وما أن يحل الربيع ويبدأ الطقس بالدفء, حتى تبدأ موجة جديدة من القتال هنا في كل عام من الأعوام الماضية. غير أن كثافة وجود المقاتلين ومستوى تحفزهم واستعدادهم هذه المرة بالذات, دق ناقوس الخطر وأثار اهتمام الكثير من المسؤولين الأجانب, بمستوى فاق أياً من الأعوام الماضية. فقوات تنظيم القاعدة وحركة \"طالبان\" تنتشر في كل مكان من ذلك الجزء من أفغانستان, على حد قول أحد أصحاب الدكاكين التجارية مع الفريق \"كارل إيكنبري\" قائد القوات الأميركية, أثناء جولة له في سوق خيري نظم في مدينة \"ترين كوت\". ومضى صاحب المحل التجاري قائلاً: تبدو المدينة هنا هادئة تماماً, ولكن ما أن تخرج إلى المناطق الريفية المحيطة بها, حتى تراهم منتشرين في كل مكان, ثم إن على الناس أن يدعموهم شاءوا أم أبوا, إذ لا خيار أمامهم سوى ذلك! \r\n وأكثر ما يثير مخاوف الأفغان, حقيقة الانسحاب الوشيك المرتقب للقوات الأميركية الموجودة حالياً في جنوبي أفغانستان, وتسليم مهامها لقوات حفظ السلام التابعة لحلف \"الناتو\", مع العلم بأن هذه الأخيرة أعلنت صراحة عدم خوضها أية حرب مع الإرهابيين. وبقدر ما تغرس هذه الخطوة من فزع في نفوس الأفغان, بقدر ما تقوي في الجانب الآخر شوكة المتمردين والمقاتلين المتشددين التابعين لحركة \"طالبان\" وتنظيم \"القاعدة\" معاً. ومن جانبه فقد دعا الفريق \"إيكنبري\" إلى التزام الصبر ودعم القوات. وفي حديث له أمام اجتماع لكبار أهالي محافظة \"أروزجان\" وأعيانها, عقد في منزل المحافظ بالعاصمة \"ترين كوت\", قال الفريق: لم تعطَ هذه المحافظة ما يكفي من الاهتمام. وأظن أن القادة والحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي بأسره, على علم بهذه الحقيقة. لكنه أكد على صعيد آخر أن الإصلاحات قادمة, وأن نتائجها ستظهر خلال العام الجاري 2006. \r\n والشاهد أن تدفق أعداد كبيرة من مقاتلي \"طالبان\" إلى القرى والمناطق الريفية الجنوبية, وهم مزودون بكميات كبيرة من الأموال والأسلحة, قد وجه صفعة قاسية لثقة الأهالي المحليين بحكومتهم, مع العلم بأنها تأثرت سلباً جراء عجزها عن إحراز تقدم يذكر, إضافة إلى ما أثارته فيهم من مشاعر إحباط, ناجمة عن ضعف أدائها وعدم كفاءة قادتها. الجدير بالذكر أن هذه المدينة الصغيرة التي يشقها شارع رئيسي واحد, تقع في قلب أفغانستان, وأن الرسالة التحذيرية التي يبعث بها أهلها بخصوص الخطر \"الطالباني\", جد مظلمة ومثيرة للقلق. وعلى الرغم من أن حملة الرئيس حامد قرضاي لاستنفار الدعم الشعبي ضد المقاتلين المتشددين عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر, قد انطلقت من محافظة \"أروزجان\" نفسها, فإن المحافظة عادت اليوم مرة أخرى إلى قبضة من طردوا منها بالأمس. وليس أدل على ذلك من الطوق الذي يضربه مقاتلو \"طالبان\" على عاصمتها \"ترين كوت\" الآن, عن طريق تشديد قبضتهم على المناطق المحيطة بها يوماً بعد الآخر. \r\n وعلى الصعيد نفسه قال مسؤول عسكري أميركي بالمدينة, إن حاكم المحافظة \"مولاي عبدالحكيم منيب\", الذي تسلم منصبه قبل شهر واحد, لا يحكم سوى مساحة صغيرة جداً من محافظته, لا تزيد على نطاق رغوة صابون. وفيما عدا هذا النطاق الجغرافي السياسي المحدود جداً, فإن باقي المحافظة كلها, يكاد يكون في قبضة متمردي ومقاتلي \"طالبان\", إلى درجة أن معظمها غطي باللون الأحمر, دلالة على خطرها, وفق ما تشير إليه الخريطة الموجودة في مقر القاعدة الأميركية القريبة منها. \r\n وعلى الرغم من أن محافظة \"أروزجان\" ظلت منطقة مضطربة باستمرار, فإن غلبة اللون الأحمر عليها في الخريطة الأميركية, تدل على حدوث تدهور أمني واضح فيها. فبين تلك المساحة الشاسعة لهذه المحافظة الجنوبية, لا توجد سوى منطقة واحدة فحسب في منتصفها, كساها اللون الأخضر, دلالة على تحسن الوضع الأمني. وفي الاجتماع المشار إليه آنفاً, قال المحافظ \"منيب\" للفريق \"إيكنبري\", إن الوضع الأمني بالمحافظة ليس جيداً ولا على ما يرام. وأوضح المحافظ أن تدهور الوضع إنما يعود إلى غلبة عدد مقاتلي طالبان –الذين وصفهم بالأعداء- على عدد قوات الشرطة ووحدات الجيش الوطني الأفغاني. والمشكلة الأكبر أن \"أروزجان\" ليست هي المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات \"طالبان\". فإلى الجنوب الأقصى منها, خاصة في محافظتي قندهار وهلمند, حدثت اجتياحات كبيرة من قبل مليشيات التمرد \"الطالباني\". هذا وقد تواترت التقارير عن اتساع زحف قوات \"طالبان\" على الريف وترهيب الأهالي هناك, ونصب الكمائن العسكرية للسيارات والتدافع باتجاه خوض معارك هجومية, سواء كانت ضد قوات التحالف أم ضد قوات الجيش الأفغاني. \r\n \r\n كارلوتا جال \r\n مراسلة صحيفة \"نيويورك تايمز\" من ترين كوت- أفغانستان \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n \r\n \r\n