\r\n وكما هو متوقع فقد قوبل أداء شافيز في الأممالمتحدة بانتقاد مرير من وسائل الإعلام الأمريكية ذات الميول اليمينية، فكاتب العمود كولوم لينش وصف في عموده بصحيفة "واشنطن بوست" خطاب شافيز أمام مؤتمر قمة العالم بأنه كان "حديثاً فارغاً" من "الفتى الشرير" الفنزويلي ولم يكن لينش وحده الذي أبدى العداء لشافيز إذ إن الأقلام نفثت سمومها عليه من جميع الاتجاهات وعلى كثير من صفحات الصحف الصادرة في انحاء الولاياتالمتحدة المختلفة واستشهد أصحاب تلك الأقلام بتعابير مبتذلة تزدري بأي زعيم أجنبي يهاجم واشنطن أو ينتهج سياسات اقتصادية تسعى لإعادة توزيع الثروة.\r\n وفي الحقيقة، كان حديث شافيز تحليلاً رائعاً ومشبوباً بالعاطفة تناول وضع العالم والأممالمتحدة الراهن، وأشار الرئيس الفنزويلي إلى أن القصد الأصلي من التجمع تم تشويهه كلية بما يسمى بعملية الإصلاح التي طرحها ممثل الولاياتالمتحدة في المنظمة جون بولتون. \r\n وقد تمكنت مناورة إدارة بوش بنجاح من تخريب الجهود التي بذلها المجتمع الدولي من أجل تحسين حقيقي. وبالنسبة لأهداف قمة الألفية المتمثلة في تقليل الجوع والفقر والجهل فهي لن تتحقق واتضح جلياً أن مكائد بولتون نسفت عملياً مهمة الأممالمتحدة، وقد توصل شافيز خلال حديثه إلى النتيجة ذاتها حين قال: "أصدقائي قادة دول العالم، لقد استنفدت الأممالمتحدة غرضها والأمر لا يتعلق بالإصلاح. إن القرن الحادي والعشرين يتطلب تغييرات عميقة لن تتحقق إلا بتأسيس منظمة جديدة. وهذه الأممالمتحدة لن تنجح ويجب علينا أن نقول هذا، لأنها الحقيقة". \r\n ولم يكن القصد من ملاحظات شافيز الحط من قدر الأممالمتحدة وإنما لعرض رؤية مختلفة للمستقبل. وهو يدرك المتطلبات الملحة للقرن الجديد ويعرف أن الكثير من هذه المشاكل "لا يوجد لها حل وطني، ومن أبرزها: السحب الاشعاعية وأسعار النفط العالمية والأمراض وارتفاع درجة حرارة الكوكب أو الثقب في طبقة الأوزون. فهذه ليست مشاكل محلية". \r\n وتقدم شافيز بمقترحاته الخاصة للأمم المتحدة تضمنت توسيع مجلس الأمن والمزيد من الشفافية وزيادة صلاحيات الأمين العام، و"وضع حد" للسلطة المتاحة لدولة واحدة في ان تنقض قرارات يتخذها المجلس. ولكن الرئيس الفنزويلي لا يعتقد أن الاصلاحات وحدها كافية، ويصر على أن يتم تغيير المنظمة الدولية كلياً بدءاً بتغيير مقرها من نيويورك لينتقل إلى مدينة دولية تتمتع بسيادة خاصة بها. وليس هناك من مفر من منطق شافيز فإذا استمرت الولاياتالمتحدة في التأثير في قرارات الأممالمتحدة وانتهاك القانون الدولي، كما فعلت في غزو العراق يجب ألا تكون الدولة المضيفة للمنظمة الدولية. ولم يكن هدف مقترحات شافيز إذلال الولاياتالمتحدة وإنما إظهار مدى الحاجة إلى التحرك السريع بشأن الأمور ذات الاهتمام المشترك وإلا واجه العالم كارثة محققة. \r\n ويهتم شافيز اهتماماً خاصاً بهذه القضايا على الرغم من أن واشنطن تتجاهلها تماماً. \r\n ويرسم شافيز على نحو مفحم خطاً مستقيماً بين الاحتباس الحراري والدمار الذي سببه الإعصار كاترينا، حيث فقد العالم أول مدينة كبرى بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات. وربط الرئيس الفنزويلي ببراعة بين الكارثة التي وقعت والنموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد الذي يستمر في دفع العالم في اتجاه كارثي. \r\n ويمضي شافيز قائلاً: "إنه ليس بالأمر العملي أو الأخلاقي أن يضحى بالعرق الإنساني بالإصرار، بطريقة مجنونة، على سلامة وصحة نموذج اقتصادي اجتماعي لديه قدرة تدميرية هائلة. وسيكون انتحاراً ان ينشر هذا النموذج ويعرض كعلاج ناجع للشرور التي يتسبب فيها أصحاب هذا النموذج تحديداً". \r\n ودافع شافيز ايضاً عن سجله كإصلاحي ورجل يرغب في المخاطرة من أجل مصلحة شعبه، وفي ملاحظة لافتة تحدث عن التقدم الذي حققته فنزويلا منذ 11 سبتمبر/أيلول بينما إدارة بوش مشغولة باستخدام الذرائع لتنتهك القانون الدولي وبدء عدوانها على العراق. \r\n وقال شافيز: "لقد تعلم مليون ومائة وستة آلاف فنزويلي القراءة والكتابة علماً بأن إجمالي تعداد سكان فنزويلا هو 25 مليون نسمة. وسيتم إعلان خلو فنزويلا خلال أيام قليلة من الأمية. وان ثلاثة ملايين فنزويلي ممن كانوا دائماً مستبعدين بسبب الفقر يمثلون الآن جزءاً من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية والدراسات العليا. ويتلقى 17 مليون فنزويلي- يمثلون حوالي 70% من السكان- وللمرة الأولى رعاية صحية عالمية المستوى بما في ذلك الأدوية. وخلال سنوات قليلة سيحصل جميع الفنزويليين من دون مقابل على خدمات الرعاية الصحية الممتازة وهناك أكثر من مليون وسبعمائة طن من الأغذية يتم توفيرها إلى أكثر من 12 مليون شخص بأسعار مدعومة، ويمثل عدد المستفيدين من دعم الاسعار نحو نصف عدد السكان في البلاد، ويحصل مليون شخص على المواد الغذائية مجاناً بما أنهم يمرون بفترة انتقالية، وقد تم توفير أكثر من سبعمائة ألف وظيفة جديدة الأمر الذي خفض البطالة بنسبة 9 نقاط، ويتحقق هذا كله في خضم مؤامرات داخلية وخارجية بما في ذلك انقلاب عسكري وإيقاف لصناعة النفط بتدبير من واشنطن. \r\n وخلافاً لبوش يدعم سجل شافيز أداء قوي في كل مجال تقريباً من مجالات التنمية الاجتماعية، ولهذا لم يكن غريباً أن يحاول اعلام النخبة الأمريكي بكل ما أوتي من قدرة تشويه صورة الزعيم الفنزويلي. \r\n ولا شك أن خطاب شافيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سيرفع من مكانته في عيون الكثيرين كقائد جاد يقدم حلولاً حقيقية لكوكب تمزقه الحروب، ولا يضاهي ثباته الشخصي وتفاؤله إلا سلوكه غير الأناني كرئيس، حيث يعمل دون كلل لمصلحة شعبه ولتعزيز العلاقات العالمية ولا جدال أنه يستحق ما ينعم به من إعجاب في العالم أجمع. \r\n \r\n * كاتب ومحلل سياسي والنص منشور في موقع "انفورميشن كليرنج هاوس" \r\n