\r\n لم تكن المحاكمة مشوقة ، لكنها كانت جادة ، لتورط الرئيس الصربي السابق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية خلال حروب البلقان في فترة التسعينات من القرن الماضي. \r\n ولكونها أول محاكمة من نوعها لرئيس دولة سابقة ، عكست محاكمة ميلوسيفيتش تتويج فكرة تحميل كبار الزعماء السياسيين مسئولية جرائم أنظمة حكمهم وقد يجادل البعض بأن الجهد لا يستحق العناء ، متساءلين: ما جدوى محاكمة من دون حكم الا ان تكون تضييعا للوقت والمال ، وهو ما كان حريا بانفاقهما على إعادة بناء البلقان ؟ على أن الأمر ليس بهذه السهولة ، إذ أن المحاكمة بالرغم من كل مثالبها ، إلا أن تراثها ودروسها يجب تعلمها وحفظها أما دفن المحاكمة مع ميلوسيفيتش فهو تهور له نتائج عكسية. \r\n الكثيرون يتقاسمون اللوم لأوجه الفشل المختلفة في المحاكمة ، حيث سعت الحكومة الصربية في بلغراد ومسئولو صرب البوسنة في البوسنة نفسها ، بين الفينة والأخرى ، لإعاقة وصول المدعين إلى الشهود والأدلة في صربيا ، فضلا عن ضغوط مجلس الأمن والحكومة الأميركية والاتحاد الأوروبي التي فشلت في دفع بلغراد للتعاون بشكل كامل زد على ذلك أن ميلوسيفيتش نفسه كان مدعى عليه صعب المراس ، وكان نموذجا حذا حذوه صدام حسين اليوم ، رافضا تعيين مجلس دفاع عنه ومفضلا أن يمثل نفسه بنفسه ، وكان يعامل المحكمة بازدراء ، وكان دفاعه سياسيا مسرحيا بدرجة عالية لا تمت للتهم الموجهة إليه بصلة وكانت المحكمة ، بناء على تعليمات الأطباء ، تعقد نصف يوم ثلاث مرات في الأسبوع وبرغم أن ميلوسيفيتش كان مريضا ، إلا أن ثمة ظنونا بأنه كان يستغل وضعه الصحي لتقوية حجته بأن المحاكمة تقتله وقد تسبب وضعه الصحي ، وتمثيله المسرحي ، وقيامه بالدفاع عن نفسه ، في جعل المحاكمة تبدو كما لو كانت بلا نهاية. \r\n كما يتحمل مدعو قضاة المحكمة جزءا من اللوم على طول المحاكمة فمنذ البداية ، جمع القضاة ثلاثة اتهامات منفصلة ، تتعلق بجرائم مزعومة في كوسوفو وكرواتيا والبوسنة ، لإنشاء محاكمة ضخمة من 66 فقرة اتهام ، وكان العديد من هذه الاتهامات من الصعب جدا إثباتها لأن ميلوسيفيتش لم يترك وراءه الكثير من البصمات خلال فترة توليه السلطة ، وكانت النتيجة عبارة عن محاكمة معقدة تتضمن كما هائلا من الشهادات والأوراق وإفادات الشهود أما ما كان يجب أن يكون هو محاكمة ضيقة ، أو ثلاث محاكمات منفصلة تركز على جرائم كبرى عديدة لا يخطئ احد في مسئوليته عنها ؛ ولو حدث ذلك لكنا رأينا إدانة او تبرئة في واحدة على الاقل من هذه المحاكمات اليوم على ان الاعتراف بالمثالب الخطيرة لا يعني الانكار على المحاكمة تراثها المهم ذلك ان الدليل القوي على تورط بلغراد في الجرائم في البوسنة وكرواتيا انكشف ، وفي العام الماضي ظهر فيلم فيديو يصور وحدة صربية تعدم ستة مسلمين بوسنيين قريبا من توقيت مذابح سربرينتسا ، واجبر الفيلم الصرب على مواجهة تورطهم في أسوأ مذبحة عرفتها اوروبا منذ الهولوكوست ، والتفكير بطريقة علنية في المسئولية الاعرض لحكومتهم عن حروب البلقان وقد شهد كرواتي بوسني ، اعترف بذنبه في جرائم ضد الكروات وانتحر الاسبوع قبل الماضي ، بدور ميلوسيفيتش في هذه الجرائم , وقدم لفيف من كبار الزعماء السياسيين والعسكريين من اوروبا دليلا مباشرا على سيطرة ميلوسيفيتش على القوات شبه العسكرية المتورطة في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو وقد منحت المحكمة العديد من ضحايا الجرائم التي تم ارتكابها تحت عين ميلوسيفيتش الفرصة للتعبير عن معاناتهم والامهم حتى مع هذه الدروس ، يقف مستقبل العدالة الدولية على مفترق طرق فإذا حرمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة من فرصة محاكمة كبار رموز صرب البوسنة الانفصاليين ، رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش ، اللذان مازالا طليقين ، واذا فشلت المحكمة الجنائية الدولية في جهود إحضار المسئولين عن الإبادة الجماعية في دارفور الى العدالة ، فإن قيمة المحاكم الدولية ، وهي قيمة ليست بالرخيصة ، ستتضاءل في اعين العالم. \r\n \r\n قد يكون من السهل استبعاد محاكمة ميلوسيفيتش ، وعمل محكمة جرائم الحرب بوجه عام ، باعتبارها تضييعا للموارد لكن المحاكمة أنجزت أشياء مهمة صرنا نسلم بها اليوم لن يكون هناك حكم بإدانة ضد ميلوسيفيتش الآن ، لكن حكم التاريخ سيكون قاسيا. \r\n \r\n ديفيد كاي \r\n عمل مستشارا قانونيا للسفارة الاميركية في لاهاي من 2002 الى 2005 \r\n خدمة نيويورك تايمز - هيرالد تريبيون الدولية- خاص بالوطن