فالحرب ضد القوات الأميركية في العراق ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي أصبحتا في نظر العرب والمناضلين الإسلاميين عبارة عن معركة واحدة. وفي غياب أي احتمال للسلام في أي من الجبهتين تتشكل تحالفات وقيادات جديدة توحي بأن القتال سيدخل في مرحلة جديدة أشد قسوة وهلاكاً. \r\n \r\n \r\n وتفيد مصادر الاستخبارات الغربية أن هنالك قيادة عليا جديدة تبرز إلى حيز الوجود مكونة من حزب الله (الحركة الشيعية اللبنانية التي أجبرت إسرائيل على الخروج من جنوب لبنان) وحماس (الحركة الفلسطينية المتطرفة التي حلت محل السلطة الوطنية وياسر عرفات كرأس الحربة في مقاومة إسرائيل) وجماعة «الأخوان المسلمين» (الذين تمثلهم في الأراضي المحتلة حركة الجهاد الإسلامي) وأخيراً، وليس آخراً، جمهورية إيران الإسلامية. \r\n \r\n ولعل ما يلفت النظر في هذا التحالف هو أنه يضم السنة والشيعة في العالم الإسلامي ويوحد من ناحية أخرى بين القوميين العرب والإسلاميين في سبيل قضية واحدة. وكما صرح لي أحد أعضاء هذا التحالف «لم يعد هنالك اليوم أي فرق بين المقاومة والجهاد». \r\n \r\n انتصار المناضلين على المعتدلين \r\n \r\n هنالك عوامل عديدة تكمن وراء نشوء هذه المقاومة الأفضل تنظيماً والأكثر تصميماً يمكن ترتيبها كالآتي: \r\n \r\n أولاً - الدعم الأميركي لرئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون في توسيعه المستوطنات اليهودية وبنائه جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وفي حربه الشاملة ضد الفلسطينيين، الأمر الذي لا يدع أي مجال لحل سلمي للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وقد أخذ التوافق الدولي حول إنشاء دولتين في فلسطين يزداد اصطداماً بالواقع. \r\n \r\n نتيجة لذلك ساد السكوت في صفوف الفلسطينيين المعتدلين في حين تكاد السلطة الفلسطينية تنهار تحت الضربات الإسرائيلية من جهة والإحباط المرير الذي يعانيه الشعب تحت الحصار. وبذلك انتقل زمام المبادرة إلى رجال المقاومة الذين لا يرون بديلاً للنضال المسلح. ومن المفارقة أن التضحيات الضخمة التي قدمها الفلسطينيون في سنوات الانتفاضة الأربع، هذه التضحيات تستخدم كحجة لمتابعة المعركة مهما طالت. \r\n \r\n ثانياً - أما في العراق، فالمحاولات الأميركية لقمع التمرد بالقوة تعبئ قوات مناوئة لأميركا في أجزاء عديدة من العالم خصوصاً أن هنالك تقارير تفيد بأن أميركا تخطط لمعركة ساحقة وحاسمة قبل نهاية السنة ل «تنظيف الفلوجة» وغيرها من مراكز المقاومة تمهيداً لإجراء الانتخابات في مطلع العام المقبل. \r\n \r\n ولقد أصبح العراق في نظر المقاتلين العرب والإسلاميين قضية قتال وتعبئة لا تقل قوة وحدّة عن القضية الفلسطينية ذاتها. \r\n \r\n ثالثاً - التهديدات الأميركية والإسرائيلية المتكررة بضرب إيران، لتدمير برامج أسلحتها النووية المزعومة، ساهمت في توتير المزاج هذا البلد وفي المنطقة بأسرها. وقد أدت هذه التهديدات إلى تشجيع التيار المحافظ في النظام الإيراني على العمل بقوة للقيام بعمليات وقائية في العراق وفي الساحة الفلسطينية - اللبنانية من أجل التصدي للطموحات الأميركية والإسرائيلية. \r\n \r\n والواقع أن انتصار المتطرفين لم يكن أمراً محتوماً. اذ طالما ترددت حركتا حزب الله وحماس في القيام بنشاط خارج دائرة معاركهما سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية. كل ما كانت تنشدانه هو أن يتم الإقرار بالظلم الذي لحق بهما وأن تتم معالجة مطالبهما. ولقد حاولا «إقحام» أميركا في الأمر، ولا يزالان يأملان بتغيير في السياسة الأميركية. غير أن إصرار أميركا وإسرائيل على دمغهما بالإرهاب وعلى تجريمهما أدى عملياً إلى ازدياد شعبيتهما وشرعيتهما ودفعهما إلى البحث عن ساحة أوسع لعملياتهما. وقد بدأ النقاش الحاد يدور طوال عدة أشهر في الدوائر الفلسطينية حول الحكمة من العمليات الانتحارية. إذ اعتبر المعتدلون أن هذه العمليات تخدم شارون وتبقيه في الحكم وتمده بذريعة لتدمير السلطة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني على وجه الخصوص. \r\n \r\n وقد وفرت هذه العمليات الانتحارية الفرصة لشارون كي يعادل بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب الدولي ويقوم ببناء جدار الفصل العنصري. كذلك أدّت هذه العمليات إلى زرع الرعب في صفوف الشعب الإسرائيلي وإلى إلحاق الأذى بأنصار السلام وإسكات أي معارضة جدية في وجه قمع شارون الهمجي. \r\n \r\n ويقول المعتدلون بأن الفلسطينيين إذا ما تخلوا عن العمليات الانتحارية وتبنوا استراتيجية المقاومة غير العنيفة، فقد يكسبون تعاطف الرأي العام العالمي مع قضيتهم العادلة ويوقظون الضمير العالمي - بما في ذلك ضمير الكثيرين في إسرائيل نفسها - وبذلك قد يساعدون المجتمع الدولي على إغراء إسرائيل بالعودة إلى عالم القانون والمفاوضات السياسية بعيداً عن التعصب والاستخدام الأعمى للقوة. \r\n \r\n غير أن مناخ هذه الأيام لا يفسح في المجال لهذه الحجج التي يرددها المعتدلون، بل على العكس فالمتطرفون يرون أن الانتفاضة والعمليات الانتحارية قد ألحقت بإسرائيل أذى كبيراً، وأن الاحتلال والقمع قد زرعا الرعب في المجتمع الإسرائيلي، وأدى ذلك إلى انخفاض الاستثمارات وازدياد نسبة البطالة والإجرام، وإلى ضرب مواسم السياحة، ونزوح الشباب إلى الخارج، وتحول الرأي العام العالمي لصالح الفلسطينيين. وهم يضيفون أن إسرائيل حالياً أكثر عزلة من أي وقت مضى وأنها لم تكن لتقوى على الصمود لولا الدعم الأميركي. \r\n \r\n وعليه فإن الاستراتيجية يجب أن توجه ضد أهداف أميركية وإسرائيلية بحيث يدرك الرأي العام الأمريكي بأن الثمن الذي تدفعه بلاده إنما هو من أجل سياسات انحيازية، ويقتنع الإسرائيليون بضرورة العودة إلى التعقل. ذلك هو التيار السائد اليوم في المنطقة. \r\n \r\n الجدل في أميركا \r\n \r\n الجدل الدائر في العالمين العربي والإسلامي هو صدى لجدل مماثل، وإن يكن خافتاً نسبياً، في الولاياتالمتحدة. فهنالك معارضة صريحة أخذت نعبر عن نفسها على مواقع في الانترنت وفي خطب لشخصيات معروفة بل حتى في الصحف الكبرى ضد «النيو كونز»، أي المحافظين الجدد، الذين يعتبرون مسؤولين عن الكارثة في العراق وعن تنامي كراهية أميركا في العالمين العربي والإسلامي. \r\n \r\n إضافة إلى ذلك فإن تصاعد الخسائر بالأرواح والمال في حرب العراق والخوف من الهجمات الإرهابية الذي يسود أميركا أخذا يشجعان المعارضين على رفع أصواتهم ضد ما يعتبر في نظر العديد من الدوائر نتيجة لمصادرة سياسة أميركا الخارجية والأمنية من جانب اليمينيين من أنصار إسرائيل. \r\n \r\n مثل هذا الآراء تدور في أوساط أعضاء المؤسسة التقليدية التي تتولى السياسة الخارجية في أمريكا كما تدور بين كبار المسؤولين، حيث يجري التعبير عن الأسف الشديد للإخفاق في إدراك خطر المحافظين الجدد والإخفاق في منع وصولهم إلى ما هم عليه من نفوذ خلال السنوات العشرة الماضية. \r\n \r\n والجدير بالذكر في هذا الصدد أن صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت على عرض صفحة كاملة إعلاناً يوم الأحد الفائت لجماعة تسمي نفسها «احترام أميركا.كوم» يستنكر عمق سوء الفهم الأميركي لأسباب الإرهاب والحرب الخاطئة في العراق. ويقول الإعلان :الإرهابيون ليسوا أصحاب حقد متأصل وإنما يملأ قلوبهم إحساس بالظلم سواء بالنسبة للقاعدة أم بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل. المسلمون يرون السياسة الخارجية الأميركية منحازة بقوة لإسرائيل ويجدون في ذلك تهديداً واضحاً للإسلام». \r\n \r\n وليس اعلاناً كهذا سوى الأكمة التي تخفي ما وراءها. ذلك أن معارضة سياسات إدارة بوش منتشرة على نطاق واسع وراء الأكمة، لكنها ليست من القوة والتنظيم بحيث تستطيع أن توصل المرشح الديموقراطي جون كيري إلى البيت الأبيض. \r\n \r\n ولا شك أن المحافظين الجدد لا يزالون أقوياء ويسيطرون على مراكز عديدة في الإدارة، وهم إذا ما أعيد انتخاب جورج بوش - وتشير الاستطلاعات الى أنه لا يزال يتقدم على خصمه - سيجهدون للمحافظة على مناصبهم ونفوذهم، لا في داخل الحكومة فحسب بل في العديد من خلايا التفكير والتحليل في واشنطن التي ترسم السياسة الأميركية. \r\n \r\n والحاصل إن المعركة التي ستدور في الشهور المقبلة بين أميركا وإسرائيل من جهة والتمرد الإسلامي المنتشر على نطاق العالم أجمع من جهة أخرى ستكون حامية الوطيس جداً. \r\n \r\n ٭ كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط. \r\n