لم تسفر المناظرة التلفزيونية بين المرشحين للرئاسة الفرنسية: اليميني نيكولا ساركوزي واليسارية سيغولين رويال عن تغيير ملحوظ في نسبة تأييد كل منها، بل بقيت لمصلحة ساركوزي الذي اعتبرت غالبية من الفرنسيين انه كان أكثر إقناعاً. وأفاد استطلاع للرأي أجراه معهد «أوبينيون واي» عقب المناظرة أن 53 في المئة من الفرنسيين وجدوا أن ساركوزي أكثر إقناعاً، في حديثه عن الملفات المختلفة التي جرى تناولها، فيما اعتبر 31 في المئة أن رويال كانت أكثر إقناعاً، وامتنع 16 في المئة عن الإجابة. وبدا ساركوزي خلال المناظرة التي طغت عليها الملفات الداخلية، أكثر وضوحاً وأكثر دقة في إجاباته من منافسته التي كانت إجاباتها أكثر إسهاباً وأكثر تعقيداً. وكانت المفاجأة أثناء المناظرة التي تابعها حوالى 20 مليون فرنسي ليل الأربعاء - الخميس، العدوانية التي أظهرتها رويال فور إجابتها على أول سؤال يوجه إليها، مما لفّ النقاش بدرجة من التوتر، بلغت ذروتها عندما انفجرت المرشحة الاشتراكية غضباً، واصفة موقف ساركوزي من استقبال الأولاد المعاقين في المدارس العامة، بالكذب واللاأخلاقية. وفيما كان الجميع يتوقع أن يكون ساركوزي هو من يضفي حدية على النقاش، فإنه بقي شديد الهدوء وقال موجهاً كلامه للمشاهدين إن «السيدة رويال فقدت أعصابها وهذا عائق بالنسبة إلى رئيس الجمهورية لأنه ينبغي أن يضبط أعصابه». شبه غياب للسياسة الدولية والملاحظ أن الموضوع الدولي كان غائباً تقريباً عن المناظرة التي استغرقت نحو ساعتين ونصف الساعة، وتم التطرق بسرعة خلالها إلى الملف النووي الإيراني والى موضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وارتكب كل من المتنافسين أخطاء في الأرقام عند حديثهما عن استخدام الطاقة النووية في فرنسا، فقالت رويال إن الطاقة النووية تمثل 17 في المئة من إنتاج الكهرباء وقال ساركوزي إنها تمثل 50 في المئة. وأوضحت مسؤولة عن قطاع الطاقة النووية إن هذا القطاع يمثل 78 في المئة من إنتاج الكهرباء في فرنسا، وبالتالي فإن الرقم الذي أدلت به رويال غير صحيح وأن الرقم الذي قدمه ساركوزي ينطبق على مجمل قطاع الطاقة في فرنسا وليس فقط الكهرباء. وبالنسبة إلى المفاعل النووي الذي أعطته فرنسا لفنلندا، فقالت رويال انه من الجيل الرابع وخالفها ساركوزي بالقول انه من الجيل الثالث، وقالت المسؤولة في القطاع النووي إن المرشحة الاشتراكية كانت على صواب. وعن قضية استقبال المعاقين في المدارس العامة، صرح مسؤول عن مؤسسة خاصة بالإعاقة إن ما قالته رويال عن إلغاء المساعدات لهم صحيح، ولكن الرئيس جاك شيراك عمل منذ 2005 على مضاعفة عدد المعاقين في المدارس. انتقادات للمرشحين ولاحظ عدد من السياسيين الفرنسيين أن المناظرة عموماً لم تكن بمستوى مرشحين رئاسيين إنما بمستوى رئيسي حكومة أو حملة اشتراعية. واقترنت اقتراحات ساركوزي بتفاصيل وأرقام واضحة، مستفيداً بذلك من الخبرة التي راكمها على مدى سنوات عمله خصوصاً الحكومي منها، وأبقت رويال الاقتراحات التي تشكل برنامجها في إطار العموميات. والمعروف أن الرهان الرئيسي لكلا المرشحين، عبر المناظرة، كان استمالة أكبر جزء ممكن من ناخبي مرشح الوسط فرانسوا بايرو وعددهم 6.8 مليون ناخب. وكانت الاستطلاعات أشارت سابقاً إلى أن أصوات هؤلاء ستجيّر بنسبة أكبر لمصلحة ساركوزي منه لمصلحة رويال. بايرو يحجب صوته عن ساركوزي لكن الموقف الذي أطلقه بايرو أمس يعيد خلط الأوراق على هذا الصعيد، إذ انه صرح إلى صحيفة «لوموند» بأنه لن يصوت لمصلحة ساركوزي، على رغم التروي والاعتدال الذي حكم موقفه في وجه «القتالية» التي أبدتها رويال. وقال بايرو: «في هذه الساعة لست أدري ماذا سأفعل». لكنه أضاف انه «بدأ يعرف ما لن يفعله». واعتبر كل من المسؤولين الموالين لهذا المرشح أو ذاك أن مرشحه هو الذي تفوق خلال المناظرة، فأعلن معاون ساركوزي الوزير بريس هورتوفو، أن المرشح اليميني «كسب المناظرة» من خلال «بادرة الهدوء واللياقة» التي التزم بها في وجه «انفعالية» رويال. وأضاف أن ساركوزي، «بدا كما هو وأعطى عن نفسه صورة شخص هادئ ومتواضع وبناء»، علماً بأن الشائع عن هذا المرشح هو التوتر وسرعة الغضب. ومن جهته خفف ساركوزي في حديث إلى إذاعة «أر تي أل» من تأثير المناظرة في اقتراع الفرنسيين في الدورة الثانية يوم الأحد المقبل. وأعرب عن اعتقاده «بأن الأمور لا تحسم استناداً إلى مناظرة، وأن قول عكس ذلك مهين بالنسبة إلى الفرنسيين، وأن ما من مناظرة في تاريخ الجمهورية الخامسة أدت إلى تحول حاسم على صعيد عملية الاقتراع. في المقابل أكد الأمين العام للحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند، وهو شريك حياة رويال، انه «فخور جداً» بها، وأن سلوكها خلال المناظرة التلفزيونية «أثّر في أذهان الفرنسيين» الذين اكتشفوا أن لديها «طباعاً قوية وقدرة على الإقناع والاقتراح». ودعت الأمينة العامة للحزب الشيوعي ماري جورج بوفيه كل «رجال ونساء اليسار إلى المزيد من التعبئة للفوز» في وجه ساركوزي وفي وجه «سياسة ستؤذي عالم العمل». وشكك مديرا حملة رويال، جان لوي بيانكو وفرانسوا ربسانم، ب «صدقية» الاستطلاع الذي أجراه»أوبينيون واي» وتساءلا: «من هو المستفيد من مثل هذا الاستطلاع؟». أما زعيم «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) جان ماري لوبين فقال إن المناظرة كانت أشبه بمواجهة بين مرشحين لرئاسة الحكومة أكثر منها مواجهة بين مسترئسين، وانه من هذا المنطلق غير نادم على دعوته ناخبيه الذين بُلغت نسبتهم حوالى 11 في المئة في الدورة الأولى إلى الامتناع عن التصويت. انقسام الصحف وانقسمت الصحف الفرنسية الرئيسة حيال نتائج المناظرة فاعتبرت صحيفة «ليبراسيون» التي نشرت على صفحتها الأولى صورة لرويال وأقرنتها بعبارة «مقاتلة»، أن ساركوزي لم يخسر، ولكن سيغولين قد ربحت. واعتبرت الصحيفة أن رويال أكدت عبر المناظرة أنها قادرة تماماً على تولي رئاسة الجمهورية مثلها مثل ساركوزي. ورأت صحيفة «لوموند» في مقال يحمل توقيع رئيس تحريرها جان ماري كولومباني أن ساركوزي لم يتأثر سلباً خلال المناظرة، لكنه حيّا «قوة الطباع» التي تمتلكها رويال والتي تحتاج إليها في معاركها. أما صحيفة «لوفيغارو» التي اختارت لصفحتها الأولى عنوان «صدمة المناظرة» فرأت أن تبادل الآراء اتسم بالحدة بين رويال الحاسمة وساركوزي المنضبط. وتابع المناظرة أكثر من 20 مليون فرنسي وهو رقم قياسي مقارنة مع 17 مليوناً تابعوا المناظرة بين الرئيس جاك شيراك ورئيس الحكومة الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان عام 2002.