\r\n ولكن إنْ نظرت إليها باستخفاف- ربما على شاكلة استخفاف العديد من الناس بخطاب بوش حول \"محور الشر\"- فإنك ربما لم تنتبه إلى ما يميز استراتيجية أقوى زعماء أميركا اللاتينية وأكثرهم إثارة للجدل. بل ربما لست المستهدف من حديث تشافيز أصلاً. فوراء التصريحات الفضفاضة واللمز بالألقاب دعوةٌ صيغت بدقة وعناية موجهة إلى جماهير أميركا اللاتينية. ذلك أن رؤية هوغو شافيز يقف أمام منبر الأممالمتحدة ويهاجم زعيم الولاياتالمتحدة أمام العالم، تمثل بالنسبة للعديد من سكان أميركا اللاتينية إنجازاً أكبر وأهم من الفوز بكأس العالم. \r\n \r\n والواقع أن استعمال تشافيز للرمزية الدينية، ليس مصادفة بالطبع. ففي فنزويلا، يطلق شافيز على المحطات الإعلامية الأربع الحرة التي تعارضه: \"الفرسان الأربعة المذكورين في الإنجيل\". كما يتهم الزعماء الكاثوليك الذين ينتقدونه بأنهم مسكونون بالجن وفي حاجة إلى من يخلصهم منه. وقد جعل هذا الخطاب الديني شافيز يحظى بإعجاب وتقدير سكان أميركا اللاتينية الكاثوليك؛ حيث يرى العديد منهم شافيز– مثلما يرى شافيز نفسه- شخصية مسيحانية جاءت لتنتشل أميركا اللاتينية من تاريخ تبعيتها الطويل للعالم المتقدم. بل إن بعض رجال الدين ذهبوا إلى حد القول إن شافيز مبعوث إلهي. \r\n \r\n ولئن كان بالإمكان انتقاد شافيز على اعتبار أنه يتزعم نظاماً دمر النقابات العمالية، ويضيق على حرية التعبير، وينخره الفساد، فلا يمكن إنكار أن الرئيس الفنزويلي خطيب بارع وشعبوي من الطراز الأول. ذلك أن الخطابة هي إحدى نقاط قوة شافيز الذي يمتاز بالقدرة على التأثير في عواطف الناس وأفكارهم، ويجعلهم يشعرون أنه بإمكانهم أن يصبحوا جزءا من شيء أكبر وأن يلعبوا دوراً في التاريخ عبر الانضمام إلى قضيته. \r\n \r\n أما العنصر المهم الثاني في نجاح استمالة شافيز لسكان أميركا اللاتينية فهو حسه القومي، الذي يجسده توظيفُه لسيمون بوليفار كرمز سياسي. فقد أعاد شافيز تسمية فنزويلا إلى \"جمهورية فنزويلا البوليفارية\"؛ وقيل عنه إنه يخصص مكاناً لبوليفار على مائدة العشاء. \r\n \r\n فعلى غرار بوليفار الذي طرد الإسبان من معظم أميركا اللاتينية، يريد شافيز طرد نفوذ الولاياتالمتحدة من المنطقة، وهي فكرة يرحب بها الملايين من سكان أميركا اللاتينية الذين يرون في دعم واشنطن الطويل للنموذج الليبرالي الجديد- القائم على المزاوجة بين الخصخصة والتجارة الحرة وسياسات التقشف- سبب ما أطلق عليه الرئيس الفنزويلي السابق كارلوس أندريس بيريز اسم \"قنبلة النيوترون\" التي تهدد سياسة التنمية في العالم الثالث، سياسة \"قتلت البشر، ولكنها لم تلحق الأذى بالمباني\". \r\n \r\n ولئن كان سجل الولاياتالمتحدة في المنطقة لا يبعث على الافتخار، فإن إدارة الرئيس بوش- في ظل حربها غير الشعبية على العراق، وسجلها في مجال حقوق الإنسان المثير للجدل، وإهمال أميركا اللاتينية- منحت شافيز كل الوقود الذي يحتاجه لإلهاب المشاعر وتأجيج النار. \r\n \r\n وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت إدارة بوش المنهكة بالحرب على الإرهاب- ولاسيما وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات الأميركية- أنها عاجزة تماماً عن إعاقة شافيز في وقت يقوم فيه بشراء الأسلحة، وإنشاء مليشيا قوامها مليون رجل، ونسج علاقات سياسية (بفضل دبلوماسية النفط)، وتناول وجبة الغداء مع فيديل كاسترو، ومواصلة نشر رسالته الإيديولوجية عبر العالم. \r\n \r\n باختصار، يمكن لشافيز المضي قدماً في تنفيذ أجندته اليسارية- انتقاد بوش بلا هوادة- دون خوف من الانتقام. وإذا كان البعض قد يضحك الآن من شافيز، فمن شبه المؤكد أن تتم إعادة انتخابه في ديسمبر لولاية أخرى من ست سنوات. بل إنه ذهب إلى حد التلميح إلى رغبته في تغيير الدستور حتى يمكنه البقاء في السلطة إلى عام 2021. وعليه، فيمكن القول إن المشاغب الذي يجلس على أكبر احتياطي نفطي خارج منطقة الشرق الأوسط لن يرحل قريباً! \r\n \r\n بريان نيلسون \r\n \r\n أستاذ بجامعة ميامي في أوكسفورد، ولاية أوهايو \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n