\r\n غير أن ذلك الأمل الذي حجبه انتشار الأسلحة النووية إلى أربع دول جديدة، زاد من تلاشيه إعلان بريطانيا في الأسبوع الماضي عزمها إنفاق حوالى 20 مليار جنيه إسترليني (39 مليار دولار أميركي) لاستبدال غواصتها القادرة على إطلاق الصواريخ الرادعة المعروفة باسم \"تريدنت\". هذا النظام الجديد الذي تنوي بريطانيا استحداثه، يقول رئيس الوزراء توني بلير، سيمنح \"ضمانة\" أساسية ضد الأخطار في عالم متغير. وقد أحدث الإعلان عن هذه الخطة انقساماً في الرأي العام البريطاني بين مؤيد ومعارض ما دفع الخبراء في كلا الجانبين إلى الاتفاق على ضرورة التفكير في إطار عالمي جديد للأسلحة النووية متفق عليه من قبل جميع الأطراف الدولية. \r\n \r\n \"فرانك بارنابي\"، عالم الفيزياء النووية الذي شهد تجربة نووية منذ أكثر من خمسين عاماً، يقول مبدياً معارضته للمشروع البريطاني: \"عندما انتهت الحرب الباردة انتعش أمل، أو افتراض بأن السبب الرئيسي للاحتفاظ بالأسلحة النووية قد اختفى، ولم يعد هناك مبرر للإبقاء عليها، إلا أن ذلك لم يحدث\". ولفترة معينة بدت القوى النووية الخمس المعروفة –روسياوالولاياتالمتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا- وكأنها مستعدة لاعتناق روح نزع السلاح النووي. فقد انخرطت روسياوالولاياتالمتحدة في مفاوضات ترمي إلى تقليص ترسانتهما من الأسلحة النووية على أمل التخلص منها نهائياً، كما قل الحديث عن سياسة الدمار المتبادل الذي كانت تعتمد عليها القوى النووية لردع خصومها. لكن يبدو اليوم أن الاتفاقات المحورية بشأن الأسلحة النووية مثل معاهدة عدم الانتشار النووي، بدأت في الانفراط. فقد وافق الكونجرس الأميركي يوم الجمعة قبل الماضي على تمرير قانون يقفز على السياسة التي اتبعتها الولاياتالمتحدة طوال الثلاثين عاماً الماضية وتحظر التعاون النووي مع الهند لعدم توقيعها على معاهدة حظر الانتشار النووي. \r\n \r\n وبالإضافة إلى الهند ثمة باكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية وهي دول لا أحد يشك في امتلاكها لقدرات نووية، فضلاً عن التطلعات النووية لإيران. وها هي القوى النووية الخمس تنكب على تحديث ترسانتها النووية مانحة نموذجاً سيئاً للدول الأخرى التي تطالبها بالتخلي عن برامجها النووية. وفي هذا السياق يقول الدكتور \"بارنابي\": \"إنك لا تستطيع أن تحصل على الأمرين معاً: أن تبقي على ترسانتك النووية وتطالب الآخرين بنزع سلاحهم. فإما أن تتخلى نهائياً عن أسلحتك النووية، أو أن انتشارها سيزيد في العالم مهدداً في يوم من الأيام باستعمال إحدى تلك الصواريخ المدمرة\". وفي معرض دفاعها عن خطوتها، تشير بريطانيا إلى أنها بصدد التقليص من عدد رؤوسها النووية من 200 إلى 160 رأساً ليصبح لديها في النهاية أقل من 1% من عدد الرؤوس النووية في العالم. ويجادل المدافعون عن الخطوة البريطانية أيضاً بأن تحديث البرنامج النووي سيساعدها على لعب دور \"القوة الخيرة\" في العالم، كما أن تلك الأسلحة ستردع الأعداء في المقبل من السنوات. وبالطبع يدافع \"مايكل كوينلاند\"، وزير الدفاع البريطاني السابق عن المشروع بقوله: \"إن التخلي عن الأسلحة النووية في هذا الوقت الذي يشهد فيه العالم العديد من الاضطرابات هو أمر خطير\". \r\n \r\n أما المعارضون للخطة البريطانية التي تسعى إلى تحديث الغواصة النووية والذين يشكلون ثلثي الشعب البريطاني حسب استطلاعات الرأي، فهم يرون أن الأسلحة النووية لن تعالج الأخطار الحقيقية المرتبطة بالتغير المناخي والإرهاب. وفي هذا السياق يقول \"بروس كينت\"، نائب رئيس الحملة من أجل نزع السلاح النووي \"إنه بصرف النظر عن المسألة الأخلاقية واستعدادنا لقتل مئات الآلاف من الأشخاص، فإن الأسلحة النووية لا تسهم في تعزيز الأمن، بل بالعكس إنها تقوض الأمن\"، مضيفاً \"إن إصرارنا على تحديث السلاح النووي يبعث بإشارة خاطئة إلى كل من يبحث عن نفس الضمانات الأمنية\". ولم يتأخر رد القوى الكبرى غير النووية في العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث صرح مسؤول كبير في جنوب أفريقيا، التي كانت أول دولة تتخلى طواعية عن قدراتها النووية، بأن الخطوة البريطانية تنطوي على ازدواجية في المعايير شبيهة بمثال المدخن الذي ينصح العالم بالإقلاع عن التدخين لأنه مضر بالصحة. وقد حذر وزير الخارجية الألماني \"فرانك والتر شتانماير\" من أن مسألتي عدم التسلح والانتشار النووي هما وجهان لعملة واحدة، ما يعني أنه من دون نزع القوى النووية لأسلحتها فلا يمكن إقناع باقي الدول بالتخلي عن برامجها النووية. \r\n \r\n وبالرغم من أن معاهدة عدم الانتشار النووي التي وقعت عام 1968، وعززت في 1996 من خلال قرار محكمة العدل الدولية تحث الدول النووية على ضرورة الدفع بمسألة نزع سلاحها، فإن ذلك لم يحصل في أي وقت من الأوقات. وينتظر الخبراء المراجعة التي ستجرى على المعاهدة في 2010 لتجديد الدعوة إلى تكثيف التعاون الدولي في مجال عدم الانتشار النووي. ويقول \"دان بليتش\"، وهو محلل عسكري مناهض للانتشار النووي: \"يجب أن يتحول موعد مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي بحلول 2010 إلى فرصة لعقد قمة دولية حول الموضوع\". وفي السياق نفسه يؤكد \"لي ويليت\"، رئيس برنامج الدراسات البحرية في المعهد الملكي البريطاني في لندن، أنه بانضمام دول أخرى إلى القوى النووية الحالية: \"يكون المارد النووي قد خرج من قمقمه، ولا توجد طريقة لإعادته سوى من خلال إطار دولي متعدد الأطراف يعالج مسألة الانتشار النووي\". \r\n \r\n مارك رايس أوكسلي \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في لندن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n