\r\n وبالقدر ذاته تشددت أنقرة في قولها إن سنوات الحرب تلك، قد شهدت وقوع الكثير جداً من الضحايا، وإنها لم تكن لتخلو من وقوع العديد من المذابح الجماعية، التي كان من بين ضحاياها، الأتراك والأرمن على حد سواء. يذكر أن ذلك العنف قد وقع خلال سنوات الحرب، وكانت روسيا قد غزت تركيا في إطار المواجهة بين التحالف الغربي ودول \"المحور\". ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم، ظلت \"المسألة الأرمنية\" تحتفظ لنفسها بموضع بالغ الحساسية في السياسات التركية المعاصرة، بينما أصبح مجرد الإشارة إلى التراجيديا الأرمنية باعتبارها إبادة جماعية، من \"تابوهات\" هذه السياسة ومحرماتها. وما اغتيال الصحفي التركي الشهير، \"هارنت دينك\"، مؤخراً، سوى مؤشر قوي على مدى حساسية المسألة الأرمنية هذه. ذلك أن \"دينك\" قد كتب كثيراً ومطولاً عنها. وبحكم كونه ينحدر من أصول أرمنية، فقد أطال في كتابة القصص والتحاليل الصحفية عما أسماه بالفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الأولى، ما أثار عليه ثائرة وعداء الكثير من القوميين الأتراك. ولذلك فقد قيل إن قاتله المزعوم \"أوجان ساماست\" الذي لم يبلغ من العمر سوى 16 أو 17 عاماً فحسب، ينتمي إلى الفرع الشبابي من حزب سياسي يميني قومي صغير. \r\n \r\n يذكر أيضاً أن وزير الخارجية التركي، عبد الله جول، كان في واشنطن، وأنه كثف خلال زيارته تلك، سلسلة محادثات مع كل من الكونجرس وإدارة بوش، بغية إقناعهما بالحيلولة دون تقديم مشروع القرار للتصويت عليه داخل مجلس النواب. وليس ذلك فحسب، بل إن أنقرة بذلت ما تستطيع من جهد، لتحريك المنظمات والجماعات اليهودية الأميركية -التي تعد من أقوى أنصار تركيا وحلفائها في الكونجرس الأميركي- ولدفعها في سبيل وقف التصويت على مشروع القرار المذكور. وبسبب تلك الضغوط التركية، فقد وضعت هذه المنظمات والجماعات اليهودية، في موقف حرج للغاية. فعلى رغم الصداقة الدولية التي تربط ما بين تركيا وإسرائيل، فإن اعتراض هذه الجماعات على ما أَصر الأرمن على وصفه ب\"جرائم الإبادة الجماعية\"، سيضع الجالية اليهودية في موقف سياسي أخلاقي يصعب تبريره أو الدفاع عنه. \r\n \r\n ويلاحظ أن هذا التوتر السياسي بشأن \"المسألة الأرمنية\"، يأتي في وقت تتسم فيه السياسات التركية بقدر كبير من الحساسية والتوتر أصلاً. ففي مايو المقبل، يتوقع أن ينتخب البرلمان التركي رئيساً جديداً للبلاد، يعقبه إجراء انتخابات عامة لانتخاب برلمان جديد في 4 نوفمبر المقبل. ولما لم يكن مستبعداً انتخاب رجب طيب أردوجان، رئيس الوزراء الحالي، للمنصب الرئاسي، فإن ذلك يعني احتمال أن يحل رئيس إسلامي لتركيا، في المكتب الرئاسي العلماني، وهذا ما لم يحدث من قبل مطلقاً على امتداد الحياة السياسية التركية المعاصرة. بل يذهب منتقدو أردوجان ومعارضوه، إلى القول إنه هو وأعوانه، بدأوا يتسللون خلسة ويواصلون نشاطهم الرامي لتغيير الدستور العلماني للبلاد، الذي سنه الزعيم المؤسس أتاتورك. لكن وفيما لو أوشك ذلك على الوقوع فعلاً، فسرعان ما سيتدخل الجيش التركي، الذي يعد حارساً لبوابة التراث العلماني الذي خلفه أتاتورك وراءه. \r\n \r\n وتأتي إثارة \"المسألة الأرمنية\"، في وقت تتسم فيه علاقات أنقرة بكل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بالتوتر أيضاً. ولشد ما تبدي تركيا ضيقاً وتبرماً من عجز واشنطن عن وضع حد لنشاط ما تسميه بالنشاط الإرهابي ل\"حزب العمال الكردستاني\" الذي لا يزال يواصل هجماته العدوانية ضدها، من داخل أراضي شمال العراق. وبسبب تواتر وقوع هجمات العنف والإرهاب داخل مدنها، فقد بدت تركيا أكثر قلقاً من استقلال إقليم كردستان العراقي، خاصة مع احتمال ضم مدينة كركوك إليه، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى زيادة مطالب الانفصال في صفوف الأكراد الأتراك. ومع احتمال التصويت على قرار \"الإبادة الجماعية\"، يضاف بعد آخر اليوم لتوترات العلاقة ما بين واشنطنوأنقرة. \r\n \r\n \r\n