\r\n واذا ما تمت هذه الموافقة على انضمام تركيا الى عضوية الاتحاد الاوروبي, فان ذلك سيكون لسببين رئيسيين اولهما ان تركيا بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قد دخلت مرحلة ايجابية من التحولات الديمقراطية واستجابت الى معظم المتطلبات والشروط التي تتفق وانتقال تركيا الى النادي الاوروبي الموحد, خاصة ان اردوغان ومنذ تسلمه هذا المنصب في شهر آذار من العام الماضي, دفع بلاده مسافة ابعد على طريق التحول الديمقراطي وباعتراف معظم زعماء القارة الاوروبية. اما السبب الثاني الذي سيجعل الاوروبيين يوافقون على انضمام تركيا الى عضوية الاتحاد في قمتهم القادمة في هولندا, فيكمن في توفر القناعة لديهم بان وجود تركيا في الاتحاد لا يشكل اي خطر. \r\n \r\n فمنذ ان تسلم اردوغان السلطة في انقرة, فإنه استطاع ان يثبت للجميع انه اكثر التزاماً بالديمقراطية من اي من الزعماء الاتراك السابقين الذين كانوا يصفون انفسهم بأنهم علمانيون والذين اساؤا استخدام سلطاتهم واساؤا بالتالي لحكم تركيا طوال عقد التسعينات من القرن الماضي. فهو قد ضمن تمرير تشريعات وقوانين لتعديلات دستورية تتفق ومطالب الاوروبيين مثل الغاء عقوبة الاعدام والمحاكم الامنية التي يسيطر عليها الجيش. كما الغى القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير السياسي واعاد الميزانية العسكرية الى السيطرة المدنية لاول مرة في تاريخ تركيا, كما وافق على البث التلفزيوني باللغة الكردية, وفي الوقت نفسه انهى ثلاثة عقود من الرفض والتعنت التركي في التعامل مع القضية القبرصية, مثلما انهى التوتر التركي - اليوناني بفاعلية كبيرة. \r\n \r\n واذا كان الاوروبيون يعتبرون اردوغان من النشطاء الاسلاميين البارزين في تركيا ويتزعم حزب العدالة والتنمية ذا التوجهات الاسلامية فإنه وخلال اقل من عام نجح في تغيير هذه الصورة وبأن تركيا رغم كونها اسلامية العقيدة فإنها تفصل الدين عن الدولة وتنتهج الطريق العلماني الديمقراطي, فهو بالرغم من التزامه بالعقيدة الاسلامية كديانة سماوية فإنه يدفع ببلاده نحو الديمقراطية. واذا كان تصويت قادة الاتحاد الاوروبي القادم, مهما لاوروبا, فإنه مهم ايضاً وبنفس القدر لتركيا, حيث يشكل فرصة للاوروبيين لكي يواجهوا مخاوفهم من الاخرين والخروج من قرون طويلة من العداء والشكوك الموجهة ضد المسلمين. \r\n \r\n ويتفق المحللون والمراقبون الغربيون في الرأي على ان امل العضوية الاوروبية الكاملة هو السبب الرئىسي والحقيقي الذي من شأنه ان يجعل اروروبا تواصل التحرك بعزم نحو تحقيق الديمقراطية, الامر الذي يعني ان اوروبا كان لها بالفعل تأثيرات ايجابية كبيرة في حياة الاتراك. وهذا بحد ذاته يعتبر مثالاً مهماً على كيفية تأثير الدول الديمقراطية وممارستها لنفوذها من اجل دعم مسألة الحرية خارج نطاقها. \r\n \r\n واذا كانت غالبية الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي تؤيد انضمام تركيا الى النادي الاوروبي الموحد, فإن قلة من الاوروبيين لا يزالون يشككون في ذلك, ويرى هؤلاء المتشككون بأن تركيا لا تزال في ركب التنمية ويمكن ان تشكل عامل تنغيص لهم بحيث تستطيع امتصاص قدر وافر من الاموال الاوروبية وتوظيفها في المشاريع الانمائية, كما ان تركيا دولة فقيرة مقارنة مع دول الاتحاد الاوروبي الاخرى, ويمكن للكثيرين من مواطنيها ان يندفعوا غرباً مسببين بالتالي اضطرابا في اسواق العمالة الاوروبية. ويرفض هؤلاء المتشككون نتيجة لذلك منح تركيا العضوية الكاملة داخل الاتحاد الاوروبي ويقترحون في المقابل على الاتحاد بأن يعرض على تركيا ما هو اقل من العضوية الكاملة. \r\n \r\n وبينما يصر اردوغان واقطاب حكومته وحزبه على انهم ديمقراطيون محافظون وعلمانيون, وليسوا اسلاميين من حيث التشدد والتطرف في العقيدة, فإنهم لا يسعون الى توسيع نطاق النفوذ الديني ليشمل الحياة العامة, حيث يسود جدل كبير وواسع في تركيا حول مدى صدق وصحة هذه الطروحات. \r\n \r\n ومع ذلك فإن الكثيرين من العلمانيين الاتراك يتخوفون من النهج الذي يسير عليه اردوغان. ويتساءل هؤلاء بين الحين والاخر, وفي السر تارة والعلن تارة اخرى: هل يحاول اردوغان تجاوز النظام العلماني الذي رسخه مؤسس الدولة التركية الحديثة كمال اتاتورك في فترة العشرينيات من القرن الماضي والذي تحولت المدارس والجامعات الحكومية من خلاله من النظام الاسلامي الى النظام العلماني?, وهل يريد ان يدفع تركيا الى الاتحاد الاوروبي لانه بهذا سيجبر الجيش والعسكر, باعتبارهم الاكثر تشدداً في الدفاع عن العلمانية, على التراجع الى الهوامش بشكل يسمح له بإعادة تشكيل تركيا من جديد?. \r\n \r\n للاجابة على هذه التساؤلات, كان لا بد من العودة الى الوراء قليلاً وبالتحديد الى عام 1999 عندما ادانت محكمة تركية اردوغان الذي كان يتولى منصب محافظ مدينة اسطنبول في حقبة التسعينات في القرن الماضي, وذلك بدعوى تهديد النظام العلماني بعد القائه قصيدة شعرية حماسية تمجد الاسلام والعقيدة الاسلامية, رغم ان الجميع كانوا يعلمون بأن تهمته الحقيقية كانت تشكيل حركة سياسية على اسس دينية وعقائدية. وهذه الادانة القضائية ادت الى عزل اردوغان من منصبه واصدار حكم بالسجن لمدة اربعة اشهر ومنعه من شغل اية مناصب عامة, وهذه التجربة المريرة ربما تكون قد اقنعته بأن تركيا تحتاج الى مزيد من الاصلاحات في الهياكل السياسية بل وربما يكون المصير الذي آل اليه الزعيم التركي الاسلامي نجم الدين اربكان الذي اصبح في عام 1995 اول رئيس وزراء اسلامي لتركيا واول من يتبنى علناً سياسات مناهضة للغرب, والذي اجبره العلمانيون المتخوفون من توجهاته الاسلامية بقيادة الجيش, على ترك منصبه بعد عام واحد فقط من توليه هذا المنصب, فبعد تلك المواجهة قاد اردوغان مجموعة من متمردي الحزب الذين ارادوا نزع سيطرة حرسه القديم عليه لكنهم فشلوا, فما كان منهم الا ان تركوه واسسوا حزبهم الجديد. هذا التسلسل للاحداث سمح لهم بترك الكثير من الاسلاميين التقليديين وراءهم وجذب الاصلاحيين الى صفوفهم بعد ان نجحوا في اقناع الاتراك بأنهم يمثلون شيئاً جديداً في تركيا, وبأنهم يمثلون حزباً جذوره اسلامية وهياكله ومؤسساته علمانية, ومن خلال هذا الطرح تمكن اردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه من تحقيق نصر كبير في انتخابات عام 2002 القومية. وفي شهر آذار من العام الماضي اعادت محكمة تركية الحقوق السياسية لاردوغان وتسلم منصب رئاسة الحكومة بعد ايام قليلة فقط من تصويت البرلمان التركي بمنع القوات الامريكية من استخدام الاراضي التركية او عبورها لغزو العراق. وهكذا خرج اردوغان من السجن الى مكتب رئاسة الحكومة في اقل من اربع سنوات ومنذ ذلك الوقت تصاعدت شعبيته وبشكل متسارع. \r\n \r\n ولكي يتمكن اردوغان من اقناع الاوروبيين بأن تركيا قد تغيرت بعمق, فإنه شرع في ازالة مخاوفهم وبخاصة تلك المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان, حيث حقق على هذا الصعيد تقدماً كبيراً. \r\n \r\n اما فيما يتعلق بالوجه الاخر الذي يقلق الاوروبيين في الحياة التركية, فإنه تمثل في التوجه القديم المدفوع بقوة من جانب بعض التيارات القوية داخل حزبه, والخاص بإبقاء المرأة ضمن دورها التقليدي داخل البيت والاسرة. \r\n \r\n كما ان الاوروبيين يتخوفون كذلك من تعامل الحكومة التركية مع الاكراد في جنوب شرق تركيا, رغم ان هذه المخاوف قد بدأت تتبدد وتتلاشى تدريجياً في اطار التوجهات الجديدة للحكومة التركية, ففي تلك المناطق التي يتواجد فيها الاكراد في تركيا, يسود مزيد من الامل على بلورة الهوية الكردية للانسان الكردي, من حيث تعليم اللغة الكردية في المدارس واطلاق سراح الناشطين الاكراد في منظمات الدفاع عن حقوق الانسان من السجون والمعتقل \r\n \r\n »دي فيلت« الالمانية