ان المشكلة الأساسية في منهج الإدارة الأميركية تكمن في انه يخلط بين قضيتين مختلفتين ترتبط الأولى بالإسلام المتطرف المعادي للحداثة والذي يؤمن بالعنف (وتجسد مؤخرا في الاحداث التي وافقت نشر الرسوم الدانماركية وفي تفجير الضريح في سامراء) وترتبط القضية الثانية بعجز المؤسسات السياسية والاجتماعية في غالبية الدول العربية \r\n تفترض الادارة الاميركية ان القضية الثانية تتسبب بالقضية الاولى وكذلك قولها ان السياسات الأميركية ايام الحرب الباردة في دعم الأنظمة العربية المستبدة والصديقة لها مسئولة الى حد بعيد عن الدكتاتورية العربية وقد عبر عن ذلك الرئيس بوش في خطاب له في نوفمبر من العام 2003 ورددته بعد ذلك عدة مرات كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية فقد قال بوش إننا ضحينا بالحرية من اجل السلام في الشرق الأوسط لمدة ستين سنة الا أننا لم نحصل لا على السلام ولا على الحرية نستنتج من ذلك ان الولاياتالمتحدة لو أوقفت دعمها للأنظمة المستبدة وبذلت قصارى جهودها لصالح الديمقراطية فربما انحسرت قضية الإرهاب بشكل كبير او ربما حلت الى الابد . \r\n ان الثقافات السياسية الاستبدادية تدعم الإسلام المتطرف الا ان السبب الرئيسي للأخير سواء اليوم ام في السابق وكما يظهر في مناسبات تاريخية عدة يعود الى الصعوبة التي تواجهها بعض المجتمعات والأفراد في محاولتهم التوافق مع التغيرات الاجتماعية ان مسلمي أوروبا الديمقراطية متورطون في هذه المشكلة مثلما يتورط مسلمو الشرق الأوسط فيها . وهذه القضية هامة جدا لأنها تعتبر تحديا مباشرا لواحد من اركان وجهة نظر الإدارة الأميركية . \r\n ان ما تعتبره الإدارة الأميركية مشكلة واحدة يجب ان تراه على انه مشكلتان يجب ان نتعامل مع الإسلام المتطرف بشكل منفصل عن نشر الديمقراطية . وهذا يتطلب ان نفعل ما نستطيع لضمان النجاح السياسي لحكومتي العراق وافغانستان .. ويتطلب أيضا قتل او اعتقال او تحييد المتطرفين من الإرهابيين في العديد من اصقاع الدنيا وضمان عدم وصول المواد الخطيرة اليهم في عمليات هي الأقرب الى عمل الشرطة والمخابرات من الحروب . \r\n لكن الخطر يتمثل في مستوى الأفكار ومثلما كان بالإمكان في السابق قطع دابر العبودية والتخلص منها دون الحاجة لانتظار نشر الديمقراطية يمكن أيضا قطع دابر الإرهابيين اولا دون انتظار ولادة الديمقراطيات من المغرب حتى بنغلاديش . وعلى الولاياتالمتحدة وحلفائها من الدول الغربية مساعدة المسلمين الحقيقيين والتقليديين والورعين لتأكيد سيطرتهم على حضارة دينية جميلة ورحبة ضد هجمات الإرهابيين ذات التمويل المالي الجيد هذه الفكرة ليست بالجديدة الا أننا لم نأخذها على محمل الجد عند التطبيق وعلينا دعم الدانماركيين بسخاء وكذلك جميع الليبراليين الأوروبيين الحقيقيين عند تعرضهم لهجمات الإسلاميين المسلحين والمتطرفين . \r\n يجب إبعاد قضية الترويج للمؤسسات الديمقراطية والليبرالية في الشرق الأوسط عن هذه المعركة لأن القضية تحتاج الى وقت طويل والى عادة تخطيط جذري ان الإدارة الأميركية لم تحدد مقدار الضرر الذي تسبب به الوضع المتأزم في العراق لخططها الزمنية . ان مشروعها الخاص بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كان يستند في الأساس على النجاح المتحقق في زرع الديمقراطية في العرق الا ان ذلك النجاح لم يتحقق وان العديد من المنافسين الديمقراطيين لبعض الأنظمة (مثل سوريا وايران) سيقولون انهم يفضلون الوضع الراهن على وضع يشابه ما يحدث في العراق الآن. ذلك لن يقدم صورة وردية لمبادرة الادارة الأميركية الجديدة لنشر الديمقراطية . في إيران ستجد تلك الإدارة صعوبة بالغة في العثور على متعاونين لتوظيف خمسة وسبعين مليون دولار رصدت للعملية . \r\n ان حرب العراق لم تزد من هيبة الولاياتالمتحدة وأفكارها مثل الديمقراطية بين شعوب الشرق الأوسط . ليس للولايات المتحدة من السلطة الأخلاقية الكثير ليجعلها قادرة على نشر سيادة القانون طالما ان اول شيء يقفز في مخيلة تلك الشعوب عن الولاياتالمتحدة هو تعذيبها لسجناء غوانتاناسو وبغرام وابي غريب . حاول العديد من الأميركيين تبرير تلك الأحداث بالقول ان التعذيب ضلال سوقه أعداء الولاياتالمتحدة وان مثل هذه الأحداث متوقعة في أوقات الحرب . ربما يكون ذلك مقبولا الا ان الواقع يقول ان غوانتانامو مازال مفتوحا ولم تدن الإدارة الأميركية سوى نفرين من جنودها بتهم إساءة معاملة السجناء . ان إصرار الولاياتالمتحدة على سيادة القانون وحقوق الإنسان يبدو زائفا . \r\n لقد فتحت الإدارة الأميركية بابا للحوار والمشاركة السياسية في العالمين العربي والإسلامي لكن الانتخابات الأخيرة التي جرت في إيران ومصر وفلسطين والعراق قد أوصلت الى سدة الحكم او زادت من قوة جماعات متطرفة جدا مثل حماس والاخوان المسلمين في مصر وحتى أصدقائنا المفترضين في التحالف الشيعي الذين ابلوا بلاء حسنا في الانتخابات التي أجريت في ديسمبر الماضي انشغلوا في فرض نظام إسلامي متشدد في المناطق التي يسيطرون عليها . \r\n ان مبادئ الإدارة الأميركية ينبغي ان تتحدث عن خلق مساحات كافية للمعارضة والحوار والا فانها ستنكفئ داخل المساجد مما سيوفر الفرصة امام الجماعات المتطرفة للوصول الى السلطة . \r\n ان الرأي العام اليوم لا يجري في صالح الليبراليين العلمانيين من أنصار الغرب وانما يؤيد الإسلاميين وهذا يعني في العديد من البلدان العربية ان الانتخابات الديمقراطية غير الناضجة ستأتي حتما بالمسجد الى الساحة العامة بينما يجري في الوقت نفسه التعتيم على أساليب التعبير الأخرى ان المتسامحين يخلون الساحة للمتطرفين الذين لن يسمحوا بعد ذلك بتداول السلطة للطرف الآخر . \r\n كم من القوة سنحتاج لنشر الديمقراطية على المدى البعيد أمر صعب التكهن به ان السياسات الأميركية التي تدعم الإسلاميين الذين يصلون الى الحكم ستؤخر عملية التحرر السياسية وستساعد الأطراف الخطأ في الحوارات الكبيرة التي تجري في المجتمعات الإسلامية ونتيجة لذلك ستزيد قضية الإرهاب تعقيدا . \r\n علينا تغيير الأساليب التي نتبعها في مؤازرة الديمقراطية في الشرق الأوسط ان إدراج الإدارة الأميركية لمبدأ نشر الديمقراطية في أولويات استراتيجيتها للأمن القومي واستعجالها في تغير بعض الأنظمة (على سبيل المثال النظام الايراني) سيضر كثيرا بالديمقراطية في المنطقة . ان الجهود لدفع الدول لاجراء انتخابات مبكرة والذي اوصل اليوم الإسلاميين الى سدة السلطة سيدفعنا الى ارتكاب المزيد من النفاق عندما تفرز الانتخابات نتائج لا نريدها . يمكننا تقديم العون للعديد من المؤسسات الديمقراطية مثل الانتخابات البلدية ومؤسسات المجتمع المدني ان ميل الكونغرس لتقديم المساعدات والدعم للديمقراطية من خلال وزارة الخارجية امر غير فعال بالرغم من توفر النية الحسنة . ان آخر الأمور التي يفكر بها الان ناشطو الديمقراطية والحصول على أموال أميركية لذلك يستحسن تقديم العون المالي عن طريق مؤسسات بعيدة عن الإدارة الأميركية وهنالك العديد من السبل لدعم الجماعات الديمقراطية في المنطقة مثلا العمل مع الدول التي شهدت تحولات ديمقراطية والتي قد تملك مصداقية اكبر من واشنطن . \r\n ان الإدارة الأميركية تضغط بقوة في الأماكن غير المناسبة الا إنها كثيرا ما تكون لينة في المناطق التي تتطلب ضغطا قويا مثلا كان بإمكان الإدارة ان تترك امر تمويل الديمقراطية على المدى الطويل بيد المعهد الوطني الديمقراطي او المعهد الجمهوري الدولي . \r\n علينا ان لا نفكر بقلب نتائج الانتخابات التي جرت مؤخرا لكن علينا الضغط على القوى التي امسكت بالسلطة ان تحكم بنزاهة . لقد كسبت الأحزاب الإسلامية في مصر وفلسطين شعبية كبيرة ليس لسياسة تلك الأحزاب الخارجية وانما لضغطها على بعض قضايا الإنعاش الاجتماعي مثل التربية والصحة والوظائف ومواقفها من الفساد . لنتركهم يعملون في ذلك الاتجاه ، واذا لم يورطوا أنفسهم في الفساد فانهم سيكتشفون في منتصف الطريق عظم المسئولية التي تواجههم . \r\n ان نشر الديمقراطية يجب ان تبقى جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأميركية الا اننا يجب ان لا ننظر اليها على انها سلاح هام في محاربة الارهاب علينا محاربة الإسلام المتطرف وسد الطريق أمامه بعيدا عن التخلف السياسي والاجتماعي العربي . وعلينا تحسين الوضع السياسي والاجتماعي بعيدا عن الإرهاب وبشكل ذكي وهادئ وصبور وبمعونة اكبر عدد من الحلفاء ان خلط الأمرين سيحرمنا من فهمهما وبالنتيجة سوف لن نهزم الإرهاب او ننشر الديمقراطية وانما سيحدث العكس . \r\n * فوكوياما يعمل استاذا في جامعة جونز هوبكنز وصدر اخر كتبه تحت عنوان : اميركا على مفترق الطرق : الديمقراطية والقوة وتركة المحافظين الجدد . \r\n * غارفينكل رئيس تحرير مجلة الاميركان انتيرست \r\n \r\n نقلا عن صحيفة الوول ستريت جورنال \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n