\r\n لكن منذ ذلك الفوز الكبير الذي حققته على طريق اقتحام حلبة المنافسة الترشيحية، فقد بدأ نجمها في الذبول والأفول، بسبب تكتيكاتها الشعبوية المفارقة للتقاليد، وبسبب تلقائيتها العاطفية، مصحوبة باستشاراتها الشعبوية غير محسوبة العواقب، بشأن ما يريده الناخبون الفرنسيون من حكومتهم الجديدة المقبلة. وتضاف إلى نقاط الضعف والهنات المجتمعة، اللامهنية وانعدام الاحتراف الذي طبع تنظيمها وإدارتها لحملتها الانتخابية حتى الآن. \r\n وقد كانت هذه اللامهنية سبباً مباشراً في تأخر طرحها لبرنامجها الانتخابي، الذي تكشف أنه يحتوي على 100 مقترح يتعلق باللامركزية، والرقابة العامة على الأداء التنفيذي الإداري للجهاز الحكومي، وإصلاح النظام التعليمي، بما في ذلك الحزم والتشدد في التعامل مع الطلاب المتهرِّبين من الدراسة، إلى جانب ما ضمه البرنامج من وعود سخية للعاطلين عن العمل، وحديث عن جبْر كسور الفاقد التربوي من الطلاب الذين يغادرون صفوف الدراسة لعدة أسباب، بما في ذلك تقديم العروض المعفاة من الفوائد لهم، تمكيناً لهم من إنشاء مشروعاتهم الاستثمارية الخاصة. إلى ذلك يشمل البرنامج أيضاً وعوداً بهراجة مماثلة للكثير من الفئات المهمَّشة والمستضعفة والمعاقة، من شرائح المجتمع الفرنسي العريض. \r\n بيد أن أكبر عقبة اعترضت طريق سيغولين، تشكلت أمامها عبر سلسلة من الرحلات الأجنبية التي قامت بها دون تخطيط وتروٍّ كافيين، في مسعى منها لإسكات الانتقادات الموجهة إليها، فيما يتصل بنقص خبرتها بالشؤون والعلاقات الدولية. والمؤسف أن تلك الرحلات أكدت تلك الانتقادات وأثبتتها، بدلاً من أن تنفيها. وكان يمكن لرويال تفادي هذه الكارثة لو أنها أدركت وقنعت بأن جل خبرتها السياسية في شؤون الإدارة والحكم، إنما يقتصر على الشؤون الداخلية، بينما استبقت المنتقدين وقطعت ألسنتهم بإعلان مبكر عن عزمها اختيار عضو اشتراكي رفيع المستوى وشديد الدربة والحنكة في مجال العلاقات الدولية، لتولي منصب وزير الخارجية. \r\n ولكونها لم تفعل، فقد جاءت النتيجة كارثية وسيئة، حسبما تعكسه آخر استطلاعات الرأي العام الانتخابي بشأنها. فبعد أن كانت رويال تتقدم على منافسها اليميني ساركوزي بعشر نقاط على الأقل، في بداية انطلاق حملتها الانتخابية، ها هي الآن تتأخر عنه بعشر نقاط بالضبط، مع وجود نسبة 45 في المئة من الناخبين المحتمل إدلاؤهم بأصواتهم لصالحها في المعركة الانتخابية الحاسمة (الشوط الثاني)، مقابل 55 في المئة ممن يحتمل تصويتهم لصالح ساركوزي في المعركة الفاصلة نفسها، حسبما تقضي بذلك الأعراف والتقاليد الانتخابية الفرنسية الراسخة. \r\n لكن وقبل أن يتنفس ساركوزي الصعداء، وتكتمل فرحته بهذه النتائج الطيبة المبشرة، التي أسفرت عنها آخر استطلاعات الرأي العام الفرنسي حول المعركة الانتخابية، إذا باستطلاعات أخرى متزامنة، تكشف عن مفاجأة مثيرة لغمِّ وهمِّ ساركوزي وحزبه اليميني، بعد يوم واحد فحسب من الإعلان عن النتائج آنفة الذكر. تلك المفاجأة هي الصعود غير المتوقع مطلقاً لشعبية مرشح آخر من وسط اليمين، هو \"فرانسوا بايرو\"، وهو القانع بدوره التشتيتي التخريبي في هذه الانتخابات، حتى اللحظة السابقة للإعلان عن نتائج الاستطلاع المفاجئة هذه. وبموجب هذه النتائج، فقد حصل \"بايرو\" على أعلى مؤشرات تأييد شعبي له في هذه الجولة الانتخابية الأولى، بل وضعته هذه الشعبية، في موقف متقدم على ساركوزي نفسه وعلى منافسته رويال على حد سواء! ويعد \"بايرو\"، الرئيس الخامس والستون ل\"حزب الديمقراطية الفرنسية\"، وهو ديمقراطي مسيحي في المنشأ والأصل، فضلاً عن اختلافه الكبير عن غالبية الساسة الفرنسيين المعاصرين، لكونه ليس خريج إحدى المدارس والكليات العليا المنضوية للنظام التعليمي النخبوي المتميز في فرنسا، إلى جانب أنه ليس باريسياً أيضاً. \r\n وكل ما يتكئ عليه \"بايرو\"، هو حيازة أبويه لأراضٍ زراعية في الجنوب الغربي الفرنسي، وتخرجه هو بتخصص الآداب الكلاسيكية في جامعة \"بوردو\". وبسبب الوفاة المفاجئة لوالده، فقد تولى مسؤولية الإشراف على ممتلكات عائلته حيث أقام هناك، بينما واصل نشاطه وعمله في الجمعيات التشريعية الإقليمية، وكذلك في البرلمان الأوروبي، فضلاً عن توليه لمنصب وزير التعليم، في اثنتين من الحكومات الفرنسية المحافظة التي حكمت خلال عقد التسعينيات. \r\n يجدر بالذكر أن معظم رفاق \"بايرو\" في يمين الوسط الفرنسي، قد آثروا الانضمام إلى مؤيدي الرئيس الحالي جاك شيراك، إلا أنه هو آثر الاحتفاظ باستقلالية فريدة لنفسه، دفعت به في بعض الأحيان إلى مؤازرة خصومه الاشتراكيين، على نحو ما حدث في تصويته معهم على توبيخ رسمي وجه للحكومة الحالية، وهو موقف نظر إليه الكثير من اليمينيين المحافظين بعيون الغرابة والدهشة، وقد أدى إلى عزله عن أغلبيتهم المهيمنة بالطبع. \r\n ومن مواقع استقلاليته هذه، فهو يدعو الآن إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. وصرح بأنه في حال فوزه بالمنصب الرئاسي، ربما يعين رئيس وزراء اشتراكياً لحكومته، على أمل إخراج فرنسا من وهدة \"سياسات ما قبل التاريخ\" التي تقبع فيها الآن -كما يصفها- وهي السياسات التي طالما وسمت بالمواجهة الدائمة المستمرة بين اليمين واليسار. \r\n ومما لاشك فيه أن هذا يعد موقفاً انتخابياً جاذباً للتأييد والشعبية، إلا أن الموقف النهائي ل\"بايرو\"، في هذه المعركة الانتخابية المقبلة، مثلما هو الحال في المعارك الانتخابية الرئاسية السابقة، طالما نظر إليه على صعيد واسع، على أنه غير قابل للانتخاب والفوز، وبالتالي فقد ظل صوته صوتاً انتخابياً خاسراً على الدوام. ولكن ها هو الآن يخرج بغتة من سجن تلك الأسطورة القديمة التي ضربت حوله، في لحظة بدأ يتهاوى فيها نجم الاشتراكية رويال، بينما يتقدم منافسها اليميني المحافظ ساركوزي خطوط السباق الأمامية. فهل يفلح \"بايرو\" في اجتياز خط العبور الانتخابي الرئاسي، هذه المرة يا ترى؟! \r\n \r\n ويليام فاف \r\n كاتب ومحلل سياسي \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"تريبيون ميديا سرفيسز\" \r\n \r\n