبدو أن معظم الأتراك يتقبلون مسألة تلقي السياسيين لهدايا شخصية وبعد أن أصبح أردوغان رئيساً للوزراء، أقام حفلاً كبيراً في أحد فنادق اسطنبول بمناسبة زفاف نجله، الذي كان لا يزال طالباً، ووجه الدعوة إلى رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني لحضور الحفل، ومرة اخرى فإن مثل هذا التصرف يعتبره معظم الأتراك تصرفاً عادياً لأي رجل ناجح وتصرفاً متوقعاً. \r\n \r\n \r\n وبعد فوز أردوغان قام البرلمان في أنقرة بتشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم فساد وبحثت اللجنة اتهامات موجهة ضد مسؤولين وبرلمانيين الا ان مؤيدي اردوغان قاوموا ضغوطاً للحد من الحصانة البرلمانية التي تحول دون اتخاذ اجراءات قضائية ضد الأعضاء ومع ذلك فإنه لا يمكن القول بأن الحملة ضد الفساد لن تؤدي الى شيء ايجابي، اذ أن التوجهات آخذة في التغير لكن مثل هذا التغيير سيكون تدريجياً وهو ما يتوقعه معظم الأتراك. \r\n \r\n \r\n هموم الأتراك \r\n \r\n \r\n أظهر استطلاع الرأي الذي اجري عشية انتخابات الرئاسة في نوفمبر 2002 ان الهم الرئيسي للشعب التركي هو البطالة، حيث قال 31% ممن جرى استطلاع آرائهم ان البطالة هي اكبر المشكلات، بينما قال 22% ان التضخم وتكاليف المعيشة المرتفعة هي التي تثير قلقهم ومع ذلك فإن الأسعار في تركيا أدنى بكثير بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى. \r\n \r\n \r\n وخلال الربع الثالث من عام 2003 بلغت نسبة البطالة في تركيا 4,9%، وهو معدل يقل عن نسب البطالة في فرنسا (5,9%) وفي اسبانيا (2,11%) ويقل كثيراً عن نسبة البطالة في بولندا (20%) قبيل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n \r\n إلا أن الأرقام الرسمية تشيد بالأداء التركي، على الرغم من أن الكثيرين من أولئك الذين يعتبرون في عداد العاملين يؤدون وظائف هامشية، أو حتى يؤدون عملاً غير مدفوع الأجر. كما يشكل أفراد الأسرة الذين يؤدون عملاً غير مدفوع الأجر. (النساء والصغار) حوالي خمس قوة العمل. \r\n \r\n \r\n ويتم احتساب 6% من أولئك الذين يعملون على انهم «عاطلون عن العمل» ويتطلعون للحصول على عمل إضافي. ومن بين إجمالي عدد العاملين المسجلين على أية مؤسسة ضمان اجتماعي، وبالتالي لا يتمتعون بأي حماية بالنسبة لمستقبلهم المهني أو أي ضمان صحي أو أي معاش بعد وصولهم إلى سن التقاعد. أما التقرير الأفضل لوضع العمالة فهو من خلال نسبة السكان في سن العمل الذين يعملون بالفعل. \r\n \r\n \r\n وهذه النسبة وصلت إلى أقل من 45% في عام 2003 وإذا ما تم استبعاد العمالة غير مدفوعة الأجر، فإن النسبة لمتوسط العمالة ستبلغ 35% فقط. وفي المقابل سنجد أن نسبة متوسط العمالة في دول الاتحاد الأوروبي تبلغ 63% (55% بالنسبة لأسبانيا). \r\n \r\n \r\n وفي ظل هذه الظروف، فإنه ليس من المستغرب أن 75% من الأتراك جميعاً يعتقدون أن فرصة العمل في أي مكان في أوروربا سوف تعود بأعظم الفائدة لعضوية الاتحاد الأوروبي. ولا تحبط معدلات البطالة في الاتحاد الأوروبي الأتراك من أن يحلموا بالانتقال إلى أوروبا. فهم على استعداد للعمل الشاق والحصول على رواتب أقل من نظرائهم الأوروبيين. وإذا أتيحت لهم فرصة الحصول على المزايا الأوروبية التي تعطى للمواطنين الأوروبيين العاطلين عن العمل، فإنهم سيحصلون على مبالغ أفضل من الحد الأدنى للأجور في تركيا. \r\n \r\n \r\n ويتزايد الاستياء تجاه الأوضاع في الداخل كما تتزايد الرغبة في السعي إلى تحقيق المال خاصة بين شريحة المتعلمين ووفقاً لاستطلاع للرأي فإن نحو 60% من شريحة المتعلمين يريدون الدراسة أو العمل في دولة أجنبية (أي دولة غربية). \r\n \r\n \r\n زيادة الاجور \r\n \r\n \r\n يقول المؤلف إنه خلال عقد السبعينات من القرن الماضي ومرة أخرى بعد عام 1980، نجحت النقابات في تأمين زيادات كبيرة لأجور أعضائها، فيما منعت المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة من الاستغناء عن فائض العمالة لديها وفي 2000 عندما كان هناك ثمانية ملايين عامل يتلقون أجوراً منتظمة ومليونان من العمال الموسميين في تركيا، تمتع مئة ألف فقط بضمانات من خلال اتفاقات أجور جماعية جديدة، وهو الأمر الذي يمثل شريحة ضئيلة من قوة العمل. وخلال العام نفسه شارك 19 ألف عامل بإضرابات الحقت خسائر بلغت نحو 370 ألف يوم عمل. \r\n \r\n \r\n ومع بداية الألفية الجديدة تم السماح لموظفي الدولة التركية بالتفاوض بشكل جماعي من خلال النقابات المهنية، ولكن لم يتم السماح لهم بالقيام بإضرابات. وكان هؤلاء يعلنون عن مطالبهم من خلال المسيرات أو التباطؤ في العمل أو الاضراب عن الطعام. ولم تؤثر مثل تلك الإجراءات كثيراً خاصة عندما تتشبث الحكومة بموقفها. ومع ذلك فإنه مع بدء تركيا في تنفيذ كل المعاهدات الخاصة بمنظمة العمل الدولية، فإن قوة النقابات العمالية ستزيد بالتأكيد. \r\n \r\n \r\n وحتى يحدث ذلك فإن زعماء النقابات يتأثرون بالمناخ السائد حيث يسعون للحصول على مناصب سياسية لأنفسهم ويحققون استثمارات مربحة من أموال النقابات. \r\n \r\n \r\n على صعيد آخر شهدت السنوات الأخيرة زيادة في أعداد مؤسسات الأبحاث ومراكز الخبرة، وتمول مثل هذه المؤسسات قطاعات التجارة والأعمال والأحزاب السياسية والجيش، كما يحصل بعضها على منح من هيئات أبحاث أوروبية وأجنبية أخرى. وبالتالي فإن لهذه المؤسسات الأدوات اللازمة لإجراء استطلاعات للرأي العام واستبيانات اجتماعية. ومع ذلك فإن للأحزاب السياسية الكبرى مؤسساتها المتخصصة في استطلاعات الرأي العام. \r\n \r\n \r\n وسعى حزب العدالة والتنمية إلى تطوير مكانته كحزب عصري من خلال إنشاء مركز للاتصالات الالكترونية الذي يتعامل مع الاسئلة والاستفسارات التي يرسلها الناخبون وتسمح له بتحديد أولوياتهم. وتجدر الإشارة هنا إلى ان تركيا لم تشهد عمليات استطلاع للرأي العام واستبيانات اجتماعية تتم بصورة دقيقة ومتكررة مثلما هو الحال الان. وهو ما يمثل دلالة على مدى الحداثة التي تسعى الدولة للوصول إليها. \r\n \r\n ويرصد الكاتب عودة واضحة لاهتمام مختلف شرائح المجتمع التركي بالشؤون السياسية بعد أن كان الجنرالات الذين حكموا تركيا خلال الفترة من عام 1980 حتى 1983 قد نجحوا في تغييب العنصر السياسي لدى الاتراك. أما الان فإن شؤون السياسة الخارجية تحتل عناوين بارزة في وسائل الإعلام. \r\n \r\n \r\n ويرى الخبراء الأجانب والمحليون أن هناك إمكانية كبيرة لان تلعب تركيا دوراً مؤثراً في الشرق الأوسط ومنطقة البلقان ودول الاتحاد السوفييتي سابقاً. إلا ان رجل الشارع التركي العادي لا تشده كثيرا التطورات بالشؤون السياسية في العالم ما لم تكن لها تأثيرات على عمله وحياته. \r\n \r\n \r\n فعلى سبيل المثال ينحدر مئات الآلاف من الاتراك من مخيمات في البوسنة التي استعارت اسمها من حي في اسطنبول يطلق عليه اسم يني بوسنة (أي البوسنة الجديدة)، ومع ذلك لم يخرج سوى عدد قليل من الأتراك في مظاهرة باسطنبول دفاعاً عن المسلمين البوسنيين الذين كانوا يدافعون عن حياتهم خلال أحداث 1994. \r\n \r\n \r\n إحباطات جديدة \r\n \r\n \r\n يقول المؤلف إنه مع بداية الألفية الجديدة تراجع مستوى التطلعات بعد ان كان الرئيس تورجوت أوزال قد توقع بثقة قبل عشر سنوات أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً تركياً. فقد أحبطت التوقعات بأن مستويات المعيشة سوف ترتفع دون انقطاع وذلك عندما دخلت البلاد في أزمة مالية حادة في أواخر التسعينات. وواجه الأتراك أوقاتاً عصيبة بعد ان كانوا قد تفاءلوا بالتقدم الذي أحرزته بلادهم وبعد ان توقعوا إمكانية ردم الهوة المتبقية التي تفصل بينهم وبين الدول الغنية. \r\n \r\n \r\n وتشير الاحصاءات إلى ان عدد السيارات على الطرق التركية ارتفع من 300 ألف سيارة فقط إلى 4 ملايين و600 ألف سيارة خلال العشرين عاماً الماضية، ولكن على الرغم من ذلك فان عدد الأشخاص لكل سيارة يبلغ 15 بينما يبلغ عدد الأشخاص لكل سيارة في اليونان 3 وفي أسبانيا 2. \r\n \r\n \r\n وقد تضاعف استهلاك الكهرباء في تركيا خلال السنوات العشر الماضية من 60 ألف مليون كيلووات/ ساعة إلى 110 آلاف، لكن الاستهلاك لكل شخص لا يزال أقل من ألفي كيلووات/ساعة مقابل 4500 كيلووات/ساعة في اليونان وخمسة آلاف كيلووات/ساعة في أسبانيا. \r\n \r\n \r\n ويقول المؤلف ان أجهزة الإعلام تنشر الكثير من التقارير المثيرة للإحباط ومنها ان الإنفاق التركي على التعليم والصحة يقل عن معدلات الإنفاق بدول العالم الثالث. وعندما يتوقف التقدم الاقتصادي، كما حدث في عام 2001، يفقد الأتراك الأمل في إمكانية وصولهم إلى معدل «الحضارة المعاصرة» خلال حياتهم. \r\n \r\n \r\n ومن الأسباب وراء فقدان الأمل ان الأزمات الاقتصادية السابقة لم تؤثر بالسلب كثيراً على أفراد الطبقة المتوسطة، بينما أدت أزمة 2001 إلى فقدان الكثير من الوظائف وضياع الأمل في آفاق المستقبل بالنسبة لعدد من أفضل أبناء المجتمع تعليماً وخبرة. \r\n \r\n وتجسدت الأبعاد الدرامية لهذه الأزمة في رواية بعنوان «كار» أي «الثلج» باللغة التركية للكاتب التركي المعروف أورهان باموق. \r\n \r\n \r\n وتجري أحداث الرواية، التي صدرت في 2002 في طبعة شملت مئة ألف نسخة، في مدينة «كارس» التي سقطت في أيدي الروس عام 1878 في عهد الإمبراطورية العثمانية، واستعادتها تركيا من أرمينيا في 1920. ويزور بطل الرواية، وهو شاعر يساري قضى سنوات عديدة في المنفى بألمانيا، المدينة بتكليف من صحيفة في اسطنبول للتحقق من الروايات التي تتردد عن انتحار فتيات بأعداد كبيرة. \r\n \r\n \r\n وفي الواقع فإن الصحف التركية نفسها قد نشرت تقارير عن حالات انتحار متكررة، ولكن ليس في كارس، بل في باتمان الكردية بجنوب شرقي البلاد، وأرجعت ما يحدث الى الضغوط التي لا تحتمل والتي يمارسها مجتمع ذكوري قمعي ضد النساء. اما في الرواية، فان حالات الانتحار تتزايد على ما يبدو نتيجة لاصرار السلطات على ضرورة عدم وضع الفتيات المسلمات للحجاب. \r\n \r\n \r\n وبينما ترك الروائي السبب الحقيقي غير معروف، فقد أصبحت مدينة كارس مثلاً يجسد حالة الاكتئاب العامة التي يعاني منها الاتراك. فالمدينة، التي تقع فوق هضبة الاناضول بأجوائها القاسية، قد فرغتها الهجرة من سكانها، وملأ الأكراد العاطلون عن العمل مقاهيها، وانتشر العنف اما بين المتشددين والعلمانيين، أو بين السلطات والأكراد، أو بسبب عداءات شخصية. وهذه التوترات التي ظلت من دون حل لسنين طويلة يعاني منها الآن مجتمع المدينة العصري. ويشعر بطل الرواية بالغربة في بلده. \r\n \r\n \r\n وتمثل هذه الرواية بحثا رائعا في الفقر والاغتراب يعالج فيه الكاتب باسلوب ساحر الأزمة المتعمقة التي تعرقل التقدم التركي والتي تتضافر فيها مجموعة من العوامل أهمها التقاليد والمؤسسة الاجتماعية والنظام التعليمي والاداري. \r\n \r\n \r\n وقد ادى الاحباط العام السائد بين الاتراك الى قيام رجب طيب أردوغان، فور توليه منصب رئيس الوزراء، بمناشدة أبناء شعبه في الثقة بأنفسهم وفي دولتهم وفي حكومتهم، مشيرا الى رؤية أتاتورك في الوصول بتركيا الى صفوف المجتمع المعاصر. كما ركز على ضرورة تطوير التعليم بشكل عام، وتعليم المرأة بشكل خاص، كما وضع كل ثقله وراء الحملة التي تم شنها بالتعاون مع اليونسكو لتشجيع الفتيات على الذهاب الى المدارس. \r\n \r\n \r\n وفي الواقع فإنه وفقا للاحصاءات الرسمية فان نسبة الفتيات في المدارس الابتدائية تقل قليلا فقط عن نسبة الاولاد -87% مقابل 92%. لكن الفجوة تتسع في المدارس الثانوية حيث تصل نسبة البنين الى 47% بينما تبلغ نسبة البنات 39% فقط. \r\n \r\n \r\n ونتيجة لذلك فان الأولاد ينفقون ما متوسطه سبعة أعوام في التعليم مقابل خمسة أعوام فقط للفتيات. اما على صعيد العمل خارج المنزل فان الاختلاف يبدو ملحوظا بشكل اكبر. ففي عام 2002 جاءت نسبة 21% فقط من النساء ضمن تصنيف العاملات اللائي يحققن دخلا (باستثناء الزراعة حيث تعمل النساء في مزارع عائلتها بشكل رئيسي). \r\n \r\n \r\n وبصورة اجمالية فإن مشاركة المرأة التركية في قوة العمل بلغت نسبتها 24% في عام 2000. وفي اسطنبول تشير احصاءات رسمية الى ان أكثر من نصف النساء لا يعملن خارج المنزل، ويعتمدن على أجور أزواجهن. \r\n \r\n \r\n لكن هذه الاحصاءات تخفي اختلافات كبيرة. ففي الوقت الذي تتحقق مساواة أصيلة بين الجنسين بمجتمع المدينة لشريحة الطبقة المتوسطة، فإن مثل هذه المساواة في أماكن أخرى خاصة في الريف تبقى نظرية فقط. فالرجال والنساء يختلطون بسهولة في المطاعم والأندية وحفلات الاستقبال الخاصة بمجتمع المدينة، لكن العديد من مطاعم الاقاليم تخصص اماكن للعائلات بينما تبقى المقاهي حكرا على الرجال. \r\n \r\n وكشف استطلاع للرأي أنه في حي اومراني الفقير باسطنبول، الذي يقطنه نصف مليون نسمة معظمهم جاؤوا اليه من القرى، ذكرت 44% من النساء أنهن بحاجة للحصول على اذن من احد افراد الأسرة من الذكور بالخروج وحدهن خلال النهار. وفي المساء فان الاذن بالخروج ترتفع نسبته الى 96%. وخلال التسعينيات كانت نسبة 9% فقط من كل الأملاك المسجلة تخص نساء. \r\n \r\n \r\n تفعيل دور المرأة \r\n \r\n \r\n ويتوقع مؤلف الكتاب أن تتحسن أحوال المرأة التركية، نتيجة لصدور قانون مدني جديد، بدأ تنفيذه في الأول من يناير 2002، عندما كانت حكومة أجاويد الائتلافية في الحكم. \r\n \r\n \r\n وتواصل المنظمات المناصرة لحقوق الانسان ضغوطها للحصول على مزيد من الاصلاحات في القوانين وتنفيذها. والآن فإن أحد أهم أهدافها الرئيسية هو زيادة دور المرأة في الحياة السياسية. \r\n \r\n \r\n لقد تولت إمرأة منصب رئيس الوزراء وعادة ما توجد إمرأة على الأقل في مجلس الوزراء. إلا ان نسبة النساء في البرلمان لا تزال منخفضة للغاية ووصلت إلى 4,4% في عام 2002 بعد أن كانت تبلغ 9,1% فقط في عام 1990. وللتغلب على هذا الخلل تقترح منظمات حقوق المرأة وضع حصص للنساء وهو اقتراح لا يميل إلى تأييده سوى حزب الشعب الجمهوري. \r\n \r\n \r\n ويرى المؤلف أن بالامكان القيام بالمزيد لانهاء التمييز ضد المرأة على مستوى العمالة. وفي عام 2003 تعرضت بعض الهيئات العامة لانتقادات شديدة لاستبعادها النساء من التقدم لوظائف مثل مهندس هيدروليكي، وفني ومحاسب في وكالة المشتريات الزراعية الرسمية أو مهندس كهرباء في شبكات توزيع الأقاليم. وبعد الانتقادات أعلنت الحكومة أنها لن تسمح للهيئات العامة بالاعلان عن وظائف للرجال فقط. \r\n \r\n وقد تم منع ظاهرة تعدد الزوجات في تركيا منذ قيام أتاتورك بتطبيق القانون المدني السويسري، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك جيوباً صغيرة في الريف تمارس هذا التعدد. كما شهدت الحياة الاجتماعية الكثير من الانفتاح لتقترب من النمط الغربي، إلا أن ذلك يبدو واضحاً في المدن الكبرى، أما في الأقاليم فإن العادات لاتزال قوية ويمكن أن يتعرض الرجال والنساء على حد سواء للقتل إذا ما تسببوا في ارتكاب أمور تحط من قدر العائلة وهي الامور التي يطلق عليها «قضايا الشرف». وأحياناً ما تستخدم إحدى العائلات صبياً لقتل مرتكب الفعل حتى تقلل مدة العقوبة التي ستصدر ضده. \r\n \r\n \r\n وقد أشار تقرير أعده خبير اجتماعي كندي الى أن عدد حالات القتل بسبب الشرف تبلغ 25 حالة سنوياً. ويسمح قانون الأسرة الجديد للأزواج بالتقدم إلى المحكمة طالباً للحماية في حالات التعرض لعنف أسري. ويزعم التقرير أن ما يتراوح بين 50 67% من النساء التركيات يتعرضن للاعتداء والضرب من قبل ذكور داخل منازلهم. \r\n \r\n \r\n وقد تم مؤخراً فتح ملاجيء للنساء من ضحايا العنف في اسطنبول، لكن المشكلة تتفاقم في المناطق الريفية المتخلفة، حيث تتعرض النساء لعنف من مختلف الاشكال بشكل منتظم. وقد أثبت النظام القضائي عدم فعاليته في اتخاذ أحكام سريعة في قضايا العنف المتأصل في جذور المجتمع التركي نتيجة لتقاليد قديمة وبالية. \r\n \r\n \r\n قضايا التعذيب \r\n \r\n يوضح المؤلف أن تركيا قد وقعت وصادقت على معاهدة الأممالمتحدة ضد التعذيب، كما وافقت على السماح للأفراد بتقديم شكاوى للجنة الأممالمتحدة ضد التعذيب. وعلى الرغم من أن الحكومات التركية المتعاقبة قد أعلنت تصميمها على استئصال التعذيب في تركيا، فإن تقارير جهات عديدة ومنها منظمة العفو الدولية وهيئة حقوق الانسان التركية تشير إلى تعرض الكثيرين لحالات عنف داخل أقسام الشرطة وداخل السجون التركية. \r\n \r\n \r\n وقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة في عدد القضايا المرفوعة ضد رجال شرطة إلا أن نادراً ما تصدر أحكام ضدهم. وخلال الفترة بين يناير 2000 وابريل 2001 جرت محاكمة نحو 1500 رجل شرطة بتهمة اساءة معاملة المسجونين إلا أن 113 فقط صدرت ضدهم أحكام بعد ادانتهم. \r\n \r\n \r\n كما واجه 160 شرطياً تهماً بالتعذيب، وأدين منهم 29 فقط. وعلى الرغم من ان معدل الادانة منخفض، إلا أنه يساهم في تصحيح تصرفات الشرطة. فقد أصبحت الآن التعليمات الخاصة بحقوق الانسان جزءاً من التدريب الذي يتلقاه أفراد قوات الأمن. ويرى الكثير من الخبراء أن كل هذه الاصلاحات ستحقق تغييرا ايجابياً ولكن بصورة تدريجية خاصة وان انتهاك حقوق الانسان يعد سمة من سمات المجتمع التركي. \r\n \r\n \r\n إلا أن التطور الذي يلوح في الأفق يهدد في الوقت نفسه التلاحم الاجتماعي والتقاليد والاعراف المتبعة في تركيا منذ قرون. وتمثل الأسرة الشيء الكثير للأتراك الذين يؤمنون بقيمتين أساسيتين هما احترام الكبير والعطف على الصغير. \r\n \r\n \r\n تزايد حدة الجرائم الاجتماعية \r\n \r\n \r\n ونتيجة للتطورات المستجدة وتراجع دور الأسرة يتزايد معدل جرائم القتل والسرقة والاعتداءات الجنسية والغش والتزوير، وكما يتزايد أعداد المدمنين على المخدرات خاصة بين الشباب ممن هم في مقتبل العمر، وهي أعراض التحديث التي من غير المرجح أن تنجح تركيا في الهروب منها، مثلما لم تستطع اسبانيا الهروب منها عندما أفسحت ديكتاتورية محافظة المجال أمام قيام ديمقراطية حديثة. \r\n \r\n \r\n إلا أن الطوائف الدينية التركية تؤكد على قيمة الدين كنظام للانضباط الاجتماعي في زمن التغيرات السريعة وقد أوردت لجنة برلمانية يهيمن عليها أعضاء من حزب العدالة والتنمية في تقريرها حول الفساد ان «المفاهيم العلمانية من بين عوامل انتشاره». \r\n \r\n وفي الواقع فإن الدفاع عن الدين على أساس دوره في خدمة المجتمع يمثل علامة على التوجه العلماني للدين الذي يتماشى مع التوجهات العلمانية الأخرى بالمجتمع، فالخطب بالمساجد تدعو إلى التضامن الاجتماعي والانضباط، كما أن التعاليم الإسلامية تدعو إلى الرقي في التعامل الإنساني وإلى الاحترام المتبادل والتعاطف مع الفقراء، ويقوم الخطاب الإسلامي الرسمي في تركيا بتطوير فلسفة «الإنسانية الدينية» كبديل للفلسفة الانسانية العلمانية التي تدعو إليها صفوة المفكرين. \r\n \r\n \r\n ويقول محمد نوري يلمظ الرئيس السابق لإدارة الشؤون الدينية: إن الدين هو الذي يضفي طابع الإنسانية على البشرية». وفي تركيا نحو 77 ألف مسجد، وهو عدد يكفي لأداء الأتراك لشعائرهم الدينية، على حد قول المؤلف. وقد طلبت ادارة الشؤون الدينية من المسلمين الامتناع عن التبرع لبناء المزيد من المساجد وتوجيه تبرعاتهم بدلاً من ذلك لبناء المدارس. ولدى الادارة 80 ألفاً من الأئمة والعاملين في المساجد معظمهم يتلقون مرتبات متواضعة. \r\n \r\n \r\n ولم تمنع النسبة المنخفضة إلى حد ما للمتشددين الاسلاميين في تركيا المدافعين عن العلمانية من الخوف على مستقبل تركيا، كما لم تقلل من صرامة القوات المسلحة التي تعتبر نفسها القوة التي تحافظ على استمرار الجمهورية العلمانية الحديثة، وعندما فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات قام الجيش بحملة اعتقالات واسعة للمشتبه فيهم مما يعتبرهم «رجعيين» وأظهرت التحقيقات قيام 3500 منهم بأنشطة «رجعية». \r\n \r\n \r\n كما تحرص القوات المسلحة التركية على طرد الضباط الذين تكون لهم علاقات مع الجماعات الإسلامية، ويرى الليبراليون والسياسيون الاسلاميون ان الجيش يبالغ في تضخيم الخطر الذي يهدد الدولة من جانب من يصفهم ب «الرجعيين»، ويطالبون بضرورة ابتعاد القوات المسلحة عن الشؤون السياسية، وأن تتلقى أوامرها من الحكومة المنتخبة. وعندما حاول أحد الصحافيين اثارة رجب طيب أردوغان نتيجة للعمليات التي يقوم بها الجيش ضد الإسلاميين، رد أردوغان قائلاً: «إنه جيشنا». \r\n \r\n \r\n وفي استطلاع للرأي نشر في أغسطس 2003 قال 88% إن القوات المسلحة هي أكثر المؤسسات التي تحظى بالثقة في تركيا وهي أعلى نسبة يحصل عليها أي جيش في الدول التي تسعى للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي الشهر نفسه، قام البرلمان في أنقرة بتعديل الدستور لخفض دور مجلس الأمن القومي الذي أصبح «نظرياً» مجرد هيئة استشارية. \r\n \r\n \r\n وعلى الرغم من ان القوات المسلحة التركية لم يتم اختبار كفاءتها في حرب شاملة منذ قيام الجمهورية، فإنها تتابع باستمرار أحدث اتجاهات الفكر العسكري في الولاياتالمتحدة ودول «الناتو» الأخرى، كما تتم بصورة مستمرة إعادة النظر في الهيكل التنظيمي والتدريبي للقوات. \r\n \r\n \r\n \r\n كما يتلقى الضباط دورات تدريبية مكثفة بعد تخرجهم من الكليات العسكرية المختلفة، وقد تم السماح بدخول المرأة لأول مرة الكليات العسكرية في عام 1992 وبلغ عدد الطالبات 150 طالبة خلال العام الدراسي 2002 2003 ، وعند التخرج تتولى الضابطات مهام غير قتالية. \r\n \r\n