\r\n إنه ليس بصدام حسين، إلا أن ما يحدث هنا يبدو مألوفاً على نحو غريب. فثمة رجل قوي نفخ فيه شيطان الثراء النفطي واستكبر وراح يتحدى الولاياتالمتحدة، ثم ما لبث أن سخر ثروة النفط لإعادة تجديد ترسانة أسلحته ولتعزيز قوته. \r\n \r\n وكان الصحافي جون بيلجر قد بعث برسالة إلى برنامج أخبار القناة الرابعة يشتكي فيها من التقرير ويقول: "لقد التحق التقرير بذلك الضرب من الهستيريا والهوس في الولاياتالمتحدة، ناهجاً أجندة إدارة بوش في "تصنيف" فنزويلا باعتبارها "دولة مارقة" وخطراً يهدد مصالح الولاياتالمتحدة، أو بعبارة أخرى لا بد من تمهيد السبيل لشن الهجوم، فإذا حدث الهجوم فإن روغمان وأمثاله يتحملون مسؤولية هذا أو شطراً منه". \r\n \r\n وفي الحقيقة فإن الهستيريا تعربد في أمريكا وتصول وتجول، فقد اكتشفت "مؤسسة الدقة والانصاف" في كتابة التقارير الصحافية، وهي مؤسسة أمريكية ترصد أداء الإعلام ان 95% من نحو مائة تعليق صحافي أمريكي يغطي السياسة الفنزويلية خلال الشهور الستة الأولى من عام ،2005 قد عبرت بجلاء لا لبس فيه عن عداوة تكنها لشافيز. فها هي "الوول ستريت جورنال" تنعت شافيز ب"الطاغية" وتصنفه بأنه "الرجل القوي"، وتزعم أنه هو الذي تولى تقويض الديمقراطية في فنزويلا. وأما صحيفة "لوس انجلوس تايمز" فقد وصمت شافيز بأنه "ديكتاتور في طور التخلق والنشوء" وراحت تزعم انه ضالع في "تكتيكات غير ديمقراطية". ومع ذلك فإن الحكومة الفنزويلية وبرنامجها في التغيير حظيت بمباركة جمهرة الناخبين في فنزويلا، وأقرت نهجها ومنحته الثقة سبع دورات انتخابية مستقلة حرة واستفتاءات شعبية. \r\n \r\n فشافيز، الذي انتخب أول مرة في عام ،1998 شن حملات ضخمة واسعة النطاق وصفت بأنها "بعثات بوليفية" مفعمة بروح الثورة (إذ شبهوه بالثائر الفنزويلي سيمون بوليفار)، ليقارع المرض ويكافح الأمية ويحارب الفقر وسوء التغذية وغيرها من العلل الاجتماعية والأسقام. وبعد توليه المنصب بسنة ونصف السنة في بلد يبلغ تعداد سكانه 25 مليون نسمة، نجح شافيز في تحرير قرابة مليون ونصف المليون إنسان من ربقة الأمية فتعلموا القراءة والكتابة، كما التحق 3 ملايين شخص حرموا سابقاً من فرصة التعليم لضيق ذات اليد بسلك نظام التعليم. ويتاح حالياً لنحو 70% من السكان الاستفادة من نظام الرعاية الصحية، في حين يحظى نحو 45% من الأهالي بالطعام المدعوم من الحكومة. وتجادل الاستاذة جوليا باكستون، الخبيرة البريطانية المتخصصة في الشؤون الفنزويلية بأن حكومة شافيز: "جلبت الفئات التي كانت مهمشة من المواطنين في فنزويلا والناس الذين عانوا طويلاً من الإقصاء الاجتماعي وأتت بهم الى العملية السياسية ودمجتهم في صلب السلطة التي أسبغت عليها طبيعة ديمقراطية". \r\n \r\n ولكن المساعي الثورية لاجتثاث الفقر والمحاولات الجذرية الجادة الرامية لانتشال المعدمين من معاناتهم الأبدية من ثالوث الفقر والجهل والمرض، والارتفاع بمستوى معيشة فقراء أمريكا اللاتينية، لا تروق للنخب الأمريكية ولا ترحب بها، بل تنظر إليها شزراً وتناصبها العداء. \r\n \r\n ويصر شافيز على اتهام أمريكا بأنها تخطط لغزو بلاده، ويجادل المفكر نعوم تشومسكي بأن هذا ربما يكون قد حدث فعلاً، مع أن الولاياتالمتحدة تحصد في العراق الحصاد المر، حيث تمخض الغزو عن وضع كارثي بكل المقاييس. \r\n \r\n ولا شك أن لوناً ما من ألوان العمل العسكري يمثل خياراً يمكن أن يأخذ الغرب به. ففي أبريل/ نيسان من عام 2002 أوردت صحيفة "الجارديان" تقريراً عن تورط الولاياتالمتحدة في انقلاب أزاح شافيز مؤقتاً عن السلطة أوائل ذلك الشهر. \r\n \r\n توحي الوثائق التي أفرج عنها أخيراً بأن خيار الإطاحة بزعماء اليسار قد جرى بحثه وتدبره في بلد أوثق صلة بأمريكا وأشد حميمية من فنزويلا. \r\n \r\n قضى هارولد ويلسون ثمانية أعوام رئيساً لوزراء بريطانيا قبل تقديم استقالته المباغتة في مارس/ آذار من عام 1976. وتؤكد أدلة جديدة بثتها هيئة ال"بي بي سي" البريطانية في مارس المنصرم ان ويلسون كان ولأمد طويل ضحية حملة غير مشروعة تحالف فيها العسكر ورجال الاقتصاد والأعمال الذين تضافرت مصالحهم مع المصالح الأمنية الخاصة. \r\n \r\n وقد عززت سياسات ويلسون اليسارية النكهة قوى الاتحادات العمالية ورفعت الضرائب ووضعت بعض الضوابط على الاقتصاد وحاولت الحد من الحرية الكبيرة للشركات، فاكفهر وجه النخب البريطانية وتوجست من هذه التوجهات ورأت فيها تهديداً لا يمكن احتماله. وطالب زعماء الشركات الكبرى بقيام حكومة وطنية يقودها رجال الأعمال. \r\n \r\n ووعد السير فال دونكان، رئيس شركة "ريو تينتو زينك" القطاع الصناعي مبشراً فقال: "عندما تحل الفوضى فسوف نؤمن عدداً كبيراً من المولدات الأساسية للحفاظ على استمرار الطاقة الكهربائية والحيلولة دون انقطاعها.. ومن ثم سيقوم الجيش بعدها بالدور المناسب". \r\n \r\n وكما الشأن مع شافيز، انطوى شطر رئيسي من التخطيط ضد ويلسون على تسخير آلة الدعاية السوداء وشن حملة تلطيخ للسمعة تنهشه وتشوه صورته، فقد أقدم رجال جهاز الاستخبارات البريطانية (إم أي فايف) على السطو على منازل مساعدي رئيس الوزراء، وتجسسوا على هواتفهم وتنصتوا على مكالماتهم ونشروا سيلاً من الافتراءات التي تنال من ويلسون وتقوض صيته وأتخموا وسائل الإعلام بهذه الأكاذيب ولم يتركوا منبراً إلا اعتلوه لبث دعايتهم المغرضة السوداء. \r\n \r\n فإذا كان القوم لم يفكروا فحسب بالقيام بانقلاب عسكري بل خططوا وقاموا ببروفات تجريبية للإقدام على هذا العمل، وأين؟ في بريطانيا، فلا غرو في أن نوقن بأنه ليس ثمة من روادع على الاطلاق ولا كوابح في التعامل مع أي خطر يلوح ويهدد أرباح الشركات في بلد مثل فنزويلا. \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب صحافي ومحلل سياسي \r\n \r\n يشارك في تحرير ميديا لينز \r\n