\r\n كانت المحاولات التي بذلها مؤيدو أوباسانجو، لإقناع المجلس التشريعي بتعديل الدستور بحيث يسمح باستمرار أوباسانجو في منصبه كرئيس لنيجيريا لأكثر من ولايتين متعاقبتين، قد اصطدمت بجدار من المعارضة الشديدة. وكانت الأنشطة الحكومية والتجارية قد توقفت تماماً هذا الربيع في ظل نضال مناصري الديمقراطية، ورجال السياسة والمشرعين المعارضين لفترة ولاية ثالثة، ضد حلفاء أوباسانجو بهدف إسقاط مشروع القانون المقترح. \r\n ولقد أدى إخفاق مؤيدي أوباسانجو إلى إحداث ثلاثة تطورات سياسية. فقد جفت المنابع التي كان الرئيس يستمد منها السلطة قبل الأوان، وارتخت قبضته على الحزب الديمقراطي الشعبي PDP بعد أن كانت ذات يوم قبضة من حديد. كما أن أحزاب المعارضة وجماعات حقوق الإنسان وآخرون من منتقدي الحكومة الذين ظلوا حتى وقت قريب واقعين تحت تأثير رعبهم من الطاغية الأعظم أوباسانجو وآلة الحزب الديمقراطي الشعبي، قد وجدوا اليوم منفذاً جديداً إلى الحياة. أما أوباسانجو المحاصر والمستشيط غضباً لأن أصدقائه في الداخل والخارج (وبصورة خاصة في الولاياتالمتحدة وأوروبا) تعمدوا خيانته فساعدوا خصومه السياسيين في وأد التعديل الدستوري في مهده، فقد عقد العزم على تسوية الحسابات والانتقام. \r\n لم تهدأ العاصفة إلا بعد أن قرر أوباسانجو إقالة الجنرال آليو جوساو، مستشاره وناصحه القوي في مجال الأمن القومي. كما بادر أوباسانجو إلى تغيير العديد من كبار الضباط العسكريين الذين كان ولاؤهم موضع تساؤل وشك. أما نجوزي أوكونجو إيويلا وزيرة المالية والعقل المدبر وراء الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة فقد أعيد تعيينها كوزيرة للخارجية، في خطوة اعتبرت عقاباً لها، نظراً لهيمنة أوباسانجو التامة على صياغة السياسة الخارجية طيلة فترة رئاسته للبلاد. \r\n لكن السبب وراء هذه الخطوة الرسمية العجيبة هو أن أوكونجو إيويلا، الخبيرة الاقتصادية سابقاً بالبنك الدولي، قد أعيد تعيينها بهدف إعدادها لمنصب أرفع في عام 2007. والمزعج في هذا الأمر أن هذه الخطوة تشير إلى نهاية قصة الحب بين الرئيس وبين الإصلاحات الليبرالية الجديدة التي قادها صندوق النقد الدولي. ولكن ليس من قبيل الصدفة أن يقرر أوباسانجو إبعاد أوكونجو إيويلا عن منصب أثبتت فيه كفاءتها وجدارتها، بل والأهم من ذلك أنها كانت مهيمنة تمام الهيمنة في مركزها: حتى أنها نجحت في قيادة المعارضة من داخل الحكومة لمشروع التعديل الدستوري. \r\n كما يسعى أوباسانجو الآن إلى إعادة توزيع الأدوار في صناعة النفط، وذلك في مناورة مزدوجة فسرها بعض المحللين باعتبارها صفعة على وجه حلفائه الغربيين ومحاولة أخيرة يائسة يخلف بها وراءه تراثاً مشرفاً باعتباره الزعيم النيجيري الوحيد الذي تمكن من ترويض الفساد في ذلك القطاع. \r\n لقد ظلت شركات النفط الأمريكية والبريطانية والفرنسية تتمتع باحتكار شبه كامل لصناعة النفط في نيجيريا. وتنتج الشركة التي أسستها رويال دوتش شِل مع الحكومة النيجيرية ما يقرب من نصف إنتاج الدولة يومياً من النفط، والذي يبلغ 2.5 مليون برميل. كما تلعب شركة شيفرون تيكساكو وشركة موبيل الأمريكيتين دوراً رئيسيا في قطاع النفط النيجيري. ومن الواضح أن سياسة أوباسانجو الجديدة تهدد هذه الهيمنة الغربية. \r\n وفي شهر إبريل الماضي دخلت الصين إلى الصورة على نحو مفاجىء ومثير، حين أعلن المسؤولون في نيجيريا أن تشاينا ناشيونال أوفشور أويل كوربوريشن CNOOC قد شاركت بحصة مقدارها 45% في أحد حقول النفط في نيجيريا في مقابل ما يزيد على ملياري دولار أمريكي. ومن المنتظر أن يضخ ذلك الحقل 225 ألف برميل يومياً حين يبدأ الإنتاج في عام 2008. كما عقد أوباسانجو اتفاقاً يحصل بموجبه على قرض يبلغ مليار دولار أمريكي من الحكومة الصينية من أجل تمويل مشاريع إصلاح السكك الحديدية في نيجيريا وشراء قاطرات ومعدات جديدة. \r\n العجيب في الأمر أن كل هذه الصفقات عقدت وما زالت الدراما الدستورية في أوجها، حين أكدت أمريكا إنها لن تساند أية محاولة من جانب الحكومة لتمديد فترة ولايتها للمنصب بصورة مخالفة للدستور. وفضلاً عن الاستقبال الحار للصين المتعطشة إلى الطاقة، فقد أعلن مسؤولو وزارة النفط عن اعتزامهم العمل على إحكام التنظيمات والقواعد المالية، وفرض عقوبات على الشركات التي ستتخلف عن تسديد الضرائب والرسوم وهي خطوات تستهدف بشكل واضح الشركات المحلية التابعة لشركات النفط الغربية العاملة في دلتا النيجر. \r\n استقبل ذلك التصريح بترحيب واسع النطاق من قِبَل عامة الشعب في نيجيريا، لكنه أثار قدراً هائلاً من السخط في دوائر صناعة النفط، كما أدى إلى التعجيل بطرح تساؤلات متهيبة بشأن المدى الذي قد تبلغه ضربات سيف أوباسانجو الغاضب في محاولاته الانتقامية، ومدى سلاسة أو تعسر انتقال السلطة السياسة. ولقد أوضح أوباسانجو أن أتيكو أبو بكر نائب الرئيس وزعيم التحالف المناهض لمشروع الولاية الثالثة، لن يخلفه بأي حال من الأحوال. لكن هذا لم يمنع أبو بكر الداهية السياسية الرهيب من عرض نفسه كرئيس محتمل للبلاد، وذلك على الرغم من عدم اليقين بشأن ما إذا كان سيزاحم رئيسه وينافسه حتى النهاية للاستيلاء على منصبه كرئيس للحزب الديمقراطي الشعبي، أو ما إذا كان يعتزم نقل معسكره إلى حزب سياسي آخر. \r\n في الواقع، لقد انقسم الحزب الديمقراطي الشعبي إلى ثلاث فصائل متحاربة، الأمر الذي أدى إلى تقليص فرص أوباسانجو إلى حد هائل في السيطرة على مسألة من سيخلفه. كما أعلن الجنرال المتقاعد محمدو بوهاري، الذي خسر المنافسة أمام أوباسانجو على منصب الرئاسة في عام 2003، عن اعتزامه المحاولة مرة أخرى في انتخابات 2007 مستعيناً بالبرنامج الانتخابي لحزب »كل الشعب النيجيري« ANPP، ثاني أكبر حزب في البلاد. لكن المشكلة أن حزب »كل الشعب النيجيري« يمر أيضاً بحالة من الفوضى والانقسام. \r\n ولقد حرص المتحدث الرسمي باسم أوباسانجو على إبلاغ الصحافيين على نحو منتظم وبصورة غير رسمية أنه يفضل خليفة من منطقة دلتا النيجر. وكان الرئيس قد عين ابن الراحل كين سارو ويوا كواحد من معاونيه الخصوصيين، في محاولة لتحسين العلاقات مع النخبة السياسية في الدلتا الساخطة المتوترة. كما يبذل أوباسانجو محاولات متلهفة لإحباط التمرد المسلح المتنامي في الدلتا، والذي يحركه الفقر المنتشر في المنطقة والضرر البيئي الذي لحق بها نتيجة لصناعة النفط. \r\n يرى بعض المحللين أن التلويح بفرصة تولي رئاسة الحزب الديمقراطي الشعبي أمام الزعامات السياسية الرائدة في منطقة الدلتا يجسد إستراتيجية أوباسانجو في الحفاظ على الاستقرار، والأهم من ذلك منع أتيكو أبو بكر أو الجنرال بوهاري من اعتلاء عرش السلطة في البلاد. وكما كانت الحال منذ اكتشاف النفط واندلاع حرب بيافران أثناء ستينيات القرن العشرين، فلسوف تظل دلتا النيجر تشكل محوراً للسياسة النيجيرية. لكن السياسة سوف تكون ديمقراطية هذه المرة. \r\n