لقد كانت إيران ديمقراطية في طور التشكل في 1953، غير أن رئيس الوزراء محمد مصدق– الذي اختير من قبل برلمان منتخب وكان يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الإيرانيين– أثار حفيظة الغرب حينما قام بتأميم القطاع النفطي في بلاده. وقام الرئيس الأميركي إيزنهاور بإرسال عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية \"سي آي إيه\" لتنحيته. وقد كان الانقلاب ناجحاً، إلا أنه عبّد الطريق لكارثة لاحقة، حيث أعادت \"سي آي إيه\" محمد رضا بهلوي إلى العرش. وبعد 25 سنة، أدى حكمه القمعي إلى قيام الثورة الإسلامية التي جلبت إلى السلطة مجموعة من الملالي الناقمين على الغرب والذين سعوا منذ ذلك الوقت جاهدين، وأحياناً باستخدام العنف، إلى إضعاف المصالح الأميركية عبر العالم. \r\n \r\n لو أن إدارة \"إيزنهاور\" أحجمت عن القيام بتدخل مباشر في إيران سنة 1953، ما كان هذا النظام الديني ربما ليصل إلى السلطة، وما كانت ستكون ثمة أزمة نووية. وبدلاً من ذلك، ربما كانت إيران ستصبح ديمقراطية ناجحة وسط الشرق الأوسط الإسلامي. \r\n \r\n الواقع أن الإطاحة بحكومة ما يشبه إطلاق عجلة من أعلى التلة، إذ لا نعرف بالضبط ماذا سيحدث بعد ذلك. والإيرانيون ليسوا الوحيدين الذين يعرفون هذا الأمر، ففي غضون قرن ونيف، قامت الولاياتالمتحدة بإسقاط حكومات ما لا يقل عن 14 بلداً، بدءا بالملكية في هاواي في 1893. وقبل أفغانستان والعراق، كانت هناك الفلبين وباناما وفيتنام الجنوبية وشيلي، من بين دول أخرى. \r\n \r\n والأكيد أن جل هذه التدخلات لم تتسبب في آلام البلدان المستهدفة فحسب، وإنما أضعفت كذلك الأمن الأميركي على المدى البعيد. ولعل خير مثال على ذلك كوبا. ففي 1898، أرسلت الولاياتالمتحدة قوات لها لمساعدة المتمردين على الإطاحة بالحكم الكولونيالي الإسباني. ولكن حالما تم تأمين النصر، نكثت الولاياتالمتحدة بما تعهدت به لكوبا لتحولها بعد ذلك إلى محمية لها. وبعد أكثر من ستين سنة على ذلك، وفي أول خطاب له كزعيم للثورة الكوبية الناجحة، ذكر فيديل كاسترو بتلك الحلقة وقطع عهداً على نفسه قائلاً \"هذه المرة، سيكون الأمر مختلفاً عما حدث في 1898، عندما أتى الأميركيون ونصبوا أنفسهم أسياداً على هذه البلاد\". والواقع أن هذه الكلمات توحي بأنه لو أن الولاياتالمتحدة تركت كوبا حرة مستقلة في 1898، لما ظهرت ربما ظاهرة شيوعية كاسترو. \r\n \r\n ونتيجة لذلك، أضحت أميركا اللاتينية والشرق الأوسط من أول المناطق في العالم التي تضم تمرداً سياسياً صريحاً ضد سياسات الولاياتالمتحدة. وبالتالي فليس من باب المصادفة أن تكونا المنطقتين اللتين شهدتا أكبر عدد من تدخلات الولاياتالمتحدة. غير أن الاستياء الناتج عن التدخل يتفاقم وينتقل من جيل إلى جيل، لينتج عنه في نهاية المطاف رد فعل قوي. \r\n \r\n إن الدول التي تعرضت لتدخلات في السابق هي الأشد حرصاً والأكثر عزماً على التصدي لتدخلات مقبلة. وإيران واحدة من هذه البلدان، إذ سعى البريطانيون والروس والأميركيون خلال المئتي سنة الماضية إلى السيطرة على إيران واستغلالها. وبالتالي، فإذا أقدمت الولاياتالمتحدة على التدخل هناك اليوم، فستواجه الغضب الذي يشعر به الإيرانيون ضد كافة القوى الخارجية. \r\n \r\n البعض في واشنطن يعتقد أن الأمر يستحق المحاولة في إيران على اعتبار أن أي نظام جديد سيكون أفضل من النظام الحالي. والحال أن ذلك سيشكل مجازفة كبرى، حيث سيقوي التدخل الفصائل الأكثر تشدداً في إيران. كما سيعمل المناضلون، من أمثال الرئيس أحمدي نجاد صاحب الخطب النارية، على استغلاله لقمع الانشقاق والأصوات المعارضة. وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى موجة قمع، وإنتاج نظام مناوئ للولايات المتحدة، ويتسبب في انتكاسة لقضية الديمقراطية في إيران. \r\n \r\n والواقع أن الأزمة الراهنة يمكن حلها عن طريق مفاوضات مباشرة وغير مشروطة بين واشنطنوطهران، ولكن الزعماء الأميركيين يرفضون التفاوض مع الملالي، ذلك أن آثار الثورة الإسلامية النفسية وأزمة الرهائن التي أعقبتها تركت آثارا عميقة على النفسية السياسية الجماعية في الولاياتالمتحدة – وهي عميقة إلى درجة أنها تمنع واشنطن من إشراك إيران علما بأن من شأن ذلك أن يعود بالفائدة على الأمن الأميركي. \r\n \r\n والحقيقة أن هذين البلدين يمكنهما أن يصبحا حليفين، فكلاهما يرغب في إرساء الأمن والاستقرار في العراق وأفغانستان، وضمان تدفق نفط الشرق الأوسط بحرية وانسياب، وسحق الحركات السنية المتشددة مثل الطالبان و\"القاعدة\". غير أن ما يحول دون فتح هذه المحادثات هو الاستياء العميق الذي يشعر به الجانبان بسبب التدخلات السابقة لكل طرف. إن علاج تأثيرات التدخلات الماضية ليس هو المزيد من التدخلات. وبالنظر إلى خطورة الأزمة النووية مع إيران، ينبغي على الزعماء الأميركيين أن يعدلوا عن رفضهم التفاوض مع طهران. أما البديل فقد يكون تدخلاً عنيفاً في إيران. وقد سبق للأميركيين أن جربوا ذلك، غير أن النتائج لن تكون أفضل هذه المرة. \r\n \r\n ستيفان كينزار \r\n \r\n مراسل سابق لصحيفة \"نيويورك تايمز\" ومؤلف كتابي \"رجال الشاه\" و\"إسقاط الأنظمة\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n