\r\n أما حقيقة تحول العنف الطائفي العراقي إلى التحدي الأكبر الذي تواجهه كل من الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي, فتشير إلى أن مساهمة أبومصعب الزرقاوي في هذا التحول, قد أتت ثمارها الدموية المريرة سلفاً. فقد كان الزرقاوي هو من روج لفكرة النظر إلى المسلمين الشيعة باعتبارهم أعداء يجب قتلهم, بصرف النظر عن مهنهم أو أعمارهم أو جنسهم. وكان طبيعياً ألا تجد هذه السياسة قبولاً لدى مجموعات التمرد الأخرى التي ترى في قوات التحالف الدولي عدواً مشتركاً لكافة العراقيين. وقد أشكل على هؤلاء وصعب عليهم فهم سلوك الزرقاوي الذي ولغ في دماء قتلاه من الشيعة المدنيين العراقيين الذين أزهق أرواح الكثيرين منهم في هجمات عشوائية لا مبرر لها, وكذلك الحال مع المسلمين السنة في الأردن! وإذا ما صح هذا, فإن ذلك ربما يدفع هذه الجماعات باتجاه الحوار والمصالحة مع الحكومة العراقية الحالية, والعمل معها على وقف دائرة العنف الشريرة التي طوقت البلاد. غير أنه علينا ألا نغفل الاحتمال الآخر الذي ربما يترتب على مصرع الزرقاوي: أي أن تؤدي هذه الحادثة إلى تصعيد نيران التمرد وعملياته ضد التحالف وضد البنى التحتية العراقية, مع خفض الهجمات التي تستهدف المدنيين العراقيين. \r\n \r\n والأهم من ذلك كله ضرورة النظر إلى مصرع الزرقاوي وأثره على الأمن العراقي, من زاوية علاقة العراق بجيرانه في المنطقة, ومدى استعداد دول الجوار لمساعدة الحكومة العراقية على بسط الأمن والاستقرار في حدودها. ولا بد من الاعتراف هنا, بأن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003, وما صحبه من أهداف أميركية معلنة تستهدف المنطقة برمتها, قد تحول إلى فزاعة لدول الجوار كلها. والذي حدث في الحالة العراقية, هو على النقيض تماماً مما حدث في غزو أفغانستان, حيث ظلت دول الجوار جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي السلمي للسلطة, وحيث تعاونت دول متباينة أشد ما يكون التباين, من روسيا إلى إيران والهند, مع تلك العملية وقبلت الأهداف المعلنة للغزو. ولنذكر أن الرسالة الأولى التي بعثت بها إدارة بوش لدول الجوار, خاصة إلى كل من مصر وإيران وسوريا والمملكة العربية السعودية– هي أن العراق لن يكون سوى مقدمة ونموذجاً لتحول أوسع, لنمط الديمقراطية الموالية للغرب, وأن غزو العراق سيفتح الطريق إما أمام فكرة تغيير الأنظمة القائمة, أو دفعها إلى تبني إصلاحات سياسية جذرية, على امتداد المنطقة الشرق أوسطية بأسرها. ولذلك فقد كان طبيعياً أن تواجه هذه الاستراتيجية بالرفض والنفور, خاصة من الدول التي عنتها الرسالة مباشرة. \r\n \r\n إذن فإن النتيجة الرئيسية التي يمكن أن نخلص إليها, هي أن أمن العراق رهين إلى حد كبير بالاتفاقات ومدى التعاون الذي تستطيع بغداد بناءه مع جيرانها الإقليميين. وفي هذا تلعب الدبلوماسية الأميركية دوراً مهماً, وليس عصا التهديد والوعيد لإيران وسوريا وغيرهما من دول الجوار. \r\n \r\n